الناصرة – «القدس العربي»: خلافا للتوقعات لم تنخفض نسبة الإسرائيليين الذين مارسوا حقهم في الاقتراع في انتخابات البرلمان الإسرائيلي(الكنيست) الـ 22 ويبدو أن حالة الانقسام الحاد والتعادل شبه المتطابق بين القطبين الكبيرين « الليكود» و «أزرق- أبيض» دفع للمعركة على كل صوت خاصة أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يصارع من أجل بقائه السياسي والشخصي.
نتنياهو، الذي يجلس على سدة الحكم بشكل متواصل منذ عام 2009 وتنتظره ملفات فساد خطيرة وربما تدخله السجن في حالة إدانته، يلجأ إلى كل الأساليب من أجل البقاء في السلطة مستخدما مبدأ الغاية تبرر الوسيلة. وكما كان متوقعا لم يتوقف نتنياهو أمس عن محاولات ترهيب العرب بالكاميرات تارة وبالمراقبين المستوطنين تارة أخرى وفي الوقت نفسه عمل على الاستنجاد بجمهور المصوتين من أتباعه ومؤيديه تحت عنوان «أنقذوني». قبيل ساعات العصر عقد نتنياهو مؤتمرا صحافيا غلفه بمسحة درامية هو وقادة حزبه «الليكود» وقال إنه ذاهب لخسارة الانتخابات في محاولة لدفع مؤيديه للذهاب إلى صناديق الاقتراع بقوة. وما لبث أيضا أن لجأ مجددا لتهويش اليهود على العرب بشريط فيديو قال فيه إن نسبة التصويت في الشارع العربي مرتفعة جدا حاثا اليهود للتدفق على صناديق الاقتراع.
يشار إلى أن نتنياهو فعلها محرضا على المواطنين العرب في انتخابات 2015 إذ قال قبيل مساء يوم الانتخابات متمسكنا إن «العرب يتدفقون على الصناديق بجماهيرهم الغفيرة محمولين على حافلات» رغم أن نسبة التصويت وقتها كانت متدنية. وكرر ذلك أمس في الساعة نفسها، مقدما مثلا من بلدة كفر مندا قضاء الناصرة وكأن نسبة التصويت فيها عالية. لكن رئيس المجلس المحلي في البلدة مؤنس عبد الحليم رد على نتنياهو وقال لـ « القدس العربي «إن نسبة التصويت في بلدته متدنية جدا وأقل من المعدل العام في البلاد. وتابع «مرة أخرى يكرر نتنياهو التحريض على العرب ويتصرف كأنه رئيس عصابة لا رئيسا لحكومة والحل كان وسيبقى أن يشارك العرب بالاقتراع بنسب عالية من أجل إسقاطه فسقوطه مكسب سياسي معنوي مهم للمجتمع العربي الفلسطيني في أراضي 48 بل لكل الشعب الفلسطيني».
الاستقواء بالخارج
ولم يكتف نتنياهو بذلك بل دفع بآلاف من المستوطنين والمؤيدين لليمين لتشجيع اليهود للتصويت ولخفض نسبة التصويت لدى العرب من خلال قيامهم بزيارات مكثفة للبلدات العربية وهم مسلحون ببنادق ويحرصون على إنتاج اختناقات مرورية في الشوارع العربية مما أدى لمواجهات أبرزها في مدينة أم الفحم. وأكد النائب يوسف جبارين المرشح في القائمة المشتركة أنه توجه للشرطة الإسرائيلية طالبا إخراج المسلحين من مناطق الصناديق في المدينة كونها تشكل استفزازا خطيرا تحظى بدعم وتشجيع مباشر من نتنياهو. وتابع «بفضل رباطة جأش أهالي المدينة لم تقع صدامات خطيرة وذلك تحاشيا لحصول حالة فوضى كان يتمناها نتنياهو والليكود».
كما حاول نتنياهو الاستقواء بالخارج خاصة بالرئيسين الروسي والأمريكي بوتين وترامب وبالتفاخر بعلاقاته الواسعة مع زعماء عرب. وفي هذا السياق كشفت القناة الإسرائيلية الرسمية أمس عن رفض وزير خارجية قطر طلب نتنياهو للاجتماع به في عاصمة أوروبية قبل شهور، مشددة على أن نتنياهو كان يهدف لتسجيل نقاط سياسية داخلية من خلال عقد مثل هذا اللقاء لكن المسؤول القطري رفض ذلك اللقاء المقترح.
ويتفق عدد كبير من المراقبين أن مصير نتنياهو في ظل حالة التعادل بين المعسكرين المتنافسين الليكود و(أزرق – أبيض) بات بيد المواطنين العرب (17%) ويوضحون أن ارتفاع نسبة التصويت لديهم من 49% إلى 60% يعني خسارة شبه مؤكدة لمعسكر اليمين برئاسة نتنياهو.
وأعرب رئيس القائمة المشتركة النائب أيمن عودة عن أمله الكبير في أن يكون المواطنون العرب على قدر المسؤولية وأن نسبة تصويتهم العالية من شأنها المساهمة بإحراز مكسب سياسي ومعنوي كبير على مستوى الشعب الفلسطيني من خلال إسقاط نتنياهو بأصواتهم. كما أكد عودة أن القائمة المشتركة مستعدة لتقديم سلة أمان و»كتلة مانعة» لحزب المعارضة «أزرق- أبيض» في حال قبل بشروطها من تأييد تسوية الدولتين وإنهاء الاحتلال وإلغاء قانون القومية وتأمين المساواة المدنية التامة للمواطنين العرب. كما أكد أن المشتركة ستعنى بالثأر من نتنياهو الذي يحرض على الفلسطينيين في طرفي الخط الأخضر ويعمل على شيطنتهم ونزع شرعيتهم ويهدد غزة بحرب جديدة وبضم الضفة الغربية وبتقسيم الأقصى كما كشف عدد من الحاخامات أمس.
يذكر أن مجموعة من الحاخامات في اليمين أكدت أمس أن نتنياهو سجل أمامهم وعودا قاطعة بأنه سيبادر لتقسيم الأقصى بين المسلمين وبين اليهود بعد فوزه بالحكم.
وتجري الانتخابات العامة للكنيست في ظل شرخ واسع بين الإسرائيليين، ورغبة قسم منهم بأن تقود هذه الانتخابات إلى نهاية عهد نتنياهو. وإذا تبين خلال المشاورات التي سيجريها الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، مع مندوبي الكتل في الكنيست، بعدم وجود أغلبية توصي بتكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة المقبلة، فإن الذين يتمنون نهاية عهده سيشكلون أغلبية بين الإسرائيليين، لكن ليس بالضرورة أن ينجحوا في تشكيل الحكومة المقبلة، فالوضع في إسرائيل معقد أكثر من مجرد أغلبية مقابل أقلية.
واعتبر المحلل البارز في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، أن المعركة الانتخابية الحالية «تركزت على شخص واحد، هو بنيامين نتنياهو بالأساس. والسؤال المركزي المطروح يبدو كأنه بسيط، وهو هل بعد عشر سنوات متواصلة في رئاسة الحكومة، من اللائق انتخاب نتنياهو لولاية أخرى؟ والإجابة على هذا السؤال ببساطة أقل بكثير مما يبدو لافتا إلى أنها تقود إلى أعماق النفسية الإسرائيلية، والمخاوف، والآمال، والاحتياجات، والتطلعات».
ولفت برنياع إلى أن «أرتور فينكلشطاين، المستشار الإستراتيجي الأسطوري لنتنياهو ورئيس حزب يسرائيل بيتينو، أفيغدور ليبرمان، صاغا اختبار الهوية السياسية لـ 80% من مواطني إسرائيل (أي اليهود)، بطرحه سؤالا عليهم، حول من هم أولا، يهود أم إسرائيليون. وتابع «من يجيب بأنه إسرائيلي، فهو يساري وينبغي الإشارة هنا إلى أن مفهوم» اليساري» في إسرائيل ليس كمفهومه خارجها، وليس أنه يتبنى مبادئ يسارية من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، ولا حتى تبني مواقف سلمية وحل الدولتين، وإنما «اليساري» في إسرائيل، هو الذي لا يؤيد اليمين الإسرائيلي، و»اليساري» هي تسمية أو صفة وضعها اليمين».
طرح غير أخلاقي
وأضاف أن «طرح فينكلشطاين كان غير أخلاقي ومعاد للصهيونية، لكن يوجد فيه الكثير من الحقيقة وقال إن آباءنا أرادوا أن ينشأ هنا شعب جديد شعب عبري، إسرائيلي، بوتقة صهر تبلور الشعب اليهودي من جديد». وتابع «فهم فينكلشطاين، الذي لم يكن أخلاقيا ولا صهيونيا، الإسرائيليون أكثر منهم. وتحولنا خلال سنوات نتنياهو العشر، بالمفهوم السياسي على الأقل، إلى يهود أكثر وإسرائيليين إقل».
وبشأن اليمين الإسرائيلي، أشار برنياع إلى أن الزعيم الأول لحزب الليكود أقام الحزب من أشلاء أحزاب «وأنشأ من الحزب قبيلة. ونتنياهو قام بتوسيع هذه القبيلة. ولم يعد ناخبو الليكود فقط في هذه القبيلة، وإنما انضم ناخبو شاس ويهدوت هتوراة والمفدال وكهانا». واضاف «لم يعد اليمين معرفا وفقا لمواقف سياسية أو اجتماعية فالحريديم، الذين كانوا حذرين في الماضي غير البعيد من التماثل مع أحد المعسكرين، وكانوا ضد الدولة من الناحية الأيديولوجية، وكانوا أقرب إلى اليمين عاطفيا وإلى اليسار سياسيا، هم اليوم يمين صرف ومن الاتباع الأوفياء لنتنياهو. وخلص برنياع للقول كالكثير من المراقبين المحليين «لم يجر نقاش عام، خلال المعركة الانتخابية، حول شبهات الفساد ضد نتنياهو، حسب برنياع، لأن هذه الشبهات لن تقنع ناخبين يمينيين بالانتقال إلى المعسكر الآخر، وأن هناك ناخبين يمينيين مقتنعون بأن هذه الشبهات هي «مؤامرة يسارية»، بينما يعتقد الآخرون أن نتنياهو «يعمل بجد، وينبغي عدم سد الطريق أمام ثور هائج».
مهارات السحر والشعوذة
من جانبه، رأى محلل الشؤون الحزبية في صحيفة «هآرتس»، يوسي فيرطر، أن «نتنياهو سيحتاج إلى مهارات السحر والشعوذة التي يملكها، من أجل إثبات خطأ الاستطلاعات وإنقاذ نفسه من المحاكمة وإنزال مصيبة على اليسار الإسرائيلي، بحيث لا ينتعش منها لسنوات». وأشار إلى أن الاستطلاعات تظهر تعادل قوة حزب الليكود وكتلة «أزرق- أبيض» برئاسة بيني غانتس، بينما كتلة اليمين لا تصل إلى 61 عضو كنيست، من أجل تشكيل حكومة، «وعلى نتنياهو الانتصار في كلتا الجبهتين، والكتلة أهم طبعا، من أجل تحييد ترجيح الرأي لدى الرئيس الإسرائيلي بالكامل ومن الناحية العددية، هو واليمين قريبون من ذلك». ورأى فيرطر أن «انتصارا يعقبه تشكيل ائتلاف يمين – حريدييم ضيق سيمنح نتنياهو، من وجهة نظره، رخصة لكسر كل من جهاز إنفاذ القانون، والاستشارة القضائية، والمحاكم والصحافة الحرة. وباختصار، سيكسر أرجل الديمقراطية الإسرائيلية التي صمدت بالحروب والانتخابات واغتيال رئيس حكومة.
حكومة وحدة وطنية
من جهته اعتبر محلل الشؤون الحزبية في الإذاعة الإسرائيلية يوءاف كراكوفسكي، في تحليل نشره في صحيفة «معاريف»، أنه رغم تعهد غانتس بعدم مشاركة «أزرق – أبيض» في حكومة برئاسة نتنياهو، إلا أنه «في حال وصلنا إلى تعادل بين المعسكرين، ستكون هناك ضرورة لتشكيل حكومة وحدة قومية بين نتنياهو وغانتس، رغم أن كليهما لا يريدان ذلك. وقال إن رئيس الليكود الأسبق يتسحاق شامير ورئيس «العمل» الأسبق شيمون بيريز لم يرغبا في حكومة وحدة في عام 1984، وفي نهاية الأمر شكلا حكومة وحدة واستمر التعاون بينهما ست سنوات.
ورجح كراكوفسكي أنه في سيناريو كهذا سيكون التناوب على رئاسة الحكومة مناصفة بين نتنياهو وغانتس. وبرأيه سينص الاتفاق بين الحزبين على أنه في حال تقديم لائحة اتهام ضد رئيس الحكومة (نتنياهو)، فإنه سيتم تقديم التناوب، وغانتس سيدخل إلى مكتب رئيس الحكومة ونتنياهو سيتولى منصبا رفيعا في الكنيست، مثل رئيس لجنة الخارجية والأمن.