غزة: داخل إحدى الغرف الصفية في مدرسة إيواء بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تُذاكِر النازحة الشابة ريهام أبو الخير محاضراتها الجامعية “عن بعد” عبر حاسوب محمول، وسط ضجيج الأطفال والنساء اللواتي يجلسن حولها.
أبو الخير، التي تدرس تخصص طب الأسنان بجامعة الأزهر الفلسطينية، تأخرت في سنواتها الدراسية جراء استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وما زالت أبو الخير عالقة في عامها الدراسي الثالث، إذ إنها لولا اندلاع الحرب كانت ستبدأ سنتها الرابعة.
لازاريني: دون وقف إطلاق نار قد يصبح الأطفال عرضة للاستغلال، بما في ذلك عمالة الأطفال، والانضمام للجماعات المسلحة (…) وقف النار مكسب للجميع
وتعتبر أبو الخير واحدة من آلاف طلبة الجامعات والمدارس الذين تعثرت دراستهم جراء استمرار الحرب للعام الثاني.
ووفق معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، لم يتمكن نحو 80 ألفاً و568 من طلبة الجامعات والكليات بغزة، من الالتحاق بمؤسساتهم التعليمية، فيما افتتح مؤخراً عدد قليل من جامعات غزة الدراسة إلكترونيا، ولمساقات محدودة.
كما لم يستطع نحو 620 ألف طالب الانتظام في مدارسهم بغزة، بحسب وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فيما يصف بعضهم مصيرهم بـ “المجهول”، جراء الحرب الإسرائيلية المتواصلة على القطاع.
ومنذ بدء الحرب، وجد فلسطينيون في المؤسسات التعليمية، كالمدارس والجامعات والكليات، ملاذاً أخيراً لهم للنزوح إليه هرباً من حمم الغارات الإسرائيلية.
واليوم تكتظ عشرات المدارس ومقرات مؤسسات تعليمية بآلاف النازحين الذين يعيشون ظروفاً معيشية وصحية كارثية فاقمها شحُّ الإمدادات الأساسية، خاصة المياه والغذاء.
ويتخوّف الطلبة من تأخر أعوامهم الدراسية بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية، بفعل اكتظاظ المدارس بالنازحين.
قالت الطالبة أبو الخير إن المدرسة تحولت خلال أشهر الحرب إلى منزلهم “الأول”، بعدما دمر الجيش الإسرائيلي بيتهم في مخيم البريج وسط قطاع غزة.
وأضافت: “كانت لدينا حياة ومنزل، لكن مع مطلع عام 2024 دمّرَ الجيش منزلنا، وأصبحت هذه المدرسة بيتنا الأول، وليس الثاني كما علّمونا خلال سنوات الدراسة”.
وأوضحت أنها فقدت كتبها الجامعية وكل ما يتعلق بحياتها السابقة جراء قصف منزلهم بشكل كامل.
وتابعت: “من المفترض اليوم أن أنهي عامي الدراسي الثالث في الجامعة، وأبدأ بالرابع، لكن بسبب الحرب ما زلت عالقة في السنة الثالثة”.
وعن الدراسة داخل مركز الإيواء، تشتكي أبو الخير هذه الظروف قائلة: “الأجواء هنا غير مناسبة للدراسة”.
وإلى جانب أجواء الحرب والتوتر الناجم عنها، تكمل أبو الخير مسيرتها التعليمية وسط ضجيج الأطفال والنساء ممن يعيشون معها داخل غرفة “الصف”.
طالبة: نمر بظروف صعبة، في إحدى المرات وخلال تقديمي لأحد الاختبارات لم يتوفر لدي شبكة إنترنت، فتنقلت من مدينة إلى أخرى واضطررت للجلوس في الشارع من أجل حلّ الاختبار
وكانت مؤسسات حقوقية ونسوية قد قالت إن النساء يفقدن خصوصيتهن في مراكز الإيواء ما يضاعف معاناتهن جراء الحروب.
وتحاول أبو الخير التأقلم مع هذه الظروف من أجل الحصول على درجات عالية في تخصصها، مضيفة: “يجب أن نحافظ على التعليم ونستمر فيه من أجل محاربة محاولات التجهيل”.
وعلى الرغم من ضعف الإمكانات المتاحة لاستكمال تعلّمها عن بعد (عبر الإنترنت)، تسعى أبو الخير بشتى الطرق إلى الحفاظ على دروسها وتحصيلها العلمي.
وقالت: “نمر بظروف صعبة، في إحدى المرات وخلال تقديمي لأحد الاختبارات لم يتوفر لدي شبكة إنترنت، فتنقلت من مدينة إلى أخرى واضطررت للجلوس في الشارع من أجل حلّ الاختبار”.
وتطرقت أبو الخير في حديثها لأهمية حماية الأطفال من حالة التجهيل التي تسعى إسرائيل لتكريسها في القطاع من خلال تدمير المدارس والجامعات والكليات وتحويل المتبقي منها لأماكن نزوح.
وأضافت بالخصوص: “من المفترض أن نستمر (نحن الطلاب) في التعلم من أي مكان لاستكمال ما بدأناه لحماية العملية التعليمية”.
وأشارت إلى أن الجيل الجديد لم يتمكن من دخول الصف الأول الابتدائي بفعل استمرار الحرب الإسرائيلية.
وذكرت أن هناك محاولات داخل مركز الإيواء الذي يقيمون داخله لتعليم الطلاب ما درسوه سابقاً في محاولات لمنع نسيانه.
وطالبت بوقف الحرب للعودة إلى الحياة السابقة (قبل 7 أكتوبر)، لافتة إلى أن الحياة التي ستلي الحرب بحاجة إلى تخطيط لمعرفة “أين سيعيشون وأين سيذهبون”.
من جانبها، تقول الفلسطينية سهير أبو الخير إن حياتهم أصبحت بشكل كامل داخل مدرسة النزوح بعدما دمر الجيش الإسرائيلي منزلهم.
وأوضحت أن تحويل المدارس إلى مراكز إيواء أثّر على الطلاب الذين حُرموا من مقاعدهم الدراسية.
وتابعت: “الطلاب يشعرون بالحزن الشديد جراء تحويل مدارسهم لمراكز إيواء، ما حرمهم من ممارسة حياتهم كما بقية أطفال المنطقة (الذين يبدأون عامهم الدراسي بعد أيام)”.
وأعربت عن حزنها لحال الطلاب الذين تعثرت دراستهم بفعل الحرب، قائلة: “لم يتقدموا في حياتهم التعليمية (…) العمر يضيع منهم (بلا جدوى)”.
ونقلت آمال الطلاب الذين يقيمون في هذه المدرسة بـ “وقف قريب للحرب” من أجل ممارسة حقهم في التعليم.
ودعت إلى ضرورة وقف الحرب وعودة الحياة إلى ما قبل 7 أكتوبر الماضي، متابعة: “نريد أن تتحسن الحياة”.
والإثنين، حذر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” فيليب لازاريني، من خطر “ضياع الأجيال” بغزة لعدم التحاقهم بالمدارس جراء الحرب.
وقال في بيان نقلته الوكالة الأممية: “كلما طالت مدة بقاء الأطفال خارج المدرسة، زاد خطر ضياع الجيل ما يغذي مشاعر الاستياء والتطرف”.
مؤسسات حقوقية ونسوية قد قالت إن النساء يفقدن خصوصيتهن في مراكز الإيواء ما يضاعف معاناتهن جراء الحروب
وتابع: “في غزة أكثر من 70 بالمئة من مدارسنا تم تدميرها، أو تضررت، الغالبية العظمى تحولت إلى ملاجئ مزدحمة تؤوي مئات الآلاف من الأسر النازحة، ولم تعد صالحة للتعليم”.
وأضاف: “دون وقف إطلاق نار قد يصبح الأطفال عرضة للاستغلال، بما في ذلك عمالة الأطفال، والانضمام للجماعات المسلحة (…) وقف النار مكسب للجميع”.
وبحسب آخر إحصائية للمكتب الإعلامي الحكومي، فإن الجيش الإسرائيلي دمّر 122 مدرسة وجامعة بشكل كلّي، و334 مدرسة وجامعة بشكل جزئي.
وبدعم أمريكي مطلق، تشن إسرائيل حرباً مدمرة على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، أسفرت عن أكثر من 135 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال.
وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل إسرائيل الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فوراً، وأوامر “محكمة العدل الدولية” باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية، ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
(الأناضول)