الناصرة – “القدس العربي”: تحرص إسرائيل رسميا على التزام الصمت التام حيال الأزمة الراهنة بين الولايات المتحدة وإيران، وتشجع الأولى خلسة على مهاجمة الثانية وفق تسريبات صحافية لكن أوساطا فيها تبدي مخاوفها من تبعات وتهديدات خطيرة بعضها استراتيجي عليها.
وحسب تقرير نشرته صحيفة “هآرتس”، تخشى إسرائيل من سيناريو إغلاق باب المندب وهرمز وترى بذلك تهديدات عملية خاصة في ظل النشاط الإيراني منذ سنوات، على تطوير قوتها البحرية، في ظل تقديرات تعتبر بناء إسرائيل لقوتها البحرية لا يستجيب بالضرورة للتحديات المرتقبة في ساحة متغيرة.
وفي ظل قلق من شل حركة الملاحة في البحر الأحمر، يعتقد خبراء وأمنيون في إسرائيل أنه لا يوجد لديها إستراتيجية بحرية شاملة، وأن سلاح البحرية فيها يستعد أساسا لتحديات باتت من الماضي.
ويكشف المراسل العسكري لصحيفة “هآرتس”، يانيف كوبوفيتش، أن إسرائيل رسميا لم تتدخل في التوتر الحاصل بين إيران والولايات المتحدة، في حين أنه من خلف الكواليس، وعلى المستوى غير الرسمي، يجري الحديث عن مخاوف، حيث تدرك جيدا أن التصعيد المحتمل على محور طهران – واشنطن، يشكل تهديدا استراتيجيا من نوع آخر، وهو المس بحرية الحركة في مسالك الملاحة لها ومنها.
وكشف أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وقادة الاستخبارات الإسرائيليين يتلقون تقارير جارية من الأمريكيين ومن دول أخرى بشأن التطورات، والتي غالبا ما تحمل أسماء باب المندب وهرمز وقناة السويس، والتي تهدد إيران بإغلاقها مؤكدا أن إسرائيل تنظر إلى هذه التهديدات على أنها ملموسة.
وبالنسبة لإسرائيل أيضا لا يوجد بديل لهذه المسالك البحرية، التي تعتبر الأهم في العالم، حيث تمر 20% من تجارة الوقود العالمية سنويا في هذه المضائق، علما أن 90% من صادرات وواردات إسرائيل تأتي عن طريق البحر، و 12% منها عن طريق باب المندب، وخاصة تجارتها مع الشرق، والصين تحديدا، والتي يقدر حجمها بنحو 15 مليار دولار سنويا.
ويرى أنه لا بد لإسرائيل أن تستعد لمثل هذه السيناريوهات، سواء في المستقبل القريب أم البعيد، والتي سيكون لها ثمن، يكون في أحسن الأحوال ارتفاع أسعار تأمين السفن، وفي أسوأ الأحوال وقف حركتها، وعندها سيجد الاقتصاد الإسرائيلي صعوبة في مواجهة ذلك.
وأشار في هذا السياق إلى تهديدات كلامية متبادلة بين إسرائيل وإيران في السابق، هدد فيها نتنياهو بمهاجمة إيران من خلال تحالف دولي في حال أغلقت باب المندب.
كذلك يؤكد القائد السابق لسرب الغواصات وسفن الصواريخ، ورئيس المركز لدراسة السياسة والإستراتيجية البحرية في جامعة حيفا برفيسور شاؤول حوريف إنه لا يوجد لإسرائيل استراتيجية بحرية شاملة.
وضمن التقدير الإستراتيجي البحري لإسرائيل، الذي نشره المركز في كانون الثاني/ يناير الماضي، جاء أنه كان من الأجدر أن يكون رد نتنياهو مدعوما بإستراتيجية شاملة لسلاح البحرية للمواجهة، سواء عن طريق تحالف بحري مع القوى الغربية التي تعمل في المنطقة أو بشكل مستقل.
كما نقل المراسل العسكري في ” هآرتس ” تقديرات مماثلة عن شخصيات أمنية حالية وسابقة وباحثين في هذا المجال، تفيد أن سلاح البحرية يبني قوته للعقود القادمة بحيث لا تستجيب بالضرورة للتحديات والمهمات المتوقعة له في هذه الساحة المتغيرة.
ويقول مراقبون آخرون إن سلاح البحرية الإسرائيلي لا يزال يفكر بمفاهيم قتال متقادمة مقابل سفن حربية لـ”العدو”، ويصر على أن يكون ضمن القوى التي تشارك في الجولات القتالية ضد قطاع غزة، رغم أن تأثيرها يعتبر هامشيا أو ليس ذا صلة.
وحسب ” هآرتس ” يشير أمنيون آخرون إلى أن قيادة جيش الاحتلال وقادة سلاح البحرية ركزوا اهتماماتهم على حماية حقول الغاز، بما ينطوي ذلك على ميزانيات، ولكنهم أهملوا مجالات أخرى لا تقل أهمية، وهي الأمن الجاري.
وكان قائد سلاح البحرية، إيلي شربيت، قد أكد في مجلة “معرخوت” العسكرية قبل نحو عام، أن التهديد على الحيز البحري تغير وأصبح أكبر ومختلفا عما كان عليه في السابق، ويجب تحقيق تفوق بحري وإقامة جدار حديدي للحماية، سواء المنشآت الإستراتيجية أو الحدود أو الملاحة تحت وفوق الماء” وبعد نحو عام كتب قائد آخر في سلاح البحرية أمورا مماثلة.
وتنوه دراسة لـ “المركز لدراسة السياسة والإستراتيجية البحرية”، لعمليات شراء غير منظمة تتم في إسرائيل من قبل سلاح البحرية ووزارة الأمن، وبضمن ذلك التسلح بسفن معدة لمهمات بعيدة، وغير ملائمة لحماية منصات الغاز القريبة.
كما يدعو إلى الأخذ بالحسبان دقة الصواريخ وزيادة مداها، ما يعني أنه يجب على إسرائيل أن تخشى الصواريخ التي تطلق من البر، وليس من البحر.
في المقابل تشير الدراسة إلى أنه إلى جانب التحذيرات من هجمات محتملة من جانب تنظيمات مثل “القاعدة” وتنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) خلال العام الحالي لعرقلة حركة السفن التجارية في مسالك بحرية مهمة، فإن إيران عملت في السنوات الأخيرة على تطوير قواتها البحرية، بهدف تحقيق ردع مقابل الولايات المتحدة والسعودية ودول أخرى، كما أن ذلك يخدم مصالحها في مواقع أخرى مثل سوريا واليمن ولبنان.
وبحسب الدراسة الإسرائيلية، فإن لإيران سلاحي بحرية، الأول هو جزء من الجيش النظامي، بينما يعتبر الثاني ذراعا لحرس الثورة ويصل تعداده إلى 20 ألف جندي، بينهم نحو 5 آلاف تابعون لوحدات “الكوماندو”.
كما يستكمل سلاح البحرية في الجيش النظامي الإيراني عمل ذراع حرس الثورة، رغم أنه غير قادر على تنفيذ عمليات في منطقة الخليج العربي، ولكن لا يمكن الاستهانة بقوته، حيث يضم أيضا 20 ألف جنديا، بينهم نحو 5 آلاف من الطواقم البحرية.
ويضم أيضا لواءين من مشاة البحرية يضم كل واحد منها 6200 جندي، إضافة إلى قوة جوية تضم نحو ألفي جندي.
كما يمتلك سلاح البحرية النظامي سربي سفن مركزيين، وثلاث غواصات قديمة، و 11 سفينة صواريخ، و 13 سفينة برمائية لإنزال مشاة البحرية.
ويضيف هارئيل بهذا المضمار أن إيران تقوم بتفعيل مليشيات تعمل على تسليحها بالوسائل القتالية، مثل الحوثيين في اليمن، حيث أن بصمات إيران موجودة في كل الحالات التي استهدف فيها الحوثيون سفنا أجنبية، وخاصة السعودية.