لا طعم من جهتي ينافس مذاق القهوة المرة التي يمكن تناولها في مضارب العشائر مع الاستمتاع بلذة عمل الخير والحفاظ على السلم الاجتماعي.
لا مذاق يعلو على القهوة المرة، بما في ذلك فنجان قهوة «إسبريسو إيطالي».
غرق الجميع في سجالات خارج المنطق والصورة تستعرض بعض صور ما كانت القناة الثانية في التلفزيون الأردني تبثه قبل 3 عقود، حيث مسلسلات بدوية فيها غزل وفروسية ومصالحات وجواسيس وغزوات وفيها أيضا تمجيد للتراب والشجاعة.
طوال أسبوع وبسبب جريمة نكراء وما أعقبها من مخاطر ما يسمى بفورة الغضب غرقنا كأردنيين في حبكة المسلسل البدوي القديم.
محطة تلفزيون «المملكة» على الخط السيادي وتبث أولا بأول تلك التصريحات الأمنية عن توقيف أشخاص تورطوا ضمن فورة الدم والغضب بإحراق منازل وسيارات.
«منسف» و«دحية»
الفضائيات المحلية جميعها منشغلة بالمشهد ويعود النقاش وسط غابات من التنابز في العشائر والعشائرية ودورهما.
فترات البث الصباحية في برامج تلفزيون «رؤيا» تدلنا مجددا على مشهد لا نرى فيه أي قبح. وفد كوري جنوبي يدعم مدارس إحدى البلدات الصحراوية يرقص مع الأهالي رقصة «الدحية» الشهيرة، ثم يلتهم الجميع طعام المنسف اللذيذ.
في أمريكا يرتدي مناضل سياسي قرنين ويشبه الوعل الجبلي، ولا أحد يعترض عليه، وفي أستراليا يرتدي رئيس وزراء بزة الكنغر ونظيره الأسكتلندي يضع وزرة القماش الصغيرة ويعزف على «القربة»، وفي الهند صديقي وليد ألبسه مضيفه السيخي عمامة حمراء، لكي يتمكن من حضور زفة عرس.
لماذا بعد كل ذلك تلك الهجمة على «العباءة» محليا؟
زميل مثقف ينتقد المشهد برمته، ثم يحدثنا عن استعمال هاتف الآيفون والطائرة أو الجلوس على فرش من جلد الماعز.
ما الذي يمنعني من الاسترخاء على جلد الماعز واستخدام هاتف الآيفون قبل ليلة من ارتداء ربطة عنق، ثم السفر بالطائرة بعد مغادرة «جاهة طيبة» للتو؟
لماذا يصر بعضنا على هجمة غير متزنة نفسيا ضد وحدة اجتماعية مهمة اسمها العشيرة، فيها من النبل والفروسية ما يفيض عن الحاجة، عند الرغبة في الحفاظ على السلم الأهلي.
ما فعله البعض في منطقة «شفا بدران» أصلا وأساسا مناهض لـ»العشائرية» والعشائر ويقوضها.
لست مع المنظرين للعودة إلى ما قبل الدولة أو للعشائرية، لكن لست في الوقت نفسه مع من يجرح العشائر أو يسيء اليها بدون مبرر، وأصفق بطبيعة الحال لأي إجراء رسمي أو قانوني يحمي العشيرة من أبنائها الذين يحاول بعضهم ركوب أكتافها والتصرف ضد الدولة أو القانون باسمها.
عندما تنزلق الدولة تصبح العشيرة حزاما يقي فعلا السروال من الفلتان، وعندما يتلاعب حراس القانون به تستر العشيرة ما تبقى من العري الوطني.
العشيرة النبيلة قوة وطاقة كاملة، مثل الآيفون وركوب الطائرة يمكن استخدامها بالسوء أو بالانحراف.
العشائر قبل الإقصاء
خيارنا في القبيلة هو دوما أخيرنا في الدولة والمجتمع.
لست مع حكم العشائرية، لكني مع توقف التجريح المرضي المختل بالعشائر وضد إنكار دورها وتضحيتها، خصوصا وأن الكوري الذي رقص الدحية ينافسني في احترام تقاليدي وأعرافي، التي كانت دوما نبيلة قبل أن يؤسس المراهقون في الإدارة وأحيانا الدولة لنظرية إقصاء وتهميش مشايخ العشائر الحقيقيون لصالح من أطلق أحدهم عليهم اسم «مشايخ العباءات التايواني».
الدولة أساءت للعشائر في الماضي القريب وعبثت فيها، هذا ينبغي أن يتوقف أيضا مقابل دور العشيرة نفسها في عزل ونبذ كل من يتعدى القانون أو يتجاوز أخلاقها الحميدة متدثرا بعباءتها.
«الجزيرة» تقرع الطبول
هل بالغ زميلنا الفاضل أسامة الشريف وهو يلاحظ قرع طبول الحرب النووية؟
نعم شعوري كمشاهد أن الزملاء في طاقم «الجزيرة» يستعدون للتصعيد والحرب المقبلة، فعدد الرؤوس التي تحتمي بخوذ عسكرية وتحمل الميكرفون على كادر شاشة «الجزيرة» يزيد بشكل ملحوظ، حتى كدنا نقول كلما زاد عدد الخوذ على الشاشة نقول «الله يسترها».
وشبكة المراسلين الحربيين تنتشر حتى في القرى الأوكرانية، فيما يبدو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعيبا للغاية وجدا ومؤثرا في السياق، وهو يخطب عبر شاشة «إي آر تي» التركية كاشفا قبل غيره من مسؤولي الخارجية التركية عن ملامح صفقة الأسرى.
وفي الختام آخر «نكشه»: تأملت أثناء مشاهدة «سي إن إن» التركية مبادرة بتوقيع القصر الجمهوري تحاول الأفراج عن أسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ما دامت العلاقات نار بين أنقرة وتل أبيب.
مدير مكتب «القدس العربي» في عمان
*كل الاحترام للعشيرة والقبيلة.. لكن أن
تأخذ دور الدولة فهذه قصة أخرى..؟؟؟
*كل من يروج لحرب (نووية) على خطأ.
حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد وظالم وقاتل.
المشكلة ليست مع القبيلة والعشيرة فهما بنية المجتمع العربي ، المشكلة تكمن في العصبية ومنطق الغلبة الذي يجعل المسؤول القبلي والعشائري اقل التزاما بالقانون وبمدنية الدولة ، ويؤثر ابناء عمومته بالمناصب والمزايا على غيرهم وإذا ضاق به الحال يوما يلجأ إلى الزعرنة والعنف لنيل ما يريد.
قد شاهدنا الفوضى السياسية العارمة التي طغت على ليبيا منذ سقوط القذافي والعشائرية هي من أهم أسبابها، عبر الصراع الخفي عشائرياً على السلطة وتعارض الولاء القبلي مع مبدأ الدولة الحديثة و تناقض التركيبة القبلية مع مبدأ الديمقراطية. ومع ذلك، علينا أن نعترف بدور العشائرية حين تتهلهل الدولة المدنية، وهذا ماحصل في ليبيا أيضاً حين انحلّت مؤسسات الدولة بعد الثورة واختفت قوى الأمن من شوارعها لسنوات. حينها كانت العشيرة صمام الأمان الذي منع المجتمع من التوحش.
سيد بسام، القوانين العشائرية تتعارض مع القوانين المدينة وليس امتداد لها، لذا ، يجب إلغاء العشائرية اذا اردنا دولة قوانين وحداثة.
في الماضي، نعم كانت الحاجة للعشائرية لحل المشاكل، مع العلم بأن العشائر كانت دائما تغزو بعضها وتنهب ماشيتها، وكانت الحاجة لانة لم يكن هناك دولة وقانون يسري، اما الان فالامور اخلتفت، ولهذه الاسباب يجب وضع العشائرية في خزنة حديدية واغلاقها وصهر مفتاح الاغلاق.
يكفي ضياع حقوق بشربة فنجان قهوة سادة ودق خشوم، لنبدأ بالتقيد بالقوانين التي تحفظ حقوق الجميع بغظ النظر من أي عشيرة انت .