القاهرة ـ «القدس العربي»: يكشف التناقض في تصريحات بعض وزراء الحكومة عن حجم الغيوم التي تحيط بأكبر بلد عربي، وعدم قدرته على تحسس طريقه نحو المستقبل، ولعل تصريحات وزير المالية محمد معيط الأخيرة شاهد على المتاهة التي تواجهها الحكومة، إذ بادر الرجل إلى تعليق المصاعب التي تواجهنا على شماعة القدر وقال: المرحلة صعبة واللي حصل اقدار الله، وليس بسبب أخطاء سياسية. وليس ببعيد عن مشاعر الخوف التي تنتاب الحكومة، بسبب تراجع دعم الأشقاء ما أكده محمد الجدعان وزير المالية السعودي: “غيرنا الطريقة التي نقدّم بها المساعدات، كنا نقدم المنح المباشرة والودائع بلا شروط، الآن نقول، نريد أن نرى إصلاحات”.
وفي صحف أمس الجمعة 20 يناير/كانون الثاني تركت المخاوف من المساس بدعم الخبز ظلالها، وبدوره قال الكاتب عمار علي حسن على تويتر: أتمنى أن تتراجع السلطة في اعتزامها تقديم دعم نقدي وليس عينيا للخبز. هناك تفكير سابق تم رفضه بعد دراسة أبعاده الخطرة، ووزير التموين يعلم هذا جيدا. يجب عدم الاستسلام لكل ما يطلبه صندوق النقد، فهو لن يتحمل معنا غرم هذا القرار، كما لم يفعل في بلاد كثيرة سعى في خرابها بأيدي بعض أبنائها. ومن الأخبار الطبية: قال الدكتور عوض تاج الدين مستشار رئيس الجمهورية للصحة والوقاية، إن كل من تجاوز سنه الـ65 ومرّ على تلقيه لقاح كورونا 6 أشهر، عليه أن يتلقى جرعة جديدة. وطالب الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض تنفسية من رشح ودرجة حرارة مرتفعة، التزام المنازل لمدة ثلاثة أيام، مضيفا: “التطعيم متاح ومتوفر ومؤثر”.
ومن معارك الرياضيين: أكد المستشار مرتضى منصور، رئيس نادي الزمالك، أن محمود الخطيب رئيس النادي الأهلي، من الصعب أن يستغني عن خدمات سيد عبدالحفيظ، مدير الكرة في الفريق الأول لكرة القدم في القلعة الحمراء. وقال مرتضى: ” وهذا ليس بسبب ضغطه الدائم على الحكام، وإنما بسبب السحر”. وأكد رئيس الزمالك: “سيد عبدالحفيظ، يتعامل مع ساحرة، وهذا مسجل في الفيديو، وسنكشف عنه عقب مباراة القمة”، مضيفا: “عاوزين نلاعب الأهلي راجل لراجل بعيدا عن السحر”.
غنيم عندما يتكلم
حضر الدكتور محمد غنيم، مؤسس مركز الكلى الشهير، مؤتمرا طبيا في ألمانيا، فلما وقف يتحدث في الحاضرين خاطبهم، كما أوضح سليمان جودة في “المصري اليوم” بطريقة لم يخاطبهم بها أحد من قبل.. وقد تمنيت لو أنه استدرك فصحح أمامهم شيئا عاشوا يتوارثونه جيلا وراء جيل، ولايزالون. تكلم فيهم فقال إنه جاء إليهم من مصر، وليس من القاهرة، كما قد يتصورون، وأضاف أنه جاء على وجه التحديد من مدينة تقع شمال القاهرة اسمها المنصورة، ثم حدد لهم معنى اسم المدينة، وكيف أن المعنى هو أنها المدينة التي انتصرت، وراح يشرح لهم أن انتصارها كان على الحملة الصليبية التي ضمت جيوشا من فرنسا، وألمانيا، وإنكلترا، وكان معنى انتصارها الذي وقع قبل ثمانية قرون من اليوم، أنها انتصرت على حلف شمال الأطلنطي الشهير بالناتو، لا لشيء، إلا لأن هذه الدول الثلاث هي أصل الحلف الذي نعرفه في الوقت الحالي. ومضى يقول لهم إن قائد تلك الحملة التي قصدت المنصورة كان اسمه لويس التاسع، وإن أبناء المدينة لم ينتصروا عليه فقط، لكنهم أسروه.. فلما وجدوه في أيديهم، لم يضعوه في سجن يشبه غوانتانامو، ولا حبسوه في معتقل يماثل سجن أبوغريب، كما فعل الأمريكيون وحلفاؤهم بالسجناء العرب في الحالتين، لكن أبناء المنصورة احتفظوا بقائد الحملة الأسير في بيت شهير في المدينة اسمه بيت ابن لقمان. أما بقية القصة فهي أن الأوروبيين افتدوا لويس التاسع، وغادر محبسه عائدا إلى بلاده، ولم يتعرض لشيء مما تعرض له سجناء غوانتانامو وأبوغريب.. ولم يحدث هذا في وقته من فراغ، لكنه حدث لأن مصر بلد حضارة، ولأنها ليست بلد حضارة شكلا، وإنما هي بلد يمارس حضارته في كل خطوة يخطوها، وليس أدل على ذلك إلا الطريقة التي تعامل فيها المصريون مع قائد الحملة، الذي كان قد جاء يغزو أرض بلدهم. الحاضرون كانوا يصفقون له طول الوقت، لأنه دخل عليهم من زاوية لم يعهدوها من مصري من قبل، تمنيت لو أخبرهم بأن مؤرخيهم هُم الذين أطلقوا مسمى “الحروب الصليبية” أما مؤرخونا فأطلقوا عليها: «حروب الفرنجة».. وكان هذا ملمح آخر من ملامح الحضارة التي نحملها.
ظلم يفضي للانتحار
صورة الحبل المعقود الذي يرسمه البعض كناية عن أن الحل في الانتحار، أحالت هالة فؤاد في “المشهد” لواقعة حزينة كان بطلها أب مأزوم، عجز عن تلبية احتياجات أسرته.. تفاقمت فواتير الكهرباء ولم يستطع سدادها، فانقطعت الكهرباء وعاشت أسرته في ظلام.. لم يكن أشد قبضة وحلكة من تلك العتمة التي سكنت روحه، فأحكمت قبضة اليأس، ولم يجد مفرا من ذلك الأسر الخانق سوى الانتحار. لم تكن تلك المأساة الوحيدة التي أوجعت قلوبنا، فقبلها بأيام قليلة كانت هناك مأساة أكبر لأب وأم انتحرا أيضا، بعدما ضاقت بهما الحياة وعجزا عن تلبية احتياجات أربعة أبناء.. نفوس ضعيفة، مريضة، قليلة الإيمان، لا تثق في قدرة الله على تبديل حالها وفك ضيقها وفتح باب الرزق لها من أوسع الأبواب، هكذا تنطلق ألسنة البعض متهمة مُدينة، ملقية باللوم والتوبيخ والاستنكار على تلك النفوس الهشة المبتلاة بالشك والمزعزعة الإيمان.. بينما يتعاطف آخرون يشكلون الغالبية في ما أظن، ليس قبولا وتضامنا مع الحبل الذي يتخذه البعض حلا للأزمة. لكن ما يحرك ذلك التعاطف هو تقدير للحالة التي أوصلت هؤلاء لتلك النهاية، بعدما احترق الكل بنيران الغلاء، وبعدما تحولت الأسعار المرتفعة بجنون إلى غول يلتهم كل ما في الجيوب في لمح البصر. أصبح الجميع يلهث وراء سباق يبدو محموما لا يتوقف، ترتفع السلع يوميا، بل في اليوم الواحد لأكثر من مرة، حتى بتنا نشعر أن لكل نصف ساعة سعر جديد. الغريب وسط تلك الحالة الخانقة غير المسبوقة أن يخرج علينا البعض بافتكاسات غريبة، يسوقونها على أنها الحل السحري لمواجهة الغلاء. يقترحون علينا ببلاهة أو بلا مبالاة من يضع يده في الماء البارد غير عابئ بالنيران التي تحرق نفوس الشعب المطحون، ينصحوننا بالمقاطعة والاستغناء والبحث عن بدائل موفرة، غافلين أو بالأدق متغافلين أن الغلاء طال جميع السلع، فلم يعد هناك ما يمكن اعتباره سلعا ترفيهية، فحتى الأكلات التي كنا نعتبرها يوما شعبية طالها غول الغلاء ولم يعد بمقدور كثير من الأسر تناولها.
الجاني معروف
لم تتوقف تلك الاستفزازات الصادرة عن إعلام السلطة عند ذلك الحد، الذي اهتمت به هالة فؤاد، بل ذهب آخرون عن عمد أو ربما عن غير عمد إلى تخدير الأصوات التي تئن من وطأة الغلاء، وتتخوف من أزمة تزداد تعقيدا وتخشى حالا أشد تأزما وضيقا، فتطالبها بالرجوع إلى الله والثقة فيه وعدم الشك في قدرته على تبديل الأحوال وإزاحة الغمة.. تذكرها بأن مع العسر يأتي دوما اليسر والفرج. لكنها تتناسى أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما في أنفسهم، وأن الأخذ بالأسباب هو أحد أهم القيم التي يحضنا الدين عليها. لذلك أرى أن أكثر التصريحات غرابة تلك التي صدرت عن دار الإفتاء، التي شددت فيه على ضرورة الالتزام بإخراج الزكاة لمساعدة الفقراء والمرضى واليتامى، وأن التوقف عن ذلك يؤدي إلى فساد اقتصادي كبير في المجتمع.. فضلا عن أن يؤدي إما إلى موت هؤلاء الفقراء جوعا، أو يدفعهم للانحراف. تبدو التصريحات متوافقة تماما مع الشرع، لكن ماذا عن رأي الشرع في قرارات اتخذت على عجل وتسببت في الأزمة؟ ما مدى المسؤولية التي تقع على متخذي تلك القرارات ومدى تحملهم للفساد الاقتصادي التي تحذر منه دار الإفتاء، والانهيارالاجتماعي الذي يدفع إلى موت جوعا أو انتحارا أو يلقي بهم لهوة الانحراف؟ ربما يأتي توجه الحكومة الأخير وقرارها بترشيد الإنفاق العام كاعتراف ضمني بالمسؤولية، خاصة بعدما أقرت بتأجيل البدء في أي مشروعات جديدة لها مكون دولاري، وتأجيل الصرف على أي احتياجات إلا للضرورة القصوى، وكذلك ترشيد أعمال السفر خارج البلاد، وبعد تحمل الجهة الداعية تكاليف السفر. قرار سليم لكنه لم يجئ فقط متأخرا، لكنه أيضا لم يكن كافيا للطمأنة، فأصبح مجرد تحصيل حاصل لم يخرج عن ذر للرماد في العيون، ومع ذلك لم ينجح في حجب الرؤية وفشل في مخاطبة المطحونين الباحثين عن حل حاسم وجذرئ وفعال لأزمتهم، بعدما بدت عصية على الحل.. بينما لسان حالهم يردد في صمت يائس مقهور “مستحيل اللي شبكنا يخلصنا”.
مبروك للجنيه
ليس فقط على حد رأي أحمد رفعت في “فيتو” يمكن شراء القمح الروسي بعملتنا المصرية، إنما الواردات الروسية كافة التي يشكل القمح فيها كتلتها الأكبر، لكن هناك منتجات أخرى لا تقل عن المليار ونصف المليار دولار في مجموع يقترب من الثلاثة مليارات ونصف المليار دولار.. وربما يمتد الأمر – والغالب أنه سيمتد- إلى صفقات السلاح، وكذلك سداد أقساط محطة الضبعة النووية، التي سيبدأ سدادها بعد عدة أعوام. السؤال المهم: وماذا ستفعل روسيا بالجنيه المصري؟ الإجابة المباشرة الأولى سيذهب أولا إلى السائحين الروس ممن سيأتون إلى مصر، كما سيذهب لسداد واردات من مصر اقتربت العام الماضي من النصف مليار دولار. وجود الجنيه المصري في سلة عملات البنك المركزي الروسي مع عملات دول أخرى يتيح أيضا التبادل مع تلك الدول، وكل ذلك سيخفف الضغط على طلب العملة الأمريكية وعلى ضغوطات وأعباء والتزامات البنك المركزي المصري. ما جرى لا يمكن فصله عن تصريح وزير الخارجية الروسي قبل قرار العملة بيوم واحد عندما ذكر عدة دول تنمو اقتصاديا منها مصر، وأضاف: أن الاقتصاد الغربي والولايات المتحدة يتحفظان على ذلك على كل حال.. تصحيح الأوضاع ضروري.. تعود بعض أجواء الستينيات عندما كنا نبني السد العالي والمشروعات الكبرى ونحصل على السلاح من عائد -وقد لا يصدق البعض- بيع القطن – وبلغ إنتاجه ذروته وقتها، بما يتجاوز العشرة مليون قنطار- مع غرف نوم وغرف السفرة والصالونات الدمياطي ما جرى أمس لم يكن صدفة.. ولم يتم صدفة.
مهمة غائبة
نعيش في أيامنا هذه وفق ما يرى عمار علي حسن في “المصري اليوم”، صراعا ضاريا في معركة الهدم والبناء، وتنافسا شديدا متعجلا بين التيارات السياسية على قطف الثمار، أو الحفاظ على المكاسب والمنافع الزائلة، وفي الوقت ذاته هناك استخفافٌ من السلطة بالثقافة والمثقفين، فلا تقيم لهم وزنا، ولا تضع لهم اعتبارا، ولا تعتقد أن لديهم ما ينفع.. وتلك آفة كبرى. وسط كل هذا، من الضروري أن يستعيد المثقفون دورهم الطليعي، ويؤمنون بأن بلدنا في حاجة ماسة إلى ثورة ثقافية، تشكل رافعة ضرورية وواجبة لاستكمال انتصار الثورة السياسية، وتخط معالم مشروع ثقافي جامع مانع، ينتصر للنقد والابتكار والتجديد، ويحفظ لمصرنا الغالية قيمتها، ويرفع قامتها بين الأمم، ويلبي رغبة متجددة للذين يعيشون على ضفاف النيل الخالد في صنع المعجزات. إن تعظيم دور الثقافة واجب، شريطة ألا تقتصر مهمة وزارة الثقافة ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد المهتمين بدعم الآداب والفنون على نشرٍ مشروطٍ للكتب، ولا في التوزيع الموسمي للجوائز، ولا في إنشاءات وترميمات ينهض بها المقاولون وتُحسب في سجل إنجازاتهم، وتتقدم بها المباني على المعاني، ولا في محاولات مستميتة لتدجين أرباب الفكر والفن بغية توظيفهم في تبرير السياسات الاعتيادية الارتجالية القائمة، مهما كانت هابطة، واستعمالهم في تجميل التصورات القبيحة التي تشد كل شيء في حياتنا إلى الوراء، وضمان سكوتهم عن أي قوانين وتشريعات تقيد حرية التفكير والتعبير والتدبير، ومحاصرتهم حتى يستسلموا للمحاولات الماكرة التي تزيح الثقافة كي تصبح شيئا ثانويا في حياة المصريين المعاصرين، وتسعى إلى تفريغ كل عمل ثقافي من مضمونه، وتحاول إبعاد الفن والفكر عن أداء دورهما في الأخذ بيد الناس وتبصيرهم وتنويرهم والانتصار لجهدهم الدؤوب في سبيل تحسين شروط العيش، أو على الأقل في سبيل توسيع الزنازين التي يحملونها فوق ظهورهم من فرط مآسي الحياة.
نحتاجه بقوة
إن المشروع الثقافي، الذي طال غيابه، من وجهة نظر عمار علي حسن يجب أن يجعل غايته الأساسية بناء مجتمع قوي على المستويات المادية والمعنوية والرمزية، تتراجع فيه الأمية والجهل إلى أدنى حدٍّ، توطئة للتخلص منهما تماما، باعتبارهما عدوين لدودين للتقدم، وتتعاظم فيه القيم التي تدفع إلى الأمام في شتى المجالات، وتحقق التماسك القوي بين طبقاته وشرائحه وفئاته على أسس سليمة، وتنبذ العنف والإرهاب بشتى أنواعه ودرجاته. المشروع الثقافي المنتظر عليه أن يدرس كل ما يحتاجه المصريون في شتى فئاتهم، فيقف على ما يفيد تلاميذنا وطلابنا في قاعات الدرس، وفلاحينا في الحقول، وعمالنا في المصانع والمشاغل والورش، وموظفينا في المكاتب، وتُجارنا في الأسواق، ومختلف أصحاب المهن من قضاة ومحامين وأساتذة جامعات ومدرسين وأطباء ومهندسين وعلميين وحرفيين وشرطيين، ساعيا في كل هذا إلى الارتقاء بمختلف هذه الفئات، بما يحقق صالح المجتمع بأسره، من منطلق الفهم الواسع والعميق للثقافة، باعتبارها مشروع حياة ومسارا يتداخل مع كل المسارات الأخرى، حتى لو ظن المتعجلون والجاهلون عكس ذلك. على المثقفين أن يعكفوا من خلال جهدهم الفردي ومؤسسات المجتمع المدني وقدرات الدولة على التفكير في هذا المشروع، وأن يقدموا ما عليهم حيال مصر.. فإن لم يفعلوا هذا، يكونون قد قصروا وفرطوا تفريطا.
نحن والسعودية
حول ما صرح به وزير المالية السعودي عن انتهاج بلاده سياسة جديدة لتقديم المساعدات المالية لجيرانها تقضي بالتزامهم بتنفيذ إصلاحات لاقتصادياتهم.. يقول عبد القادر شهيب في “فيتو”، رغم أن المسؤول السعودي لم يحدد دولا إلا أن إعلام الإخوان اعتبروا أن هذا التصريح مقصود به مصر تحديدا.. وهنا لا يمكن إخفاء بعض الملاحظات على هذا الأمر.. أولا هذا هو نهج سعودي قديم وليس جديدا، كما يبدو من تصريحات وزير المالية السعودي.. واستخدم الأشقاء السعوديون هذا النهج معنا في السبعينيات حينما واجهنا أزمة اقتصادية.. فهم ربطوا تقديم العون المالي لنا بإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يقضي بتنفيذ برنامج للإصلاح المالي والنقدي.. وقد تعذر هذا وقتها، لأن الرئيس السادات ألغى قرارات رفع الأسعار وتخفيض الدعم الذي كان متفقا عليها مع الصندوق بعد انتفاضة يناير/كانون الثاني 1977، ولذلك تجمد الاتفاق مع صندوق النقد.. ولعل ذلك كان أحد الأسباب التي قادت الرئيس السادات لزيارة القدس وإبرام اتفاق كامب ديفيد، الذي أعقبه الحصول على مساعدات أمريكية اقتصادية وعسكرية. ثانيا أن المساعدات العربية لمصر كانت بدايتها بعد هزيمة يونيو/حزيران وتقررت في إطار قمة الخرطوم وقتها، واستمر الأشقاء العرب في الخليج يقدمون بعض المساعدات الرمزية في عهدي السادات ومبارك وأيضا في عهد مرسي.. غير أن المساعدات العربية الخليجية لنا شهدت طفرة ملحوظة وكبيرة بعد انتفاضة يونيو 2013 التي أنهت حكم الإخوان.. وكان الأشقاء العرب يجدون أن من مصلحتهم دعم مصر في مواجهة الحصار الاقتصادي الذي فرضته عليها أمريكا والدول الأوروبية.. فقد كان حكم الإخوان خطرا على كل الدول العربية وليس مصر وحدها ولذلك كانوا يحمون بمساعدتهم هذه أنفسهم مع حماية مصر. ثالثا سبق وزير المالية السعودي في حديثه عن نهج جديد لتقديم السعودية مساعداتها المالية للجيران تمهيد إعلامي واضح كان أبرزه مقال عماد الدين أديب عن الأزمة الاقتصادية في مصر وضرورة اتخاذ إجرءات إصلاح الاقتصاد وفسره البعض في حينه بأنه بمثابة تنبيه سعودي غير مباشر..وجاءت تصريحات وزير المالية السعودي في دافوس لتؤكد هذا التفسير.. وهذا يجعلنا نتأكد أنه يتعين فهم كل ما يقال لنا أو حولنا لأنه عادة لا شيء يقال عفوا أو مصادفة وإنما يتضمن رسالة ما تتجاوز صاحب القول ذاته.
قضيتنا الأولى
للقضية الفلسطينية على حد رأي أسامة سرايا في “الأهرام” عين ساهرة عليها في مصر باستمرار، ودوما، رغم كل الظروف الإقليمية، والعالمية المعقدة، والمتطورة باستمرار، حيث أن كل تحرك مصري يأخذ قضية فلسطين في عين الاعتبار، وأولوياتها بالنسبة للمصريين قاطعة لا تقبل التأجيل. وكل منعطف تكون الدعوة مصرية للعرب جميعا، لأن التحديات مستمرة، ولا تتوقف، ولكن الظروف متغيرة. لقد التقى زعماء مصر، والأردن، وفلسطين في الوقت الدقيق، والحساس (حكومة يمينية متعصبة في إسرائيل)، وفى الوقت نفسه هشة للغاية لا تستند إلى أغلبية قوية، ولكنها جمعت الشتات، وتواجه أوضاعا داخلية لم تشهدها تل أبيب منذ قيامها حتى الآن. بيان القمة بين الرئيسين عبدالفتاح السيسي ومحمود عباس والملك الأردني عبدالله الثاني جدد أمام العالم أن القضية الفلسطينية لها أصحابها الذين يتابعونها باستمرار، فالقمة في توقيتها كانت مناسبة، وذات تأثير في عدة أصعدة: أمام المجتمع الدولي لحماية حقوق الفلسطينيين، وإرسال إشارات الإنذار العربي مبكرا إليه، مثل تدهور الأوضاع في الأراضي المحتلة، وفي الوقت نفسه للشارع الإسرائيلي، أن العرب يستطيعون فرض السلام إذا كان هناك على الجانب الآخر في إسرائيل من يستطيع اتخاذ القرار. أعتقد أن القمة العربية، والقمم التي ستتلوها، ستوضح أنه ليس هناك سلام، واستقرار دون حقوق الفلسطينيين، ودون عودة القدس الشرقية، والأماكن المقدسة، وأن تنظيم شؤون المسجد الأقصى محمي بالوصاية الهاشمية التاريخية على الأماكن المقدسة الإسلامية، ودور الأردن في حماية المقدسات، وهوية المدينة المقدسة (الإسلامية والمسيحية). كما أن القمة لم تنس تأكيد وحدة الصف الفلسطيني، وإنهاء الانقسام بين الضفة وغزة، وهذا هو بيت القصيد، ومركز قوة الفلسطينيين أمام شعبهم، وأمام المجتمع الدولي، وعليهم أن يعضوا عليه بالنواجذ، وأن يترفعوا عن الانقسامات التي تتيح لإسرائيل ضرب حقوقهم، وتأخير عملية السلام، وفرض حل الدولتين عليها، فإذا فعل الفلسطينيون ذلك فإن الموقف الدولي (العالمي والعربي) كله يستطيع أن يفرض على إسرائيل، وحكومتها اليمينية إقرار حق الدولة الفلسطينية، لكن تنقصنا روح الوحدة الفلسطينية.
بلا جدوى
حينما قرر العالم إنشاء هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن استبشرت البشرية كلها، كما أوضح جلال السيد في “الأخبار” بأن السلام والخلافات الدولية أصبح لها آليات لمنع الخلافات وإقرار السلام ومنع الحروب وعقاب الطغاة.. ولكن بكل أسف آمال الشعوب أصبحت «فنكوش».. فقامت دولة إسرائيل برعاية دولية من أمريكا وبريطانيا على جثث ودمار وخراب الشعب الفلسطيني، وما زالت القضية أمام الأمم المتحدة منذ أكثر من 55 عاما.. وقس على ذلك كل المشاكل العالمية فلم تنجح الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أن يحل معظم المشاكل والخلافات الدولية، خاصة بعد سيطرة الولايات المتحدة على شؤون الأمم المتحدة في كل أعمالها. وانظروا الآن إلى الحرب الروسية الأوكرانية وهي تقترب من عامها الأول، التي دمرت اقتصاديات معظم دول العالم تحت لواء فشل الأمم المتحدة.. ولننظر إلى الحرب الحوثية في اليمن التي حولت الشعب اليمني إلى بقايا بشرية وتشوهات جسدية، ونظرة إلى أفغانستان التي احتلتها القوات الأمريكية لسنوات وتركتها دمارا في دمار، حتى أننا نسمع الآن حكومة أفغانستان وهي تمنع المرأة من دخول المدارس أو تولي الوظائف.. أما مصيبة المصائب، التي تقع تحت أعين البشرية كلها وللأسف لا أحد يحس بخطورتها هي ثورة الشعب الإيراني على حكامه ومنذ 5 أشهر، والشعب الإيراني في الشوارع يعلن ثورته على حكامه ويحرق صورهم وصور قادة الحرس الثوري ويناضل الشعب الإيراني من أجل حريته، وتقود المرأة الإيرانية معظم المظاهرات، احتجاجا على قهر الشعب وإدخال الدمار والحزن بيوت الإيرانيين، بقتل ابنائهم وتطبيق عقوبة الإعدام على أي مخالف أو معارض، وتتم محاكمات الإعدام في ساعات أو أيام قليلة، لتنفذ العقوبات.. بل امتدت أحكام الإعدام على بعض جنسيات من دول أخرى بتهمة التجسس، والبعض الآخر من ذوي الجنسيات المزدوجة.. فماذا فعلت الأمم المتحدة، أصوات تعلو في بعض الدول تطالب بفرض عقوبات اقتصادية على إيران. وكان أضخم هذه الأصوات تجمع أكثر من ثلاثة آلاف شاب وشابة من الإيرانيين أمام البرلمان الأوروبي احتجاجا على وصول الضحايا في إيران لأكثر من 500 مواطن.. مأساة إنسانية أمام البشرية. وتتفرج عليها الأمم المتحدة.
رغم بؤسه
“من الكلمات ذات الرنين الخاص على سمع المصريين، فأغلب أبناء المحروسة هم في الأصل فلاحون، ولست أظن أن أي لقاء بين أي شخصين يعيشان في القاهرة يخلو من سؤال: «أنت منين؟»، يقصد من أي قرية أو ناحية من نواحي ريف مصر”. يضيف الدكتور محمود خليل في “الوطن”:
قبل حركة يوليو/تموز 1952 امتلك حكام البلاد نظرة ازدواجية نحو الفلاحين، نظرة لها وجهان أحدهما سلبي والآخر إيجابي، وجه السلبية ارتبط بالنظرة الدونية للفلاحين الذين لا يرتقون في مستواهم التربوي، أو التعليمي، أو الثقافي أو الاقتصادي أو الاجتماعي إلى حكام البلاد، وأغلبهم كان من أصول تركية أو جركسية، فكانوا يصفون الفلاح بأوصاف تحمل نوعا من الاستهانة، أو الاستخفاف به. لك أن تستذكر نظرة أغلب حكام الأسرة العلوية للفلاح المصري، وكيف كان محمد علي يصفهم بألفاظ عديدة لا تليق، ولك أيضا أن تراجع مذكرات أحمد عرابي لتعرف مضمون نظرة طبقة الحكم في ذلك الزمان للفلاح المصري. حدة النظرة السلبية للفلاح المصري بدأت تقل نوعا ما بعد انخراط العديد من العناصر المصرية الريفية في دولاب الدولة الإداري والثقافي والتعليمي والصناعي وغير ذلك. فعرابي ضرب حجرا في الماء الراكد الذي عاش فيه الفلاح المصري لقرون حكم فيها الترك والجركس، وأعاد له جزءا من اعتباره، ثم ظهر سعد زغلول على مسرح السياسة في مصر، وهو فلاح مصري أيضا، وساعدته الظروف على الزواج من ابنة أحد كبار باشوات عصره من ذوي الأصول التركية، وهي صفية هانم ابنة مصطفى باشا فهمي، رفض الباشا في البداية تزويج ابنته من فلاح (كان وزيرا في ذلك الوقت)، ووافق بعدها بضغوط من قاسم بك أمين في أغلب الظن.
محبط بالوراثة
الواقع قبل عام 1952 الذي اطلع عليه الدكتور محمود خليل، كان يقول إن طبقة الحكم حملت نظرة سلبية واضحة للفلاح المصري، لكن الغناء كان يقول شيئا آخر. فقد كانت الأغاني تكيل مواويل المديح في الفلاح، وجمال حياة الريف، والنعيم الذي يتمرغ فيه أهله، والبُهلنية والخير الذي يعيشون فيه. لك أن تتأمل أغنية «محلاها عيشة الفلاح» لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، التي تندر عليها ذات يوم واحد من أكبر وأهم الكتاب المصريين، الراحل الكريم الدكتور فؤاد زكريا، حين توقف أمام المفارقة بين محتوى الأغنية وواقع الفلاح. الدراما أيضا كانت تحتفي هي الأخرى بالفلاح وحياة الريف، راجع مثلا فيلم «ابن الفلاح»، وفيلم «الأفوكاتو مديحة»، واستمتع في الفيلم الثاني بالخطب العصماء التي كان يلقيها يوسف بك وهبي في مدح الفلاح ابن الفلاح. التدليل الغنائي والدرامي للفلاح، رغم بؤس أوضاعه، كما يشير العديد من الدراسات الجادة التي أجريت على هذه المرحلة، كان أساسه الدور الذي تلعبه الزراعة كعصب رئيسي للاقتصاد المصري، الذي ارتكز حينذاك على تصدير الحاصلات الزراعية إلى الخارج، وعلى رأسها القطن والفواكه وغيرهما. وبعيدا عن طبقة الحكم وتفكيرها كان الفلاح المصري العادي، كما تشير الروايات والمؤرخات التي اعتنت برصد أحواله قبل يوليو/تموز 1952، يعيش حياة هادئة منتجة، ويعتبر المنغصات التي يعانيها جزءا من طبائع الحياة التي لا تخلو من التعب والأوجاع، ويعتبر النظرة المتعالية إليه، من جانب طبقة الحكم، مسألة موروثة عن سنوات القهر التي عاشها آباؤه وأجداده، ولم تخل الحياة الهادئة من مغامرات اجتهد فيها فلاحون في غزو القاهرة وإثبات وجودهم بين الكبار، ليعيدوا رسم الصورة الذهنية المغلوطة لدى طبقة الحكم.
رغم الحاقدين
ما زال الدفاع عن إمام الدعاة يتواصل ومن الغيورين عليه عبد العظيم الباسل في “الوفد”: بعد مشوار امتد أكثر من 50 عاما في خدمة قضايا الدين والدنيا، رحل إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي في يونيو/حزيران 1998؛ وعقب رحيله بربع قرن خرج البعض يهاجمه بافتراءات وشطحات لا تقوم على منطق يقبل المناقشة الموضوعية؛ وإنما تجاوزت سهامهم المسمومة شخصه وفكره لتطعن في ثوابت الدين وصحيح الأحاديث، بزعم التجديد والتنوير؛ ولا ندري من وراء هذه الهجمة المنظمة ولماذا تتم إثارتها الآن ولمصلحة من يجري تشويه فكر الشيخ الجليل؟ وبعيدا عما قيل ويقال لأنه لا يستحق التوقف أو الاهتمام؛ فإن هذا الرجل سيظل في شهادة الكثيرين وأحدهم المرحوم أحمد كفتارو مفتي الديار السورية الذي قال عنه كان واحدا من أفذاذ العلماء في الإسلام، الذي بذل كل جهد من أجل خدمة الأمة في دينها وأخلاقها؛ وغيره قال الكثيرون في حقه ما لم يقل في حق غيره من أبناء جيله وأقرانه المهتمين في مجال الدعوة وتفسير الكتاب الكريم الذي فسر منه حتى رحيله 28 جزءا في 2000 ساعة؛ ولأولئك الحاقدين الذين لا يعرفون الشيخ حق المعرفة في حياته ومسيرته وتأثير عظته. التي جمعت حولها كل الفئات في مختلف ثقافاتها وأعمارها؛ منذ أن وهبه والده للدعوة وعلوم الدين، بدءا من كتاب قرية دقادوس لحفظ القرآن وانتهاء بحصوله على شهادة العالمية عام 1943؛ ثم تدرج في سلك التدريس الديني حتى تولى وزارة الأوقاف وشؤون الأزهر بين عامي 1976 و1978، التي استقال منها خشية أن تتسلل إلى قلبه ذرة كبر أو طمع في الدنيا وزخرفها؛ في أعقاب زيارة إلى بلدته شعر خلالها باحتفاء مبالغ فيه وإطراء على شخصه كوزير قبل أن يكون داعية. وبعيدا عن دوره في مجال الدعوة وتفسير القرآن؛ كانت للشيخ في شبابه مواقف مشهودة في الحياة العامة والممارسة السياسية، التي تنوعت أشكالها فقد شارك في عام 1934 في حركة تمرد طلاب الأزهر التي طالبت بإعادة الشيخ المراغي إلى المشيخة؛ ويومها فصل من الأزهر حتى عاد الشيخ المراغي إلى موقعه فأعاد الطلاب المفصولين إلى الدراسة وكان ضمنهم.
شيطان صغير
نتحول إلى المدينة التي شهدت جريمة بشعة اهتم بها عبد المحسن سلامة في “الأهرام”: قررت محكمة جنايات بورسعيد، برئاسة المستشار السيد عبدالعزيز، وعضوية المستشارين أحمد على جنينة، وعماد أبوالحسن عبد اللاه، وأشرف عبيد علي، إحالة أوراق المتهمة بقتل والدتها بمساعدة صديقها إلى فضيلة المفتي لاستطلاع الرأي الشرعي في إعدامها. أوراق القضية كانت واضحة وصريحة، والنيابة أحالت القضية مكتملة الأركان إلى المحكمة، التي أحالت بدورها أوراق القاتلة إلى المفتي في أول جلسة بعد التأكد من ارتكاب القاتلة للجريمة، ومعها صديقها. التحقيقات أكدت وجود علاقة غير شرعية بين المتهمة وصديقها «النباش» بعد فحص هواتف المتهمين، ووجود محادثات بينهما تؤكد نية القتل مع سبق الإصرار والترصد للتخلص من الأم بعد أن اكتشفت أمر علاقتهما غير الشرعية. جريمة شاذة، وغريبة على المجتمع البورسعيدي، وعلى المجتمع المصري، وعقوبة الإعدام هي العقوبة المستحقة لكليهما، فلماذا تم الحكم بالإعدام على القاتلة ولم يتم الحكم بالإعدام على القاتل؟ السبب أن القاتل صبي لم يبلغ السن القانونية بعد، ولذلك تمت معاقبته طبقا لنصوص قانون الطفل، والسؤال: أي طفل هذا؟ وهو الذي أقام علاقة غير شرعية مع القاتلة لمدة طويلة، والأخطر قيامه بالتخطيط لقتل المجني عليها مع القاتلة، ثم قيامه بارتكاب جريمته البشعة، والأهم من ذلك كله أن له سوابق إجرامية. كل هذا يؤكد أنه شيطان يمشي على الأرض، ولا يمكن أن يكون طفلا أو إنسانا، خاصة أن هناك معلومات جديدة تشير إلى أنه بلغ السن القانونية، غير أنه مجهول النسب، ولا توجد له شهادة ميلاد أصلية. لقد صدرت قبل ذلك مطالبات عديدة بضرورة تعديل القانون مع هذه النوعية الشيطانية من البشر، أو على الأقل لا بد من الحكم عليها بالإعدام مع تأجيل التنفيذ حتى بلوغ السن القانونية، ودون ذلك فهذا لا يعني سوى «تسمين» مجرم متوحش يخرج من السجن محترف إجرام ليعيث في الأرض فسادا وقتلا، واغتصابا وإجراما.
رئيس فاشل وحكومة افشل منه ويسران على البقاء لما لايتعظان من رئيسة فنزويلا تسع سنوات من الوعود ولا شيئ