إعصار

فيما الكويت تناقش الحاجة إلى إقرار قانون يتعقب الحسابات الوهمية في «تويتر»، الذي أعتقده أنا زيادة في التشريع، ستشغل المحاكم دون أن تحل المشكلة فعلياً؛ فالفضاء الإنترنتي لن ينفعه تشريع قانوني بقدر ما يحتاج إلى توعية وصبر وأسلوب جديد تماماً في التعامل مع هذه الدرجة غير المسبوقة من الحرية ومن العدد غير المسبوق من الميكروفونات التي توفرت لكل الأصوات لتدلي بدلوها. أقول فيما يدور كل ذلك وقد دخل حياتي التويترية حساب جديد غريب عنوانه «بنت العقيدة»، أعتقده لسيدة ما جديدة على «تويتر»، ولا أعتقد أن الحساب مأجور، فتلك عادة ما تكون أكثر ذكاء، كما أنه لا يتقصدني أنا تحديداً، فهو يضرب بعشوائية، أعتقد أن صاحبته تعاني من مرض نفسي حقيقي يتجلى في صور قديمة جداً من العنصرية والطائفية التي بادت أشكالها، وليس أصولها، بمعنى أن هذه الطائفية التي تبديها هذه السيدة في حسابها ولا تزال موجودة وبقوة، إن لم تكن قد زادت في شدتها بين الناس في عالمنا العربي الإسلامي المنكوب، تعبر عنها هذه السيدة بطريقة قديمة وبكراهية ساذجة لم تعد ناجعة كثيراً في عالم اليوم.
تكتب هذه السيدة عن «الرافضة ومعابدهم»، وعن «الأزهري الصوفي الأشعري الشركي»، وذكرت في إحدى تغريداتها أنْ «صدق الرسول.. لم يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، تشجع الحرب على اليمن قائلة «أطفال أهل السنة في اليمن أمانة في أعناقكم»، وتتكلم عن بعض دول الخليج سباً أحياناً وهجوماً ساذجاً أحايين أخرى، مستخدمة في كل ذلك كلمات قديمة مضحكة تفرغ تغريداتها من محتواها. قد يكون الحساب لرجل لا امرأة، وقد يكون لشخص من أي دولة في دول الخليج، إلا أن المؤكد أن صاحبه أو صاحبته شخص ساذج، فقير التعليم، عميق الطائفية، غائر الكراهية، وهي خلطة لا تؤدي إلى شيء سوى إلى غباء متحقق (ولا أقصد أي إهانة هنا) يظهر جلياً في التعبير عن كل ما سبق. هل يمكن للقانون أن يعاقب الغباء؟ هل يستطيع القانون أن يطبب العنصرية والطائفية؟
تزورني صاحبة الحساب (إن افترضنا فعلياً أنها امرأة) بين فترة وأخرى، تكتب شيئاً لاذعاً كارهاً شتاماً ثم تغيب، فيرق قلبي حزناً وشفقة، كم تعاني هذه المرأة من نار موقدة بين ضلوعها، كم هو ثقيل «صليبها» على ظهرها، تحمله كرهاً في الآخرين ورغبة في إبادتهم، معتقدة أنه واجبها الديني، وأنه طريقها إلى الجنة. أي قانون يمكنه أن يعالج هذه الحالة المستعصية؟ أي قانون يمكنه أن يحد من انتشار هذا الوباء القديم الذي يبدو أنه آخذ في الانتشار مجدداً بكل صوره البدائية مثله مثل الكوليرا التي أظهرت وجهها حديثاً في اليمن بكل غرابة ظهورها في القرن الحادي والعشرين؟ كيف تظهر هذه الكراهيات بوجهها القديم بين فترة وأخرى غير متأثرة بالخطاب الجديد للكراهية و«بحسن» صياغته الحالية وإتقان صنع أقنِعته الجديدة؟
إن الظهور الجديد للكراهيات القديمة، وفي وسائل تواصل حديثة جداً، يتطلب حلولاً حديثة كذلك. السجن لن يقتل الكراهية، والغرامة لن تخفف من الطائفية، وكثرة التشريع تشغل المحاكم وتوغر الصدور وتدفع بالناس إلى طرق أكثر التواء للتعبير عن مكنوناتها النفسية الفاسدة. بدل الحساب يمكن فتح ألف حساب، وبدل الكلمة الكارهة يمكن التعبير بألف، وبدل «تويتر» يمكن اللجوء إلى مئات التطبيقات الأخرى، فأي قانون يمكن له أن يحكم هذا الإعصار الهائج وهذا المستوى من الحريات غير المسبوق خصوصاً في عالمنا المنكوب؟ نحتاج إلى أن نعترف بأن عقلياتنا القديمة غير مواكبة للتكنولوجيا الحديثة، وأن السجون لم تعد قادرة على كبح الحريات، وأن العقاب لم يعد ناجعاً في تغيير الآراء، على قدر اتساع الأفق نحتاج إلى أن نوسع دائرة صبرنا وتقبلنا للآخر حتى بتطرفاته، وأن نضيق دائرة التقاضي والعقوبة لأقل أقطارها. لا نحتاج أن نخرس الأصوات، بل نحتاج إلى أن نغير الأفكار ونخفف الكراهيات، وتلك لا تتحقق في الواقع إلا بالإعلان عنها ثم مكافحتها. وإلا، كيف نحارب شيئاً مكتوماً متخمراً كأنه سرطان ينتظر لحظة الانتشار في الصدور دون أن نضعه تحت الأشعة ودون أن نعرضه لكل أنواع الفحوصات؟

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    نظام الولي الفقيه من أسس للطائفية المذهبية! ولن تزول هذه الطائفية إلا بزوال هذا النظام المسبب لها! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    القتل مذهبياً في العراق وسوريا ولبنان واليمن جاء بدعم من ميليشيات الولي الفقيه! ولن ينتهي إلا بزوال هذه الميليشيات الطائفية!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    على أهل السُنة والجماعة وحدة الصف فيما بينهم, ونبذ لغة التكفير حتى مع غيرهم! داعش خرجت على أهل السُنة والجماعة!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  4. يقول حسام الحلاق:

    انا أقول لك انه مادام هناك أناس يروجون للعلمانية ويفسرون الدين على اهوائهم ويريدون تغيير بعض الاحكام والتشريعات بما يتلائم مع علمانيتهم سيبقى أمثال هؤلاء الاشخاص الذين تتحدثين عنهم موجودين

  5. يقول سلام عادل:

    تحية للدكتورة ابتهال وللجميع
    الحل يكمن في اعتقادي بعدم تدريس مادة التربية الدينية في المدارس واستبدالها بمادة التربية الاخلاقية والاجتماعية يتعلم فيها الطالب احترام الاخرين مهما كانت انتماءاتهم وعرقياتهم احترامهم لكونهم بشر خلقهم الله كما خلق الاخرين

  6. يقول إبن كسيلة:

    و أنا ” يرق قلبي حزنا و شفقة ” كلما قرأت لك و خاصة قرأت بعض التعليقات الخارجة أصلا على الموضوع ….فصبرا جميلا للجميع ….
    فيما يخص العقلية الطاغية و الجهل المقدس المتفشي في عقول الأغلبية الساحقة فلا أمل فى إصلاحها إلا بمعجزة إلاهية ….

  7. يقول تونس الفتاة:

    الحل الوحيد معروف حصر الدين فى المجال الخاص فقط لا غير….لكى يعيش الاختلاف و الحرية و العقل فى المجال العام ….هذه اسمها العلمانية و خلاف ذالك سيحلم الشيعة بانهاء السنة و يحلم السنة بانهاء الشيعة و يتواصل تاريخنا كما بدأ بعد وفاة الرسول بالدماء و ينتهى بالدماء…..

    1. يقول عابر سبيل:

      إلى الآن كل الحروب العالمية التي قضى خلالها الملايين من
      من البشر كانت نتيجة اللادينية وتوابعها،لذا يجب إبعاد ما يسمى بالعلمانية عن الشأن العام لأنها عشبة ضارة نبتت على حين غرة وتسببت بسيلان أنهار من الدماء وتراكم جبال من الأشياء.

    2. يقول تونس الفتاة:

      سيد عابر سبيل اذا اردت سأرجع بك إلى 3000 سنة إلى الوراء لإخراج أمثلة من الثلاجة ….والمشكلة اننا دائما ننظر إلى الخلف و نتصور أننا نسير إلى الأمام….
      اليوم فى هذه اللحظة ماذا نعيش ….و ماذا نرى ….و ماذا نسمع …..كل الدول الديمقراطية التى حيدت المعتقدات ….كلها بلا استثناء….يهرب إليها المسلمين سباحة على الظهر و مشيا على أقدام حافية و طيران بأجنحة النعام لأنهم مضطهدين و مقموعين فى بلدانهم لأسباب طائفية و دينية و سياسية و أخلاقية و…و…….ولكى لا يكونوا اكداسا من الجثث مثل التى نراها فى العراق و اليمن و سوريا و ليبيا و الصومال و أفغانستان و باكستان و…و….و…. وحتى فى الدول ذات النقاء الطائفى هناك إرهاب أبناء نفس الطائفة ونفس العرق و بالطبع دائما لأسباب دينية وفرض معتقدهم وتطرفهم على الآخر بين …ولكن طال الزمن او قصر فلن يمروا لكى يعيش المسلمين مثل باقى سكان الأرض….

    3. يقول عبد المجيد - المغرب:

      لقد حيد بورقيبة الدين منذ 1956 ونهى الناس عن الصيام ومنع الحجاب وجاء السبسي ليتبرأ من القرٱن والسنة ويقول إنه لا علاقة له بهما فما ذا كانت النتيجة؟ هل صار الناس يحجون إلى تونس سباحة على ظهورهم ومشيا على أقدام حافية، أم أن الفقر والفقر المدقع عشش في تونس وفرخ وباض حتى أن تونس تعد- وهذا ماقاله مرشح رئاسي سابق- من أكثر البلدان بؤسا في العالم والأرقام لا تكذب فخمس مدن تونسية متلاصقة يعيش ما يقارب نصف سكانها في فقر ويعيش ما يقارب النصف الٱخر في فقر مدقع فهل أغنى التخلي عن الدين والتغني بالعلمانية المزيفة شيئا؟

  8. يقول الصفاقسي / تونس:

    لا أعرف أمة من أمم الأرض تثرثر صباح مساء في الدين والأخلاق كهذه الأمة التي أنتسب إليها حتى ليحسبنا من يجهلنا أننا قمة في التدين والخلق الرفيع

  9. يقول فؤاد مهاني - المغرب:

    دعيني أقول يا سيدتي الكريمة وبكل موضوعية،أن المسلمون وأعني بهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم عاشت بين أكنافهم كل الملل والإثنيات في سلام ووئام منذ أربعة عشرة قرنا لأن ديننا حرم على المسلم الظلم بكل أشكاله على كل شخص مهما اختلفت معه،لا ننكر أن هناك صراعات وحروب حدثت بين المسلمين لأسباب سياسية محضة كالفتنة الكبرى وحروب الخلافة الإسلامية ما عدا ذلك لم يكون هناك اعتداء مهما كان شكله بسبب مذهب أو دين إلى عصرنا هذا.فهل سمعنا مثلا أن هناك اعتداء على شيعي أو يهودي في المغرب والجزائر أو موريتانيا أو العراق والبحرين واليمن وغيرها.هناك استبداد سياسي وعدالة في الظلم إن جاز التعبير كما كان عهد المرحوم صدام حسين الذي كان وزرائه من كل طائفة وملة.

  10. يقول فؤاد مهاني - المغرب:

    إتمام الجزء الثاني إن تكرمتم.
    لكن بدأت تظهر الطائفية ذو الجذور التاريخية منذ ظهور الخميني واشتدت بحدة بعد غزو العراق سنة 2003 بسبب إيران الصفوية المتحالفة مع الصهيونية لتفتيت المنطقة عبر إحياء طقوسها المتخلفة من مظلومية مقتل الحسين وقضية فدك لبث الفتنة الطائفية فتم قتل وتشريد عشرات الآلاف وأحرقوا المساجد وقتلوا العلماء وهتكوا الحرمات ساعية من ذلك في تطهير عرقي سني كما في سوريا وبطبيعة الحال سيؤدي ذلك للكراهية وإلى رد فعل للدفاع عن العرض والنفس وما زائرك بتويتر إلا تعبير عما يعانيه العرب من تصرفات إيران المسؤولة الوحيدة في كل ذلك .

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية