لم يكن مصير التعديلات الحدودية على حدود عام 1967، التي أعلن عن قبولها وفد الجامعة العربية إلى واشنطن، بأفضل مما سمي’بمبادرة السلام العربية’ التي أعلنتها قمة بيروت في عام 2003. حينها رفضت إسرائيل وقادة إسرائيليون عديدون، وعلى رأسهم شارون تلك المبادرة، واعتبروا أن فيها ما هو’قابل للبحث’، لكنهم طالبوا بتطبيع عربي مع إسرائيل، من دون شروط مسبقة، على الرغم من أن المبادرة أحالت ملف اللاجئين إلى المباحثات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
التعديلات الحدودية على قاعدة ‘تبادل طفيف للأراضي بين الفلسطينيين وإسرائيل’، ووفقاً للصحف الإسرائيلية اعتبرها اليمين المتطرف الصهيوني
‘ليس أكثر من خدعة عربية جديدة من أجل تقريب الموقف الأمريكي إلى المواقف العربية، وانها في جوهرها لا تنطوي على جديد’. الناطق باسم ديوان الحكومة الإسرائيلية أعلن عن ‘عدم رضى إسرائيل بالتعديلات الحدودية التي أعلنها وفد الجامعة العربية إلى واشنطن’، وانها تتحفظ عليها’. من جانبها فإن إسرائيل أوفدت إلى واشنطن وزيرة العدل تسيبي ليفني (وهي المسؤولة أيضاً عن ملف المفاوضات مع الفلسطينيين في الحكومة الإسرائيلية)، وكذلك مبعوثاً لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو المحامي إسحق مولخو، الذي عرض على جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، بحضور ليفني بالطبع، تحفظات نتنياهو على بيان الجامعة العربية.
معروف أن السلطة الفلسطينية ومنذ أعوام طويلة أعلنت قبولها للتعديلات الحدودية مع إسرائيل، على قاعدة تبادل طفيف للأراضي. للعلم فإن مبدأ تبادل الأراضي جرى طرحه كبند رئيسي على أكثر من مؤتمر من مؤتمرات هرتسيليا الاستراتيجية، التي يجري عقدها سنوياً منذ عام 2000 تحت شعار: ‘من أجل مزيد من المناعة للأمن القومي الإسرائيلي’. الطرح جاء من الخبراء الإسرائيليين ومسانديهم من الأمريكيين وآخرين من دول عديدة بهدف التخلص من الكثافة السكانية الفلسطينية الكبيرة في منطقة 1948 وضمها إلى السلطة الفلسطينية مثل منطقة أم الفحم والمثلث، التي حدود وسقف مسؤوليتها يتمثل في حكم ذاتي لا أكثر. أيضاً جرى طرح خرائط تفصيلية لتبادل الأراضي، ليس فقط مع السلطة الفلسطينية، ولكن أيضاً مع الدول المجاورة كالأردن وسورية ولبنان ومصر. هذا الطرح الإسرائيلي يتماهى مع الهدف الإسرائيلي في بناء ‘الدولة اليهودية’ الخالية من العرب الفلسطينيين. هذا الهدف جعله نتنياهو في تصريح له بعد إعلان وفد الجامعة العربية عن قبول مبدأ تبادل طفيف للأراضي، مطلباً (شرطاً) إسرائيلياً لاعتراف الفلسطينيين والعرب به مقابل إعادة المفاوضات مع الفلسطينيين والتطبيع مع العرب! أي أننا أمام اشتراطات إسرائيلية جديدة ، على العرب أن يقبلوها صاغرين.
معروف أيضاً أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية (هذا وفقاً للتفسيرات الإسرائيلية) لا تخضع لمبدأ تعديل الحدود، فهي أرض (يهودا والسامرة) وهي (حق لإسرائيل). ومجرد قبول إسرائيل بوجود الفلسطينيين فيها هو (منّة) إسرائيلية ويعتبر (تنازلاً) إسرائيلياً. المستوطنات في الضفة الغربية تحتل ما نسبته 60′ من أراضيها، وتطمح إسرائيل لإسكان ما يزيد عن المليون مستوطن إسرائيلي فيها! وهي وفقاً لآفاق التسوية الإسرائيلية مرتبطة بإسرائيل. هذا هو الفهم الإسرائيلي للتسوية مع الفلسطينيين.
أما في ما يتعلق بالتسوية مع العرب، فإن إسرائيل، ومثلما قلنا سابقاً، تريد اعترافاً رسمياً عربياً دبلوماسياً بها، من قبل كافة الدول العربية مع تبادل للسفراء معها، وفتح الأسواق العربية أمام المنتجات والبضائع الإسرائيلية، والاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، وكل ذلك في ظل عدم قبولها لأي مطلب عربي منها، لا إعطاء الحقوق الوطنية للفلسطينيين، ولا للانسحاب من هضبة الجولان، ولا للدولة الفلسطينية كاملة السيادة (فقط حكم ذاتي)، مع ضمانة سيادة وأمن إسرائيل على هذه الأراضي والمعابر الحدودية، وحقها في عبور المناطق الفلسطينية كلما اعتبرت ذلك ضرورياً، وحق الوجود في منطقة غور الأردن (بين الضفة الغربية والأردن)، وتحقيق السيادة الإسرائيلية في الجو والمياه الإقليمية وما تحت أرض المناطق الفلسطينية. بالنسبة للاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، ففي تصريح حديث للرئيس محمود عباس، قال نصّاً ‘ليسموها كما يشاؤون’، رغم التداعيات والمخاطر الكبيرة لاعلان ‘يهودية’ دولة إسرائيل والاعتراف بذلك (والمجال هنا لا يتسع للتطرق لهذه التداعيات الخطرة).
ما سبق يدعونا إلى استعراض جملة من الحقائق:
أولاً ان حدود التسوية الإسرائيلية، سواء مع الفلسطينيين أو العرب (أو مع كليهما معاً) تقوم على أسس ثابتة إسرائيلياً، لن تتزحزح عنها إسرائيل قيد أُنملة، والشروط الإسرائيلية تزداد (بدل أن تتناقص) عاماً بعد عام! ثانياً: إن مبدأ المفاوضات مع إسرائيل ومبدأ التنازلات، سواء الفلسطينية أو العربية لن يزيد العدو الصهيوني إلا تغوّلاً وتوحشاً ونهماً لتحقيق المزيد من المكاسب، عن طريق الابتزاز وعلى قاعدة ‘من يقوم بتقديم التنازلات أول مرة فسيقوم بالمزيد منها حين الضغط عليه’. هكذا أثبتت عشرون عاماً من المفاوضات الفلسطينية مع إسرائيل، التي انتهت إلى تقديم تنازلات مجانية من دون تحقيق أية مكاسب فعلية. ثالثاً إن تحولات الداخل الإسرائيلي(نتيجة لمتغيرات عديدة) تثبت بما لا يقبل مجالاً للشك أن إسرائيل تسير في اتجاه متسارع ومتصاعد نحو المزيد من التطرف. هذا ما أثبتته نتائج الانتخابات التشريعية في إسرائيل على مدى 65 عاما ً(منذ قيامها وحتى الآن)، هذا أمر طبيعي، فاعتناق الأيديولوجيا الصهيونية والعنصرية والفوقية، والاستعلاء والعنجهية، ونفي الآخر، وغيرها سوف لن تنتج إلاّ المزيد من التطرف على صعيد الشارع الإسرائيلي(التعبير الأدق استعمالاً من تعبير المجتمع الإسرائيلي، فهذا لا ينطبق على إسرائيل لأنها تفتقد وستظل تفتقد إلى عناصر الوحدة المجتمعية). رابعاً إن قصوراً ما فلسطينياً وعربياً ما زال موجوداً تجاه فهم حقيقة إسرائيل. أما إن كانت مفهومة ولا يجري التقيد باستحقاقات مواجهة إسرائيل، فإن هذا يعتبرهروباً من استحقاقات المواجهة مع إسرائيل، أو تنفيذاً لمآرب وأهداف أخرى.
خامساً، إسرائيل لا تشكل خطراً على الفلسطينيين فحسب، وإنما على المنطقة العربية كلها، وعلى الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، إسرائيل سعت وتسعى وستظل تسعى للسيطرة على المنطقة العربية، إن لم يكن بالمعنى الجغرافي من خلال بناء دولة إسرائيل الكبرى، فمن خلال الهيمنة السياسية والأخرى الاقتصادية، وهذا هو عنوان مشروع ‘الشرق الأوسط الجديد’ أو’الكبير’. إسرائيل أيضاً خطر على كل ما هو إنساني على صعيد العالم، ولذلك فان مواجهتها تستلزم: بناءاستراتيجية فلسطينية وعربية جديدة، وأيضاً اتباع تكتيك سياسي قائم على مبدأ المواجهة، وليس على صعيد تقديم التنازلات المجانية. إن مبدأ تعديل حدود عام 1967 سيؤدي إلى المزيد من التنازلات الفلسطينية والعربية.
‘ كاتب فلسطيني