إسرائيل وتطبيق «خطة الجنرالات»

حجم الخط
0

يلاحظ حاليا في إطار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بأن جيش الاحتلال شرع في عزل شمال القطاع عن الوسط، وهذا حسب خطة الجنرالات التي تم تقديمها للمستوى السياسي من قبل جنرالات سابقين في الجيش الإسرائيلي وعلى رأسهم الجنرال المتقاعد غيورا آيلاند. ومهمة خطة الجنرالات السعي “للقضاء بشكل كامل على أي وجود لحركة حماس شمالي القطاع، من خلال إفراغ هذه المنطقة تماما من سكانها وتحويل شمالي قطاع غزة إلى “منطقة عسكرية مغلقة، ومنع دخول المساعدات الإنسانية إليها بعد إجلاء السكان منها”.

خطة داليت سابقا

هذا النوع من وقائع التاريخ يجب أن نسلط الأنظار عليه فنخرجه من محبسه المؤبد، وقد كان لا بد لنا، أن نعرج عليه، من أجل اتساع نطاق معرفتنا بما يخطط له الاحتلال، فخطة داليت، معلوم أنها خطة عسكرية محكمة وضعتها قيادة (الهاغانا) برئاسة ديفيد بن غوريون وأساسها السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية بالقوة خلال حرب 1948.
عُرفت الخطة بهذا الاسم لأن ثلاث خطط سبقتها وحملت كل واحدة منها حرفا من الحروف الأبجدية المستخدمة في اللغة العبرية. وتهدف إلى السيطرة على مساحة الدولة العبرية والدفاع عن حدودها وعن التجمعات الاستيطانية والسكانية خارج حدود الدولة العبرية، ومواجهة العدو النظامي في إشارة الى الجيوش العربية، أو جيوش شبه نظامية، تعمل ضد الدولة العبرية من مواقعها خارج حدود الدولة العبرية، أو لها قواعد داخل الدولة.
في صدد غزة، وجد عشرات الآلاف من الغزيين أنفسهم نازحين من الشمال، صوب الجنوب، والوسط، بناء على خطة الاحتلال بتنفيذ خطة الجنرالات وبهذا يكون الاحتلال قد سيطر بشكل كلي على شمال القطاع.
وعليه أرى الصمود في الاستمرار في السيطرة على شمال القطاع يعتمد على قوة المقاومة الفلسطينية، ومواصلتها في مقارعة الاحتلال. هذا لا يبطل القول أن إسرائيل تستطيع إحكام سيطرتها على أي جزء أو بقعة من الأرض بحكم تفوقها الجوي، ولكن مع البقاء على عدم إنكار ليس بمقدورها مواجهة حرب طويلة، أو ما اصطلح على تسميتها بحرب الاستنزاف، ففي منطلق الانخراط في هذا النوع من الحروب جربتها إسرائيل عام 1969 ما أسفر عن رسائل قاسية وموجعة لها. إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعلم جيدا بأن خوض غمار هذه الحرب على أكثر من جبهة في غزة ولبنان، وربما في قادم الأيام سوريا إذا ما توغلت في القنيطرة مسافة أبعد، يكلفه كثيرا على صعيد الخسائر البشرية والاقتصادية وفي المعدات. هذا ليس له أدنى أهمية عنده وهو ماض في خططه.
وقد تفيد النظرة الإجمالية في الحرب الدائرة اليوم في جنوب لبنان، وفي قطاع غزة في نظر الزمرة الحاكمة في إسرائيل بأنها حرب وجود، وعلى أنه يجب الإقرار بناء على تصريحات الساسة والعسكريين الإسرائيليين بأنها خطط توسعية. لقد تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو قديما لوزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، يقول فيه إن حدود القدس يجب أن تمتد حتى العاصمة السورية دمشق، وإن على إسرائيل الاستيلاء أيضا على شرق الأردن. وهذا بحد ذاته دافع قوي لكي يمارس نتنياهو وأجهزة هرمه بتوسيع نطاق المعركة، ويتيح في الآن نفسه أن نشير الى أن نتنياهو يريد أن يطوي جميع الملفات ومنها الملف الإيراني، وهذا ما يرنو اليه.
في السجال نفسه، هنالك تصريحات ضبابية تخرج من البيت الأبيض، تجيز الافتراض بأن ثمة اتفاقا إسرائيليا أمريكيا على حجم الضربة التي سوف تشنها تل أبيب على طهران في الأيام المقبلة، وهي حسب ما رشح عبر وسائل الإعلام ضرب منشآت عسكرية ومولدات الطاقة. ربما تستوعب إيران حجم هذه الضربة، أو يحدث العكس. أمريكا مغيبة عما يخطط له نتنياهو وما لا يجنح إليه. ولكن إذا لم يوجد لديها علم بنوعية الضربة لماذا أرسلت منظومة ” ثاد” المضادة للصواريخ الباليستية؟ إسرائيل لن تغامر كثيرا في طبيعة الرد، علما بأن نتنياهو متعطش لضرب المفاعلات النووية في إيران، وهذا حلم حياته، منذ ان بدأت إيران في تخصيب اليورانيوم. ورغم تهوره إلا أن الاقدام على مثل هذه الخطوة لا يتم إلا بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وخصوصا في هذه الأيام حيث يتزامن مع موعد الانتخابات الأمريكية. لا شك بأن ما نسمعه من تصريحات وتحليلات حول محاولة نتنياهو جر الولايات المتحدة لحرب شاملة مع إيران، ربما لكنه يقدر العواقب جيدا.
يبقى أخيراً ما نقوله تلك هي حال إسرائيل، لقد كرت حبات عدة من السبحة وفلتت إسرائيل من عقالها، واستطاع نتنياهو منذ أن دكت طهران بصواريخها مواقع عسكرية إسرائيلية أن يحرف البوصلة داخل الكيان، وقد خفت حدة المظاهرات المطالبة بإبرام صفقة تبادل، وأصبح اليهود بكل أطيافهم في مواجهة الخطر المقبل من طهران، وحزب الله، ومن قطاع غزة. وأهم ما في الأمر، هو أن الكل الإسرائيلي يجمع على ضرب إيران بكل قوة، بهذا يكون نتنياهو خفف عن كاهله شيئا اسمه ضغط داخلي قد يطيح به لو استمر بذلك الزخم.

طغيان الاحتلال

تلك هي النقاط التي وجدنا سببا للإشارة إليها في هذه المقالة، نتنياهو هو من دق النواقيس ووسع نطاق الحرب على جميع الجبهات، فأقسى تلك الجبهات تشريد مليون غزي من الشمال، والعالم برمته لا يحرك ساكنا. الأمر الأخير ما يقلق الولايات المتحدة والغرب اليوم ليس نزوح مئات الآلاف من الغزيين، إذ يستطيع المراقب أن يجزم بأن ما يقلق الغرب هو الرد الإسرائيلي العنيف على إيران، وبالتالي انفلات الوضع برمته، ما يؤدي إلى تسخين جبهة الشرق الأوسط ودخوله أتون حرب شاملة.

كاتب فلسطيني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية