الناصرة- “القدس العربي”: يواصل الكنيست الإسرائيلي سن تشريعات خاصة لشق الطريق أمام إعلان نتنياهو عن نجاحه في تشكيل حكومته السادسة، وسط احتجاجات أوساط معارضة لمعسكر اليمين المتشدد، وأنباء عن مغادرة مئات الإسرائيليين البلاد بسبب نتائج الانتخابات و”الاضطهاد الديني”.
في عملية تشريعية خاطفة، صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية على مشاريع قوانين يسعى الائتلاف الحكومي المقبل لتمريرها، بل تشترطها أحزاب اليمين الحليفة لنتنياهو، منها تعديل “قانون أساس: الحكومة”، بما يتيح إمكانية تعيين رئيس حزب شاس” (حزب الحريديم الشرقيين) آرييه درعي، المدان بالفساد، وزيراً، وذلك بتأييد 62 عضو كنيست ومعارضة 53 عضواً. ويهدف التعديل إلى منع إلصاق وصمة عار بدرعي بعد الحكم عليه قبل شهور بالسجن مع وقف التنفيذ، وأن تسري وصمة العار على المحكومين بالسجن الفعلي، وبذلك يتمكن درعي من تولّي منصب وزير المالية والصحة في الحكومة الإسرائيلية المقبلة.
كما صادقت الهيئة العامة للكنيست على قانون يسمح بتوسيع صلاحيات وزير الأمن القومي المقبل إيتمار بن غفير، رئيس حزب “قوة يهودية”، المدان في محكمة إسرائيلية بالإرهاب، وذلك لإحكام سيطرته على جهاز الشرطة والقوات التابعة له، لا سيما “قوات حرس الحدود”، وذلك بتأييد 61 عضو كنيست ومعارضة 53 عضواً. ويهدف مشروع القانون هذا إلى تعديل مرسوم الشرطة، بحيث يُمنح إيتمار بن غفير، المرشح لتولي حقيبة الأمن القومي، صلاحيات واسعة جداً في ما يتعلق بجهاز الشرطة وقائدها العام.
كما صادق الكنيست على إجراء تعديل تشريعي يتيح تعيين وزير ثانٍ في وزارة واحدة، وذلك تمهيداً لتعيين وزير ثانٍ في كلٍّ من وزارة التربية والتعليم، ووزارة الأمن. وسيكون الوزير الثاني في هذه الوزارة الأخيرة ممثلاً عن الصهيونية الدينية ومسؤولاً عما يعرف بـ “وحدة تنسيق شؤون الحكومة في المناطق الفلسطينية” المحتلة وعن “الإدارة المدنية”. ويهدف هذا التعديل إلى تسهيل المصادقة على أعمال البناء في المستوطنات وتوسيعها، ومنع البناء في القرى الفلسطينية في مناطق ج في الضفة الغربية، وذلك بإشراف مباشر من حزب الصهيونية الدينية الذي يتزعمه عضو الكنيست المتطرف صاحب الميول الغيبية باتسلئيل سموتريتش. وتمت المصادقة على هذا التعديل بتأييد 61 عضو كنيست ومعارضة 51 عضواً.
وعمل معسكر نتنياهو، ضمن هذه العملية التشريعية الخاطفة، على تمرير مشروع قانون آخر يرفع عدد الأعضاء الذين يحق لهم الانفصال عن كتلتهم البرلمانية وتشكيل كتلة برلمانية منفصلة، من أربعة أعضاء كنيست إلى سبعة أعضاء. وصادق الكنيست على مشروع القانون هذا بتأييد 61 عضو كنيست ومعارضة 52 عضواً، وسعى نتنياهو شخصياً لهذا التعديل من أجل منع انشقاق أعضاء كنيست من حزبه المستاء من عدم تبقي سوى فتات لنوابه بعد توزيع معظم الحقائب الوزارية لنواب من الأحزاب الأخرى المتهمة بابتزاز نتنياهو واستغلال ضعفه. وعلاوة على ذلك تطالب الأحزاب الدينية بوقف التيار الكهربائي يوم السبت بسبب قدسيته وفصل الرجال عن النساء في المسابح وساحل البحر وغيرها من تشريعات ونظم تعتبرها أوساط إسرائيلية معارضة “ظلامية” وتحول إسرائيل لدولة شريعة كإيران والسعودية.
وتعقيباً على ذلك، كرّر وزير القضاء في الحكومة المنتهية ولايتها جدعون ساعر أن ما جرى في الكنيست كان عبارة عن عملية سطو في وضح النهار. وأكد وزير الأمن الداخلي في الحكومة المنتهية ولايتها عومر بار ليف مجددا أن قانون توسيع صلاحيات بن غفير سيقضي على استقلالية الشرطة بطريقة تحوّلها إلى دمية في يد الوزير، واعتبر أن ذلك يعني تدمير الديمقراطية.
وكانت الهيئة العامة للكنيست انتخبت، أمس، بأغلبية أصوات الائتلاف الذي شكّله نتنياهو، عضو الكنيست من الليكود ياريف ليفين رئيساً موقتاً للكنيست، بدلاً من عضو الكنيست ميكي ليفي من حزب “يوجد مستقبل”. ومن المرجح أن يصبح ليفين، وهو أحد المقربين جدا من نتنياهو، وحلّ في المرتبة الأولى في الانتخابات التمهيدية في الليكود لاختيار المرشحين للكنيست، وزيراً للقضاء في الحكومة المقبلة. وقال أعضاء كنيست من الليكود إن ليفين سيستقيل من منصب رئيس الكنيست قبل وقت قصير من أداء الحكومة اليمين الدستورية، وسيتم انتخاب رئيس آخر وهناك من يرى أن ليفين معني بالبقاء في رئاسة الكنيست.
بالتزامن قدمت أحزاب اليمين، التي تسعى لإقامة الحكومة الإسرائيلية المقبلة برئاسة بنيامين نتنياهو مشروع قانون يهدف إلى إعادة إقامة مستوطنة “حومش” في الضفة الغربية المحتلة والتي جرى إخلاؤها في إطار خطة الانفصال عن قطاع غزة وشمال الضفة الغربية سنة 2005، وهي مستوطنة قامت على أراضي قريتيْ برقة وسيلة الظهر الفلسطينيتين.
وبادر إلى مشروع القانون هذا عضوا الكنيست يولي إدلشتاين من حزب الليكود وأوريت ستروك من حزب الصهيونية الدينية، ووقّعه 35 عضو كنيست من أحزاب الائتلاف الحكومي المقبل، بينهم نتنياهو نفسه. وكان عدد من المستوطنين الإسرائيليين أقاموا بؤرة استيطانية غير قانونية في موقع هذه المستوطنة، تشمل معهداً دينياً، وأصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا أمراً يقضي بإخلائها. وفي آب/أغسطس الماضي بلّغت الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة يائير لبيد المحكمة العليا أنها لا تعتزم إخلاء البؤرة، ورفضت تحديد موعد لإخلائها. ويسعى مشروع القانون الجديد للسماح بوجود المستوطنين والتحرك بحرية في المنطقة التي كانت المستوطنة مقامة فيها، والسماح لاحقاً بإعادة تخطيط وبناء المستوطنات التي اقتُلعت في إطار خطة الانفصال. وجرت محاولات في الماضي لإلغاء قانون الانفصال عن غزة الذي أتاح إمكان إخلاء مستوطنة “حومش” ولجمتها حكومات نتنياهو السابقة. وينص التغيير في صيغة مشروع القانون الحالي على إلغاء الحظر المفروض على وجود المستوطنين في الأراضي التي كانت المستوطنة قائمة عليها، وذلك وفقاً لتفاهمات بين حزبي الليكود والصهيونية الدينية. وعقّبت منظمة “يش دين” الحقوقية الإسرائيلية على مشروع القانون، فقالت إنه يعني نهب الحق القانوني لأصحاب الأراضي الفلسطينيين، كما أنه يشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
في سياق متصل قال رئيس حزب “قوة يهودية” ووزير الأمن القومي المرتقب عضو الكنيست إيتمار بن غفير إن دعوة الناطق بلسان وزارة الخارجية الأمريكية جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى تحمُّل مسؤولية مقتل الفتاة الفلسطينية جنى زكارنة خلال اجتياح مخيم جنين(الإثنين) “تدعو إلى الأسف”. وقال بن غفير في تصريحات إعلامية: “إن دعوة الإدارة الأمريكية مؤسفة، فلا يجوز أمام تعرُّض جنودنا وجنود حرس الحدود لإطلاق الرصاص من طرف الإرهابيين أن نطلق الأحكام عليهم كما لو كانوا يعملون في ظروف عادية. مما لا شك فيه أن موت الفتاة أمر مؤسف، ولكن لا شك أيضاً في أن أي جيش في العالم كان سينهي ليلة من القتال في جنين بمقتل العشرات من الأعداء، وليس بعمليات يتم قياسها طوال الوقت. وفي محاولة دق أسافين دعا بن غفير سكان جنين المدنيين إلى عدم مغادرة منازلهم عندما يطلق “الإرهابيون” النار على جنود الجيش الإسرائيلي. وتابع: “أنا أدعم جنود الجيش الإسرائيلي وحرس الحدود، ولديهم الحق في الدفاع عن أنفسهم”. وكانت الولايات المتحدة أعلنت موقفها تجاه الاعتداءات الأخيرة في جنين عبر دعوة الجيش الإسرائيلي إلى التحقيق بعمق وتحمُّل المسؤولية عن مقتل الفتاة ابنة الـ16 ربيعاً فوق سطح منزلها.
في هذا السياق كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست” عن رغبة نحو ألف إسرائيلي بمغادرة البلاد بشكل جماعي، احتجاجاً على نتائج الانتخابات للكنيست الخامسة والعشرين، ونجاح أحزاب دينية متشددة تستعد لتغييرات اجتماعية يصفونها بالظلامية. وكشفت الصحيفة عن تشكيل حركة تسمي نفسها “نغادر البلاد معاً” بمشاركة مئات الإسرائيليين ممن يتواصلون عبر منتديات التواصل الاجتماعي ويستعدون للقاء عبر تطبيق زووم من أجل إخراج فكرة الهجرة لحيز التنفيذ. وحسب الصحيفة تأمل الحركة أن يبلغ عدد المتعاونين معها نحو عشرة آلاف إسرائيلي إلى الولايات المتحدة منوهة لوجود ناشط ومحسن إسرائيلي/ أمريكي يدعى موطي كهانا يبدي استعداده لإيواء الإسرائيليين في مزرعته الكبيرة في ولاية نيوجيرسي من أجل إقامة مستوطنة تعاونية يهودية هناك. ونقلت على لسان كهانا قوله إن إسرائيل تقف أمام تهديدات وجودية حقيقية خارجية كصواريخ إيران وأخرى داخلية تتمثل بـ “كراهية الإخوة” والتشظي بين شرقيين وغربيين وبين علمانيين ومتدينين.