عمان- «القدس العربي» : بدأت الأمور ترتبك وتختلط. مبكراً، بدأ أعضاء مجلس الوزراء الأردني يشعرون بالمعاناة من فوضى الأسئلة والاستجوابات والاستعراضات التي ينتجها يومياً مجلس نواب جديد يبحث عن هويته.
بالتزامن، برز الأسبوع الماضي مشهد في غاية الغرابة؛ فقد تحرك 3 نواب معاً باتجاه فتح ملف الطاقة، وهو في كل الأحوال ملف في غاية الإرباك عابر للحكومة في الواقع ويمثل خياراً للدولة وفيه ما يكفيه من التعقيدات.
يسأل النائب محمد الفايز عن راتب مدير هيئة الطاقة النووية، فيرصد الجميع مبالغات وتهويلات رقمية وتجاذباً وقصصاً تضطر رئيس هيئة الطاقة المخضرم الصامت بالعادة الدكتور خالد طوقان مرة لنهش السؤال البرلماني نفسه، وأخرى للظهور علناً والتحدث عبر الإعلام. الكلفة هنا سريعة، فقد قرر المواطنون من جانبهم وعبر منصات التواصل، ممارسة كل أنماط «الإفتاء» حول الطاقة النووية، وولد السؤال الأصعب حول المشروع نفسه والكلف التي دفعها الأردنيون دون نووي.
بتزامن غريب، يفتح نائب آخر ملف مشروع العطارات لإنتاج الصخر الزيتي، فيضطر رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة للاشتباك والتوضيح، قبل أن يقرر -وبتوقيت غريب- نائب ثالث التحدث عن مصفاة البترول وسؤال الحكومة عن التزام إنتاجها بالمواصفات والمعايير في مسألة كانت قديمة، لكن قرر النائب أندريه حواري إعادة الضخ فيها دون أسباب واضحة. و في كل حال، تحرشات ثلاثية بالتزامن، بالحكومة على خلفية مشاريع لها علاقة بالطاقة، والمستشار الاقتصادي الخبير محمد الرواشدة يفاجئ المواطنين والنواب أيضاً بعرض كشف رواتب ومكافآت مصفاة البترول، ليتبين بأن الرجل الأول في إدارة المصفاة يحصل على راتب ضخم جداً. لاحقاً، يتدحرج الأمر فتقرر هيئة معارضة وحراكية باسم لجنة المتابعة الوطنية، الخوض في مسألة المصفاة والتحدث عن مؤسسة وطنية استراتيجية تخضع للهجوم الآن ولأسباب سياسية لها علاقة بالفساد، دون أن ترد الحكومة في المقابل.
وسط زحمة تساؤلات البرلمان، يتم تداول شريط فيديو لنواب في حالة غضب واعتراض، يصرخون، فيما يحاول وزير شؤون البرلمان الهادئ موسى المعايطة تهدئة الانفعال، ثم يصيح في الأثناء أحد نواب مدينة معان متهجماً على أحد الوزراء، ومؤكداً أنه يمثل عشرة آلاف صوت انتخابي حظي بها في مدينة معان، ثم تخرج منه عبارة هائمة، فكرتها أن «احتياجات مدينة معان وشعبها أهم من الكبير قبل الصغير». يقف بيروقراطي عتيق وخبير مثل وزير الأشغال يحيى الكسبي، أمام مفارقة أخرى، لكن خارج القبة حين يتقدم باتجاه أحد النواب ليبلغه ملمحاً إلى أنه محتار في الطريقة التي سيخضعه فيها لاستجواب.
في رفقة الوزير المعايطة، كان نائب منفعل يعترض على أن الوزير المعني يرفض استقباله ولا يرد على هاتفه، مستعرضاً بطبيعة الحال كل ما يلزم من ماكياجات الادعاء بالشرعية الشعبية، رغم أن القاصي والداني في اللعبة السياسية متفقان على أن الانتخابات الأخيرة خضعت للهندسة، وعلى أن مجلس النواب الحالي ينبغي أن يفعل الكثير لكي يحافظ على هيبته قبل التحرش بالوزراء والحكومات، الأمر الذي سمعته»القدس العربي» من رئيس النواب عبد المنعم العودات وهو يتحدث عن الأداء الفردي للنائب ودوره في الإيقاع الوطني العام.
في مقايسات الوزير الكسبي، بدأ النواب يطالبون بمشاريع لمناطقهم وبإلحاح، لكن تقدير الوضع العام للخزينة والمالية من ضمن واجبات النائب أيضاً.
وفي المقايسات نفسها، وفي جلسة خاصة شاركت في نقاشها «القدس العربي» يبذل الوزير الكسبي جهداً لكي يحاول فهم تلك المسوغات التي تدفع نائباً ما للذهاب فوراً إلى آلية استجواب الوزير أو التلويح بطرح الثقة فيه دون مقدمات. ولاحظ الكسبي أن الوصول إلى مرحلة الاستجواب أو توجيه سؤال دستوري، يفترض أن تسبقه من أجل الصالح العام خطوات متعددة، من بينها الاستفسار من الوزير المختص أو البحث عن المعلومة أو التدقيق في التفاصيل مع أجهزة الحكومة دون أو قبل الحاجة إلى توجيه سؤال أو فتح باب الاستجواب، لأن تبادل المشاورة والرأي بهدوء يمكن أن يعفي البرلمان والحكومة معاً من تلك الخطوات الدستورية.
و في كل حال، يميل النواب للإثارة في الاشتباك أحياناً. ويجد معظمهم أن التساؤلات المثيرة التي يطرحونها في الاتجاه المعاكس تجد مكاناً سريعاً في الإعلام الشعبي التواصلي، وتكسبهم المزيد من الحضور والشهرة، وتزيد فرصة المكاسب الفردية هنا كلما كان السؤال أو الاستجواب خشناً أو مشككاً في سلوك بدأ يثير حنق مجلس الوزراء، لا بل يضايق الوزراء والحكومة في وقت مفرط بالحساسية.
رواية النواب في الملفات المشتركة مع سلطة التنفيذ بالصوت العالي ورواية الحكومة أحيانا إما متأخرة أو خجولة، ولم يعترض حتى رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، مؤخراً، عندما أبلغته «القدس العربي» مباشرة بذلك دون التعليق أو إقرار بالمسألة، لأن وصايا الخصاونة لكل طاقمه الوزاري تقضي بالتعاون والشراكة مع سلطة التشريع. لكن منظومة التواصل بين السلطتين بدأت ترتبك، فالنواب غير ملتزمين بكتلهم أو لجانهم، وإغراءات منصات التواصل تجذبهم، واللهجة خشنة في مواجهة الوزراء، واجتذاب الأضواء بدأ مبكراً.
تلك واحدة من تجليات المشهد الآن خلف الستارة والكواليس، يربطها الخبراء بهندسة الانتخابات قبل أكثر من شهرين، لا بل تربط بعبارة شعبية باللهجة الدارجة يعرف الأردنيون متى تقال، وهي «اضرب يا نقاوة عيني» ومعناها واضح ومباشر يحتمل التهكم والتأشير إلى كلفة اختيارات من انتقتهم ذراع السلطة لإبراز فرصهم في انتخابات مهندسة فقرروا وبصورة مستعجلة «إقلاق راحة الحكومة». وتلك مفارقة كبيرة ما يفعله أيضاً بعض أعضاء مجلس الوزراء الذين يكثرون من مخاطبة الشارع غرائزياً على حساب الدولة.
المثل بيقول من القفة لاذانها!!!!! ناس لا الهم بالعير ولا بالنفير فجاة صاروا بالواجهة!!!! هذول من جماعة كبر حجرك بيصيب!!!!