تعيش دولة الاحتلال الآن عصرا ذهبيا، خاصة مع وجود دونالد ترامب ومستشاريه الصهاينة بمعظمهم، لاسيما الثالوث الصهيوني جارد كوشنر وغرينبلات وديفيد فريدمان، المسؤول عن ملف عملية السلام في الشرق الأوسط. وتدفع سكرة الانتصارات الآنية رئيس حكومة دولة الاحتلال إلى التصرف بغرور غير مسبوق، فيتمادى جيشه الاحتلالي في التنكيل بالفلسطينيين، ويضاعف النشاطات الاستيطانية ويطلق قطعان المستوطنين لتنفيذ الاعتداءات عليهم. يتم ذلك بدون اي ضوابط أو خطوط حمر. ويتجاهل نصائح الأصدقاء ويمعن في الخطأ، ويتعالى في تصرفاتها حتى على الحلفاء، وتمنعه هذه الانتصارات غير الدائمة عن التفكير بيوم غد وعواقب هذا الاندفاع.
وتغضب حكومة الاحتلال الأكثر يمينية في تاريخ الكيان الصهيوني، الأصدقاء والحلفاء وشعوب العالم، وتزيد من عداء الأعداء، بتصرفاتها المتعجرفة وتصريحاتها، مطمئنة إلى أن ردود الفعل الدولية لن تكون أكثر من بيانات لا قيمة لها. وتظن حكومة الاحتلال واهمة، انها تمسك بكل الأوراق والخيوط وأنها متنفذة في موسكو مرورا بلندن وبرلين كما هي متنفذة في واشنطن ونيويورك، ووصل الغرور بنتنياهو إلى حد الاعتقاد أنه هو من يملي شروطه على الآخرين وهو من يدير السياسات على الساحة الدولية فتراه يتصرف بعنجهية وتعال. لكن للصبر حدود، واستطيع القول جازما أن هذا العصر الذهبي لن يدوم طويلا لإسرائيل ورئيس حكومتها، وأن هذ الوضع يشهد تغيرا على أرض الواقع على أكثر من صعيد، وهناك مؤشرات لوجود هذا التغير.
فعلى صعيد الجبهة اليهودية الداخلية، لاسيما في أوساط يهود أمريكا الذين بدونهم لن تستطيع إسرائيل البقاء طويلا، بدأت تبرز تشققات وتصدعات، سببها سياسات نتنياهو وحكومته اليمنية ازاء “عملية السلام” ومعاملتهم العنصرية للفلسطيينين وغيرهم.
فقد هاجم أحد أبرز زعماء يهود الولايات المتحدة، بشدة سياسة حكومة الاحتلال تجاه الفلسطينيين، وعلاقاتها مع إدارة الرئيس دونالد ترامب. ونقلت صحيفة “معاريف” عن إريك غولدشتاين رئيس الاتحاد اليهودي في نيويورك، الذي يضم في صفوفه نحو مليون يهودي، قوله لوفد إسرائيلي ضم مسؤولين من الحكومة، وصحافيين ورجال أعمال، أن التحالف بين نتنياهو وإدارة ترامب ضد الفلسطينيين يبعد يهود أمريكا أكثر وأكثر عن دعم إسرائيل. وحسب الصحيفة فإن العلاقة بين يهود أمريكا والحكومة الإسرائيلية هي في “أسوأ حالاتها منذ قيام إسرائيل، بسبب علاقة حكومة نتنياهو بالإدارة الأمريكية، وتعاملها مع الفلسطينيين، وموقفها من يهود العالم”.
وللتذكير فقد اتخذ ترامب منذ وصوله إلى البيت الابيض عددا من الإجراءات الظالمة والتعسفية والمرفوضة ضد الشعب الفلسطيني، فاعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل على الرغم من الرفض الدولي الواسع لهذه الخطوة، ونفذ قراره بنقل السفارة في منتصف مايو/ أيار الماضي، من تل أبيب إلى القدس. واتخذت إدارة ترامب مزيدا من الخطوات العقابية ضد الفلسطينيين لرفضهم إجراءاتها، كان أبرزها وقف التمويل الكامل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، ووقف المساعدات المالية للسلطة، ووقف المعونات لمشافي القدس، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن وغيرها.
“العلاقة بين يهود أمريكا وإسرائيل في أسوأ حالاتها، بسبب علاقة حكومة نتنياهو بالإدارة الأمريكية، وتعاملها مع الفلسطينيين”
وقال غولدشتاين للوفد الزائر، حسب الصحيفة، إن من كان من يهود الولايات المتحدة، داعما لإسرائيل قبل تولي ترامب الرئاسة، فإن هذا الدعم صار في الحضيض، واصبحوا اليوم يرفضون سياسة نتنياهو ضد الفلسطينيين. وأضاف أن الاتحاد يتلقى يوميا اتصالات من يهود أمريكيين يعبرون فيها عن رفضهم استثمار أموالهم في إسرائيل، بسبب إجراءاتها التعسفية ضد الفلسطينيين والمهاجرين الأفارقة، وكذلك بسبب سيطرة الحاخامات المتشددين على الحكم في إسرائيل، الأمر الذي يخلق فجوة واسعة بين قيم اليهود الأمريكيين الليبرالية والقيم الإسرائيلية. وتابع القول إن هذا الوضع يدفع الكثير من يهود أمريكا إلى القول إنهم يفضلون القطيعة مع إسرائيل.
وقالت “معاريف” أيضا إن الوفد، رفض لقاء منظمة “جي ستريت” اليهودية الليبرالية التي تدعو إلى خيار “حل الدولتين”، وتوجّه انتقادات دائمة للحكومة الإسرائيلية، وتعتبر منافسة للوبي الصهيوني الأبرز في الولايات المتحدة “أيباك”.
والمثير للاهتمام أن 47% من يهود أمريكا يرفضون قراري ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، مقابل 46% يؤيد هذه الخطوة. ويؤيد 59% منهم خيار “حل الدولتين”، الذي تسعى حكومة الاحتلال إلى تقويضه عبر التوسع الاستيطاني وسياسة مصادرة الأراضي وإرهاب الفلسطينيين بغرض دفعهم إلى الرحيل، مقابل 30% يرفض هذا الخيار. والأهم من ذلك أن نحو 59% يدعم تفكيك كل أو بعض المستوطنات ضمن اتفاق سلام فلسطيني إسرائيلي (15% مع تفكيك كل المستوطنات، 44% مع تفكيك بعضها)، فيما عارضه 35%. وهذه الأرقام تعكس تغيرا ملموسا في أوساط اليهود أزاء الزمرة اليمينية الحاكمة في تل أبيب التي تنصب نفسها وصيا على يهود العالم.
وعلى الصعيد الدولي فقد اثبت قرار حليفها الاستراتيجي دونالد ترامب، الانسحاب من سوريا بدون التنسيق معها، انه رغم كل ما فعله لإسرائيل ليس الطرف الذي يمكن الاعتماد عليه. والأدهى من ذلك ما قاله ترامب، قبل أيام إن بإمكان إيران التي يسعى نتنياهو لتحجيم دورها في المنطقة، لاسيما في سوريا، أن تفعل ما تشاء في سوريا.
ويعطي نتنياهو الانطباع بأن الرئيس فلاديمير بوتين “في جيبه” كما يقول المثل. ولكنه فشل في إقناعه بعدم تزويد سوريا بصواريخ أس 300 لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الأراضي السورية بحجة ضرب أهداف ايرانية، واخرى تابعة لحزب الله. وأوروبيا طرأ تطور ملحوظ على موقف الاتحاد الأوروبي المألوف “غير الحازم” ازاء إسرائيل. وبدون اي مقدمات أصدرت ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، تحذيرا “قويا” استباقا لما يسمى بصفقة القرن الامريكية. وحمل البيان المشترك، الذي أصدرته فرنسا وهولندا وبولندا والسويد والمملكة المتحدة وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا، عقب جلسة لمجلس الأمن الدولي، حول الوضع في الشرق الأوسط، تحذيرا لجميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، من أن أي خطة سلام تتجاهل “المعايير المتفق عليها دوليا”، وهي حل الدولتين على أساس حدود 1967 مع القدس عاصمة مشتركة “ستواجه الفشل”. وشددت هذه الدول مجددا على “التزام الاتحاد الأوروبي القوي والمتواصل بالمعايير المتفق عليها دوليا لتحقيق سلام عادل ودائم على أساس القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والاتفاقات السابقة”.
وأكد البيان قناعة الاتحاد الأوروبي “بالتوصل إلى حل الدولتين، على أساس حدود 1967 الذي يشمل إعلان القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، ويلبي الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية والفلسطينية والطموحات الفلسطينية لإقامة دولة ذات سيادة”. وجاء في البيان ايضا أن حل الدولتين “ينهي الاحتلال ويحل جميع قضايا الوضع النهائي، وفقا للقرار 2334 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والاتفاقات السابقة”. وأيضا يعزز القناعة بان العصر الذهبي الذي تعيشه إسرائيل في طريقه إلى الزوال، تلك النجاحات والانتصارات التي حققها وتحققها حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها “BDS” خلال فترة قصيرة، وآخرها الإنجاز الأكبر وهو اعلان بنك بحجم “HSBC” البريطاني وهو سابع أكبر مصرف في العالم، سحب استثماراته بالكامل في شركة “إلبت” الاسرائيلية لتصنيع طائرات من غير طيار، استجابة لضغوط شعبية كما قال. وتشكل هذه الخطوة صفعة قوية في وجه إسرائيل وتعزيزا لحركة المقاطعة التي تتزايد انجازاتها كما ونوعا.
واختتم بالقول إن هذه التطورات تبعث الأمل في النفوس، كما تبعث على التفاؤل في العام الجديد. وبعكس كثيرين لديّ قدر كبير من التفاؤل ازاء المستقبل، فلا يغرنك الانتصارات المبالغ بها التي تحققها دولة الاحتلال، ولا تبجحات نتنياهو وتصريحاته حول التقدم والإنجازات التي حققتها وتحققها حكومته أو بالاحرى هو شخصيا، فالدلائل كما اسلفنا تشير إلى أن دولة الاحتلال في حالة تراجع على الصعيد العالمي، وان كانت تحرز بعض التقدم على صعيد النظام العربي الرسمي، وإن آخر احتلال في العالم حتما مصيره الزوال.
كاتب فلسطيني من أسرة “القدس العربي”
تمنيات وليست حقائق ، العدو الصهيونى فى اوج قوته ، والعرب والفلسطينيين منقسمين على انفسهم ، تطبيع مع اسرائيل ويقاطعوا ويحاصروا بعضهم بعضا ، كم اتمنى ان يكون كلامك صحيح.