الخرطوم ـ «القدس العربي»: قالت السلطات الإسرائيلية، أمس الثلاثاء، إن وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين زار الخرطوم الإثنين على رأس وفد كبير، بعد أشهر قليلة على موافقة السودان على تطبيع علاقاته مع الدولة العبرية، في وقت جددت فيه أحزاب سودانية موقفها الرافض للتطبيع مع الاحتلال.
وأوضح مكتب كوهين أن زيارة الإثنين هي الأولى لوزير إسرائيلي على رأس وفد رسمي.
مباحثات اقتصادي
ولم تتحدث وسائل الإعلام الحكومية السودانية عن زيارة الوفد الإسرائيلي الذي غادر في اليوم نفس،. لكن مصدرا حكوميا سياسيا مطلعا على الملف قال لـ«القدس العربي»: «نعم كان هناك وفد اسرائيلي كبير أمس الأول في الخرطوم، وأجرى عددا من اللقاءات التي تأتي استكمالا لتوقيع السودان على اتفاقيات إبراهيم، وجرى تباحث قضايا اقتصادية تتعلق بمجالات الزراعة والمياه، وقضايا أمنية تتعلق بمكافحة الإرهاب وأمور متصلة به».
وتابع: «لا علم لي بأي اتفاق حول تبادل السفارات بين البلدين في القريب العاجل».
لكن وكالة الأناضول نقلت عن مصدر حكومي سوداني تأكيده إجراء اتفاق سوداني إسرائيلي على تبادل فتح سفارات «بأقرب وقت» خلال زيارة كوهين للخرطوم.
وأضاف أن «الوزير الإسرائيلي، وصل الخرطوم مساء الإثنين، في زيارة قصيرة غير معلنة مسبقا، وعقد لقاءين منفصلين مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ووزير الدفاع ياسين إبراهيم ياسين، لتنشيط العلاقات وتبادل فتح السفارات».
ولفت إلى أن «زيارة الوزير الإسرائيلي للخرطوم هدفت إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في شتى المجالات».
وتابع: «البرهان وكوهين اتفقا على تبادل فتح السفارات بين البلدين في أقرب وقت».
وقالت وزارة المخابرات الإسرائيلية في بيان إن «أعضاء الوفد التقوا برئيس الدولة الفريق أول عبد الفتاح البرهان ووزير الدفاع ياسين إبراهيم وأجروا محادثات حول القضايا الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية».
وأوضح البيان «تم توقيع أول مذكرة على الإطلاق بشأن هذه المواضيع بين وزير الدفاع السوداني وكوهين».
وناقش الجانبان أيضا «تعميق التعاون الاستخباراتي».
وأضافت الوزارة أن «السلطات السودانية أطلعت الوفد الإسرائيلي على التقدم الذي أحرزته في إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل، وتعديل قانون ينص على سجن السودانيين الذين لجأوا الى اسرائيل وعادوا أدراجهم الى السودان».
حزبا «الأمة القومي» و«الشيوعي» يجددان رفضهما للتطبيع
وأعرب كوهين عن أمله في أن «يؤدي تعزيز العلاقات بين إسرائيل والسودان إلى اتفاقيات أخرى مع دول في المنطقة» وفق بيان نقلته وسائل إعلام عبرية.
وزعم بعد العودة إلى إسرائيل: «لدي ثقة أن هذه الزيارة تضع الأسس للعديد من أوجه التعاون المهمة التي ستساعد كلا من إسرائيل والسودان وستدعم كذلك الاستقرار الأمني في المنطقة».
وقال شمعون آران، المراسل والمحلل السياسي الشهير لهيئة البث الإسرائيلية: «وقع وزير الاستخبارات الإسرائيلية إيلي كوهين مع وزير الدفاع السوداني مذكرة تفاهمات في المجالات السياسية والأمنية».
وأكد أن كوهين «تقدم بالشكر لرئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان على حفاوة استقبال البعثة الإسرائيلية ودعاه لزيارة إسرائيل».
وأضاف: «المسؤولون السودانيون استعرضوا أمام البعثة الإسرائيلية تقدم الإجراءات في السودان لإلغاء قانون المقاطعة ضد إسرائيل. وتم الاتفاق على إيفاد بعثة سودانية حكومية إلى إسرائيل قريباً».
«الأمة» ينفي علمه
سودانياً، نفى، محمد حسن المهدي، رئيس المكتب السياسي لحزب «الأمة القومي» (كان يقوده الراحل الصادق المهدي) علمه أو علم حزبه بفحوى هذه الزيارة.
وقال لـ«القدس العربي»: «لا علم لنا بهذا الوفد، وواضح أنها زيارة سرية ولم تنورنا أي جهة بمهمة الوفد، ممن يتكون، ومن هي الجهات التي قابلها، بالتالي لا نستطيع التعليق على ما لا نعلم».
لكنه استدرك قائلا باقتضاب «مع ذلك موقف الحزب لم يتغير من رفض التطبيع، وهذا الأمر ليس له علاقة برحيل رئيس الحزب الإمام الراحل الصادق المهدي، ولم يطرأ على موقفنا تغيير لأنها قضية مبدئية والمبادئ لا تتغير برحيل الأشخاص، والى هذه اللحظة لم يطرا تغيير على هذا الموقف».
يشار إلى أن حزب «الأمة القومي» ظل أحد الأحزاب الرافضة للتطبيع بقوة شديدة من خلال تصريحات رئيسه الراحل الإمام الصادق المهدي الذي كانت آخر تصريحاته لهيئة الإذاعة البريطانية» : «نرفض التطبيع وإذا استمرت الحكومة في هذا الطريق سنسقطها مثلما أسقطنا نظام البشير» وذلك، قبل أن يصاب بداء كورونا بعدها ويغادر إلى دولة الإمارات للاستشفاء حيث توفي هناك.
كذلك قال عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، كمال كرار، الذي يعارض حزبه عملية التطبيع مع اسرائيل لـ«القدس العربي» : «موقفنا ثابت وهو أن التطبيع ليس أولوية للشعب السوداني وليس هناك تفويض للدخول في هذا النوع من الملفات» فيما رفض عدد من قادة القوى السياسية الذين تواصلت معهم، التعليق على الزيارة لعدم وجود رؤية أو بيانات حكومية رسمية، لكن رئيس ما تسمى « المبادرة الشعبية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل» أبو القاسم برطم، دعا لطرح اتفاقية «إبراهام» على «الشعب السوداني ليعلم أهمية اعادة العلاقات السودانية الإسرائيلية» ووصف الاتفاقية بأنها «خطوة متقدمة من التطبيع».
وزاد لصحيفة محلية « نرجو من الحكومة أن تكون أكثر احتراما وشجاعة لطرح الاتفاقية على الشعب ليعلم أهمية العلاقة مع إسرائيل. ونحمد الله أن هنالك أطرافا في الحكومة تنظر لمصلحه السودان أولا».
وشدد على «ضرورة التعجيل لإلغاء قانون 58 الذي ينص على مقاطعه البضائع الاسرائيلية وإلغاء ومحو ما تسمى باللاءات الثلاث».
ووافق السودان في تشرين الأول/اكتوبر على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وزار وفد إسرائيلي الخرطوم في الشهر التالي.
وفي السادس من كانون الثاني /يناير، وقع السودان مع الولايات المتحدة «اتفاقات ابراهام» التي وافقت بموجبها الخرطوم على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وبتوقيع اتفاق التطبيع أصبح السودان ثالث دولة عربية، بعد الإمارات والبحرين، توقع «اتفاقات إبراهيم».
كذلك وافق المغرب أخيرا على «تطبيع» العلاقات مع اسرائيل. ووقعت الخرطوم الاتفاقات بعد أقل من شهر من قيام واشنطن بإزالتها من القائمة السوداء «للدول الراعية للإرهاب».
لكن الاحتجاجات ضد التطبيع تواصلت في السودان. ففي 17 كانون الثاني/يناير أحرق عشرات السودانيين علم إسرائيل أمام مقر مجلس الوزراء السوداني في وسط العاصمة الخرطوم احتجاجا على توقيع اتفاق التطبيع بين الخرطوم والدولة العبرية.
وقال المحتجون لوكالة «فرانس برس» إنهم يمثلون «القوى الشعبية لمقاومة التطبيع».