تفصل سردية المعارضة السورية، المتمثلة في المواقف والكتابات والمقاربات، والموزعة في كتابات الصحف، ومنصات مواقع التواصل، بين سوريا بوصفها وطنا متكونا في وعي أبنائه وسوريا الاستبداد. والفصل، هو نتيجة لفرضيات تاريخية، تحيل البلد المتوقف عن التشكل منذ استقلاله، إلى مؤسسات دستورية فاعلة، ووطنية تامة، ومسار ديمقراطي تداولي شفاف، وتقترح الفرضيات تلك، انقلاب البعث وترسخه حكما عائليا فئويا، بوصفه قطعاً، لكل ما هو خير ورخاء واستقرار وحرية، أي قطعاً للعهود السعيدة التي عاشتها سوريا ما بعد الاستقلال.
ورسم صورة الحقبة «الذهبية» فيه إغفال عن مسار متعاقب من الانقلابات، وحياة ديمقراطية غير مستقرة، يتدخل فيها العسكر، وتنحو الأحزاب الكبرى مناحي التوحد، مع محاور ذلك الزمن الخارجية، فضلاً عن الاستسلام لاحتلال ناصري رسّخ الأمن كفاعل جديد، وزاد من تعميم خراب تلك الفترة، أي أن تلك الأخيرة، عكس ما تفترض، سردية المعارضة، هي استكمال ونتيجة لاستيلاء البعث على السلطة، الذي كان جزءا من مناخ راديكالي انقلابي واسع.
وبالتالي، العلاقة بين الاستبداد ومسار التحولات السياسية في سوريا، علاقة مترابطة وليست قطعية، والترابط هذا يمكن تحقيب بدايته، بالانحياز، خلال الخمسينيات، إلى الناصرية والاتحاد السوفييتي، تزامناً مع صعود الأحزاب الراديكالية من بعث وشيوعي، وانهيار الأحزاب التقليدية، ودخول بعض أجنحتها في مزايدات حول الوحدة مع مصر. صحيح أن هذا المسار لم يتكرس رسمياً إلا في الستينيات، لكنه بدأ قبل ذلك، وحسم وجهة البلاد التي كانت تتأرجح بين المحاور، فاقدة القدرة على تعريف نفسها، بالنظر إلى داخلها، أي اجتماعها المتنوع، وعكسه في نظام حكم يمثل مصالح الجماعات كافة. الخارج كان معيار التعريف، الذي ابتلع سوريا، وصاغها بالضد من ناسها. والحال، فإن الانحياز المذكور، امتلك حاملا أيديولوجيا، في وعي السوريين، فالبعض «التقدمي» رأى فيه، تحريراً للمرأة، وتقدماً للاقتصاد، والبعض القومي اعتبره قوة لمواجهة الاستعمار، والبعض الإسلامي، وجده فرصة لإعادة إنتاج الأوهام التاريخية. النزعة الراديكالية المدمرة، استقبلت عبر خليط شعبوي، كل عنصر فيه يغذي الآخر، في امتناع متواصل عن البحث عن معنى سوريا نفسها، قبل جعلها موضوعا للانحياز نحو هذا المشروع الأيديولوجي أو ذاك.
النزعة الراديكالية المدمرة، استقبلت عبر خليط شعبوي، كل عنصر فيه يغذي الآخر، في امتناع متواصل عن البحث عن معنى سوريا نفسها
بلد غير متكون، كوطنية تعاقدية، تمثل مصالح الجماعات فيه، جرى تعريفه بعموميات، كالعروبة والقومية والإسلام والوحدة ومواجهة الاستعمار، بدون عكس أي مفهوم من هذه المفاهيم على الاجتماع السوري، وقياس قبولها وكيفية ترجمتها في نظام حكم لا يغبن حقوق أي جماعة، والاستبداد استكمل التعريف مع استثماره لمنح نفسه شرعية، تستدعي التخوين والإلغاء والاعتقال، عند أي نقد أو اعتراض، بل أكثر من ذلك، الاستبداد طوّر التعريف السابق، فاختلق مفاهيم مثل موقع سوريا الاستراتيجي، وقلعة الصمود وقلب العروبة، مستفيداً من نظرة متعالية للبلد، تتخيله أكثر مما تصنعه. وبعض أدبيات المعارضة التي تنتقد النظام لانحرافه عن تعريف سوريا، وليس لتموضعه ضمن هذا التعريف واستكماله واستغلاله والاستثمار فيه، يكشف أن المعارضة أو بعضها، لها صلة بوعي راديكالي سابق، وأيضاً يكشف، أنها فشلت في إنتاج معنى جديد لسوريا، يراعي طبيعة العلاقات بين الجماعات فيها، ويقلص مساحة الأيديولوجي، ويفتح النقاش على مقاربات جديدة، تتعلق بهوية البلد انطلاقا من تكوينه وتنوعه، ومصالح أبنائه، وليس انطلاقا من مفاهيم أيديولوجيا مجردة، يستمد منها الاستبداد ديمومته.
*كاتب سوري
بعد التحية ، لفتت انتباهي استخدام الكاتب لمفردة ” احتلال ناصري” ، سمعتها كثيرا من شباب سوريين ، في الواقع فيها اختزال وتبسيط شديد لحقائق تلك الفترة. لم تكون سوريا بالنسبة لهم نخب وأعيان المدن هي سوريا الجغرافية الان ، بل سوريا الكبرى التي سلخ عنها الاستعمار لبنان والأردن وفلسطين، ولهذا كانوا على استعداد للتحالف مع الشيطان وليس مع عبد الناصر لكي يوحدوا مجددا وطنهم الأم، هل كانوا حالمين عندما تبدى سريعا خطأ قرارهم ؟ ربما وبالإمكان النقاش في هذا، لكن دعونا نعطيهم حقهم ولا نسيء إليهم، انطلاق الحركة الوطنية الفلسطينية يؤرخ في عام ١٩١٩ بعد التوافقات التي اتفق عليها في الاجتماع الشهير بين ملك سوريا الملك فيصل ووايزمان في لندن، كان ذلك اعلان تخلي عنهم وقبل ذلك التاريخ كان الفلسطينيين ينظروا الى انفسهم كسوريين . وربما كذلك من المفيد بعد الأزمة الطاحنة للعشر سنوات الاخيرة ان ينطلق الشباب السوري مجددا من تاريخه الحقيقي ، اي ان سوريا هي سوريا الكبرى التي تشمل لبنان والأردن وفلسطين ، قد لا يجدوا في الدول الثلاث هذه كثيرين يوافقونهم ، لكن هذا ليس بالامر المهم هنا ، المهم والمفيد بالنسبة للسوريين هو في تعزيز فهمهم وتعريفهم لهويتهم التاريخية الحقيقية من اجل اعادة التأسيس ..
مشكلة السوريين لم تكن مع عبد الناصر رغم الأخطاء الجسيمة التي قام بها الضباط المصريين المتواجدين على بلاد الشام مشكلة سورية كانت ولازالت وستبقى هي مشكلة ابأقليات ولن تحل مشكلة سورية الا بعد حل ( مشكلة) الأقليات كلنا كان يعرف الوضع في سورية عندما كانت الأكثرية تحكم وكيف تغير الحال بعد صعود العلوي المجرم حافظ على راس السلطة
هذه النقطة يتفق عليها كل السوريين نظام و معارضة و رماديين و حتى غير السوريين
إتفقوا جميعهم دون لقاء أواتصال على تدمير الشعب والأرض السوريين .