إلى لي ريغبي أو من ينوب عنه

حجم الخط
3

عزيزي لي.. ودعني أناديك بالاسم الذي دللك به زملاؤك في أفغانستان ‘رينغر’ لأن ‘لي’ يثير اللبس في اللغة العربية فهو مجر حرف جر يفيد الملكية.
لا أعرف لمَ أكتب إليك رسالة لن تصلك، لكنك تركت وراءك أسرة صغيرة، لتكن رسالتي إلى الحزانى على رحيلك: أمك وأختيك وزوجتك وابنتك عندما تكبر. وصدقني، لا أعرف ما يدفعني للكتابة، مؤكد ليس الاعتذار؛ فمن قتلاك ليسا مصريين مثلي، وإسلامهما ليس مؤكدًا مثل إسلامي. الإعلام اتسع فقط لاسم أحدهما: ‘مايكل’. وهذا الاسم يجعل جزارك مجرد مسلم مفترض، هو يشترك معي في الانتماء إلى قارة أفريقيًا فحسب، وهذه ليست بالرابطة القوية إلى الحد الذي يجعلني مدانًا.
لنعتبر ما أكتبه هنا خطبة، لم أتمكن من الحصول على تأشيرة دخول إلى بريطانيا كي ألقيها على قبرك بين المشيعين، لكن مايكل حصل على التأشيرة والإقامة ليقتلك. لا أقول هذا افتراضًا فقد كنت مدعوًا بصفتي الأدبية في العام الماضي ولم أحصل على التأشيرة. هذه المفارقة قد لا تعنيك الآن، لكنها يجب أن تعني كل الشباب البريطاني والغربي المرشح للقتل في أفغانستان أو بعد أن يعود عقابًا على ذهابه إلى أفغانستان، أنت لم تستمع إلى ما قاله مايكل بعد أن جز رقبتك. أنت معذور لأنك ميت لكن الأحياء أيضًا لم يستمعوا إليه.
كل من استبشعوا الجريمة لديهم أسباب تمنعهم من الاستماع إلى المجرم، حتى أسرتك التي لا تريد أن يكون دمك قد ذهب هباء، قالت في خطبة وداعك القصيرة إنك ذهبت فداءً لانجلترا. ما مصلحة انجلترا يا رينغر في أن يسود إسلام طالبان أو إسلام كرزاي في أفغانستان؟!
موتك يا رينغر فادح؛ فأنت شاب، وكان من العدل أن تعيش حتى تحظى براتب تقاعدي يحقق لك شيخوخة هادئة بين أحفاد مفترضين.
فادح موتك على الرغم من ملابسك العسكرية التي تبدو احتفالية كثياب ملك، فادح موتك على الرغم من أكوام الورود المصلوبة في مكان ذبحك والأخرى التي ووريت الثرى مع جثمانك.
لا تعتبر حديثي عن أناقتك وعن ورودك حسدًا؛ فالموت هو الموت. وأنت لم تستفد شيئًا من بدلتك أو من ذبح الورود التي قطفت على شرف ذبحك. عشت لحظة رعبك تمامًا مثلما يعيشها يوميًا مائة شاب في المتوسط قبل ذبحهم في سورية، ومثلما يعيشها الثوار المصريون الذين يغتالون في الشوارع ومعسكرات الاعتقال واحدًا بعد الآخر.
هل تعرف يا رينغر أن في مصر وسورية واليمن وليبيا وتونس شباب يحلمون بأن يعيشوا سعداء؟ يحبون أن يعشقوا ويتلقوا الورود في ‘الفلانتاين داي’ ويرحلوا عن الدنيا بعد أن يشبعوا منها، ربما يأملون كذلك في باقة ورد أخيرة عند الرحيل.
أرجوك ألا تعتبر عودتي إلى تفصيلة الورود مرة أخرى حسدًا، لكنني أردت أن أحدثك عن بشر مثلك، لا يناصبونك العداء ومثلك يحبون الحياة، لكن من أرسلوك إلى أفغانستان يصرون على حرمانهم منها.
أنت تعرف المستعمرة البريطانية السابقة التي أخذت موقع بلادك وأجبرتكم على السير في فلكها. تعــــرف لا شك رئيسها أوباما الأقل سوادًا من قاتلك مايكل أديبو والأقـــــل بياضا من بوش، هو بالنسبة لبعض خصومه مثل مايكـــل ‘مسلم افتــــراضي’ وهو بالحقيقة مثلي ومثل مايكل إفريقي الأصل، وربما مثلك أيضًا؛ فأحدث الدراسات تقول إن أصــــل البشرية من إفريقيا، وهكذا فأن ينتمي أحدنا إلى إفريقيا أو الإسلام ليس سببًا لإدانته بالإرهاب.
هل تعرف مصر يا رينغر؟ من غير المعقول ألا تعرفها، إذا لم تمر من سمائها أو بحرها في طريقك إلى أفغانستان فلعلك رأيت صورة لأهرامها ذات مرة أو لعلك تعلمت في المدرسة شيئًا عن البلد الذي ولد فيه الضمير. هذا البلد (مصر) اندلعت فيه ثورة منذ عامين ونصف العام. شباب أثاروا إعجاب العالم وإعجاب أوباما رئيس الإمبراطورية سيدة العالم، قال يومها إنه سيعلم الأمريكيين كيف يصيرون مثل الشباب المصري، ثم استدار مباشرة لتأديب المصريين على ثورتهم.
ولكي أكون منصفًا، أقول ربما كان أوباما مجرد جندي يا رينغر يعمل هو الآخر بأوامر من الذين أرسلوك إلى أفغانستان. وللأمانة، فإن لحية الحكم الذي فبركوه رغمًا عن الشباب المدهش ليست في طول اللحى التي رأيتها في أفغانستان يا رينغر، لكنها مدعومة بأطياف من اللحى بينها ما يبلغ الطول الذي رأيته في أفغانستان، ولك أن تعد المصريين محظوظين بعكس أشقائهم السوريين الذين وجدوا أنفسهم بين نيران النظام القديم ونيران اللحى الأفغانية والإيرانية في حرب مفتوحة قضى فيها بلا عزاء ولا ورود مائة ألف من أمثالك.
أنت صغير يا رينغر وقد لا تعرف أن لحى أفغانستان ولحى إيران التي نمت وحملتها الريح غربًا حتى غطت معظم البلاد التي كانت تسمى ‘العالم العربي’ هي صناعة غربية في الأصل. تصور يا رينغر أن كاتبًا مصريًا قد لا يتمكن من زيارة انجلترا لكن مصرياً من نوع آخر يستطيع أن يعيش في بلادك، لمجرد أن للكاتب يدين عاديتين كيديك لا تثيران الدهشة، بينما للإرهابي خطاف حديدي مكان راحة يده المقطوعة، وعندما يرفع ذراعه ويلوح بالخطاف أمام الكاميرا يدفع الأطفال من أمثالك للاقتناع بالذهاب إلى أفغانستان لحصار الشر في جحوره!
صدقني يا رينغر، اليوم صرت حزينًا عليك أكثر من يوم رحيلك. كنت قتيلاً مميزًا، لك قبر معروف عليه ورود ولك اسم في الإعلام. وبعد ثلاثة أيام بالضبط ذبلت الورود ونسي الإعلام اسمك، صرت في الأخبار مجرد ‘الجندي الانجليزي القتيل’ لم يبق إلا القبر، وما نفع قبر في الأرض لمن صعد إلى السماء؟!
بالمناسبة، هل رتبت أوضاعك في ملكوت الرب، وبدأت تتعرف على المكان بشكل جيد؟ هل قابلت الضحايا الألف من بنجلاديش الذين سبقوك إلى هناك أم أن الحدود تمنعك؟ هم نوع من الموتى مسالم جدًا، لن تر حزوزًا في رقابهم، فلم يقتلهم مايكل بل ماتوا في انهيار مصانع يكدحون فيها لقاء عشرين بنسًا عن كل قميص ثمنه خمسون دولارًا. استمتع بصحبتهم واستمع إليهم فقد تفهم منهم ما لم تفهمه أنت وقاتلك.
ستعرف منهم يا رينغر أن الذين أرسلوك إلى كابول يرسلون إلى دكا ودلهي وبكين رسومًا صغيرة لتماسيح ملونة وخيول سوداء ,وأيقونات أخرى تعود إليكم وشومًا فوق الثدي الأيسر والإلية اليمنى لقمصان وبنطلونات باهظة الثمن يخيطها بشر جائعون ستلتقي بالمزيد منهم سواء قضوا جوعًا أو مرضًا أو تحت ركام الورش الخانقة وغير الآمنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول جمال عبد الناصر:

    مقال عالمي ينبغي ترجمته لعدة لغات حتي يتعرف العالم علي هويتنا الحقيقيه كمسلمين ….نحن لانكرههم …..نكره فقط الشركات العالميه التي تسيطر عليهم وعلينا وتستغل الفقراء إلي هذه الحدود البشعه واللاإنسانيه ولو أن ذوى الضمائر منهم عرفوها لكرهوها مثلنا وأعظم..

    1. يقول Ahmed:

      Well done

  2. يقول roufaida56:

    وانا ازيد في الرسالة الى الجندي رينغر واقول له بان ديننا يمنعنا ان نقطع شجرة او نقتل طفلا ايام الحربوباننا مسالمون ولكننا تعرضنا من طرف امبراطوريتكم العظمى قديما الى شتى انواع التعذيب النفسي والجسدي غرست في وطننا كيانا غريبا علينا شتت اهلنا هناك وارتكب فيهم المذابح المتكررة من تل الزعتر الى صبرا وشاتيلا وقانا واحد وقانا اثنين فكيف لنا ان نعيش سعداء فلقد توارثنا كره هذا الكيان ومن كان السبب في وجوده ولكننا لسنا طلاب ثار بل طلاب مقاومة

إشترك في قائمتنا البريدية