إلى أن يمر الغضب

حجم الخط
0

بعد لحظة من انتهاء حملة «الجرف الصامد» في غزة، بدأت الضغوط على اسرائيل للعودة الى مفاوضات سياسية مع السلطة الفلسطينية. ويمارس الضغط على اسرائيل في كل الجبهات – في الساحة الدولية، ولكن في الداخل ايضا. وعرض النائب عوفر شيلح من يوجد مستقبل المطلب على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للعودة الى طاولة المباحثات كمسألة فورية. «نحن قد نجد أنفسنا في وضع استئناف القتال في غزة في غضون بضعة اسابيع اذا لم تكن خطوة سياسية»، قال.
يمكن أن نحصي اسبابا منطقة عديدة في أنه الان بالذات ينبغي انتاج افق سياسي جديد. ومن كل الاسباب المناسبة، فان الحملة في غزة بالذات أصبحت المحفز الاساس لانها شكلت تجسيدا مأساويا لما يمكن للجمود السياسي، اليأس، انعدام الامل وبالاساس تجاهل الوضع على الارض – أن يؤدي اليه. فالطرفان، نتنياهو وابو مازن، على علم جيد بأثار الجمود السياسي على حكمهما. وكما هو معروف، فقد امتشق ابو مازن خطة سياسية واقتراحا لاستئناف المفاوضات، بينما رئيس الوزراء نتنياهو، في اجماله لحملة «الجرف الصامد» قال: «كان يسرنا أن نرى أبو مازن يدخل الى غزة بدلا من أن نرى حماس تدخل الى الضفة»، واضاف: «دوما سنقبل ونتبنى شريكا مستعدا لان يدخل معنا في مسيرة سياسية للوصول الى انهاء النزاع».
وهذه بالضبط هي المسألة: هل سيكون ممكنا الان الوصول الى حل للنزاع المعقد بين الاسرائيليين والفلسطينيين؟ وهل ابو مازن هو الشريك الذي يمكن لنتنياهو أن يتوصل معه الى حلول سياسية بعيدة الاثر؟ وهل نتنياهو، الذي أثبت على مدى كل فترة حكمه أنه لا يسارع، على أقل تقدير، للوصول الى تسوية سياسية مع من أسماه «لا شريك»، غير رأيه حقا في أعقاب حملة «الجرف الصامد» خشية أن تسيطر حماس على الضفة الغربية؟
حتى لو كانت الاجوبة على كل هذه الاسئلة الكبرى ايجابية، وكان الزعيمان عن حق وحقيق قادرين على التغلب على انعدام الثقة ان لم نقل النفور الذي طوراه الواحد تجاه الاخر، فيشمران على اكمامهما ويدخلان في مفاوضات حقيقية، مشكوك أن في هذا الاوان سيوفقان في طريقهما. شك كبير جدا ان يكون ممكنا في هذه الايام العاصفة في الشرق الاوسط الوصول الى اتفاق يكون فيه الطرفان، الاسرائيليين والفلسطينيين، مطالبين باتخاذ قرارات حاسمة محملة بالمصائر لم يكونا قادرين على اتخاذها في ايام اكثر راحة.

قبول حلول وسط أليمة

هيا نضع الامور على الطاولة وننظر الى الواقع الحالي في الشرق الاوسط في خريف 2014. فالدعم الجماهيري الذي يناله اليوم ابو مازن في المناطق التي تحت سيطرته توجد في أسفل الدرك. والمفاوضات مع اسرائيل ستلزمه هو ايضا، وليس فقط اسرائيل، في الموافقة على حلول وسط اليمة. القدس، اللاجئون، السجناء، تبادل الاراضي، غور الاردن وغيرها. وبدون دعم جماهيري مكثف من الفلسطينيين لزعيمهم، الذي يسير نحو خطوة حياته وحياتهم، لا يوجد أي امل في أن يكون ابو مازن قادرا على أن يتخذ قرارات حاسمة. ولا سيما في موضوع القدس.
ولكن حياة رئيس الوزراء أيضا، على فرض أنه يقصد بجدية الدخول في خطوة سياسية مع ابو مازن، ستكون صعبة. ليس فقط بالنسبة للقرارات الحاسمة المصيرية التي سيضطر الى اتخاذها، بل انه هو ايضا من شأنه ان يجد نفسه دون دعم جماهيري من الرأي العام في اسرائيل. يحتمل أن تكون حملة «الجرف الصامد» في غزة أثبتت للاسرائيليين أنه خير السلام والافق السياسي من رعب الحرب، ولكن بشكل مفعم بالمفارقة شددت ايضا اكثر فأكثر انعدام الثقة بين الشعبين والخوف من التنازلات الاقليمية التي سيستوجبها كل اتفاق سلام.
ان مكانة ابو مازن الضعيفة في رام الله تزيد بقدر اكبر تساؤل الاسرائيليين: اذا كان رئيس السلطة الذي نسير معه الى مسيرة سلمية لا يمكنه أن يدخل الى غزة، فكيف سينجح في منع دخول حماس الى الضفة؟ ومن يضمن ان بعد يوم من انسحاب اسرائيل من المناطق الا تستولي حماس على المنطقة التي تم اخلاؤها، مثلما حصل في قطاع غزة بعد فك الارتباط.
ولكن للمسائل والمعاضل العادية التي تميز علاقات الفلسطينيين – الاسرائيليين اضيف اليوم معامل آخر، حرج وجوهري في تصميم الشرق الاوسط؛ داعش وجبهة النصرة المقترأن بكثافة من حدود اسرائيل. فالشرق الاوسط عاصف واسرائيل توجد دون أي مبالغة في ذروة وقلب عاصفة كبيرة. احد لا يعرف ما يولده اليوم. احد لا يمكنه أن يقول بيقين كيف سيكون الشرق الاوسط، مع داعش او بدون داعش، بعد عدة اشهر غير طويلة. الجميع ينظرون الى ما يجري أندهاش، الى حقيقة أن تنظيما مجنونا يقطع الرؤوس بالجملة، ينجح في أن يجند اليه آلاف المقاتلين ويسيطر بقوة على مناطق واسعة.
ان لما يجري في سوريا ولبنان تأثيرا مباشرا على قدرة اسرائيل اليوم على اتخاذ قرارات مصيرية ذات مغزى. وأنا لا اجري لا سمح الله تشبيها بين داعش ومنظمات فلسطينية في الضفة وفي غزة. بل اني حتى مقتنع أن مجانين داعش لا يمكنهم ان ينشأوا في اوساط السلطة الفلسطينية، لا في غزة وبالتأكيد لا في الضفة. وان كان هنا أو هناك توجد خلايا معينة تعتبر ذات ايديولوجيا مشابهة. ولكن هذا هو الوقت لقراءة الواقع، والفهم والاتفاق على أن هذا وضع خاص. ان اتفاق السلام مع الفلسطينيين والذين لم يتحقق في ايام اكثر صفاء – لن يتحقق الان، ولا امل في أن نصل في هذه الايام العاصفة الى قرارات حاسمة مصيرية. فهل الجمهور الاسرائيلي، الخائف من جيرانه الاصوليين في غزة وعلى الحدود الشمالية، مستعد وجاهز الان لان يدخل الى قلب عاصفة اخرى سياسية داخلية وخارجية بكل ما ينطوي عليه ذلك من معنى؟

مهامة متعذرة

الجواب هو قاطع لا لبس فيه: لا. فالمجتمع الاسرائيلي يوجد اليوم في استقطاب لم يشهده من قبل أبدا. فالحملة في غزة ابرزت أكثر فأكثر الصداع بين اليمين واليسار، بين مؤيدي المسيرة السياسية مع الفلسطينيين ومعارضيها. وتجنيد الصبر، الاستعداد والجاهزية اليوم للدخول في سياقات دراماتيكية هو مهامة متعذرة.
وعليه فان الامر السليم عمله هو الحفاظ على الوضع الراهن الى أن يمر الغضب. وبتعابير الشرق الاوسط وبالعلاقات الاسرائيلية – الفلسطينية، فان الوضع الراهن هو شتيمة. ولكن في الواقع الحالي، في الفهم أنه في اثناء عاصفة ما من الصعب النجاة من عاصفة جارفة اخرى، هو أهون الشرور. الوضع الراهن، الى أن يصفو الجو في الشرق الاوسط، لا يعني الضم، تسريع البناء وتثبيت حقائق ناجزة اخرى على الارض تثير حفيظة الفلسطينيين وتؤدي الى جولة عنف اخرى في الضفة. فالسلام هو امنية الكثيرين، وهو امنيتي انا ايضا.
أنا ايضا اعتقدت ان الوضع الراهن هو شتيمة، ولكن جولة محادثات اخرى مع الفلسطينيين تنتهي أنفجار آخر ستقرب حقا سيناريو الانتفاضة الثالثة التي يحاول الجميع منعها جدا. بما في ذلك ابو مازن الذي رغم كل شيء «يقدس» التعاون الامني مع اسرائيل.
وعليه فالى ان نعرف كيف يتصمم وجه المنطقة، فان الوضع الراهن المؤقت هو الخيار البديل الافضل، وهو بالاساس فهم القيود التي في هذا الواقع المركب جدا.

معاريف الاسبوع 17/9/2014

شلومي الدار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية