لندن ـ «القدس العربي»: عاد الحديث عن رجال الأعمال وتوغلهم على الناس في مصر إلى واجهة الاهتمام على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث ينشغل المصريون في الحديث عن «إمبراطورية رجال الأعمال» التي كانت قد اختفت مؤقتاً بعد انتهاء فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك عندما كان يسود الاعتقاد بأن ابنه جمال هو الذي يحمي هذه الإمبراطورية ويتشارك معهم في المنافع.
وتسببت حادثة صدم مميتة تورط بها نجل رجل الأعمال المقرب من النظام المصري محمد الهواري، مالك مجموعة «هايبر وان» الشهيرة، تسببت بإعادة الجدل عن «إمبراطورية رجال الأعمال» في مصر وقدرتهم على الإفلات من العقاب وعدم اكتراثهم بأية قوانين ولا اكتراثهم لحياة الناس من البسطاء والفقراء المصريين.
وكان ابن رجل الأعمال المشار إليه ويُدعى كريم الهواري قد صدم بسيارته الفارهة سيارة أخرى تقل أربعة شبان ما أدى إلى وفاتهم جميعاً في حي الشيخ زايد غربي العاصمة المصرية القاهرة.
وتصاعد الجدل المستمر منذ أيام أكثر بعد الإعلان عن تحويل النائب العام كريم الهواري إلى محكمة الجنايات، بتهمة تعاطي مخدر الكوكايين والقتل الخطأ، والقبض على اثنين من محاميه الأربعة أثناء انتحال شخصية وكلاء نيابة، ومحاولتهم طمس مقاطع الفيديو المصورة للحادث بإحدى الفلل المطلة على الموقع، وتوارد أنباء عن محاولة شراء أهالي الضحايا بأموال طائلة.
وجاء الجدل بشأن حادث الهواري بالتزامن مع خبر استحواذ رجل الأعمال أحمد عز، المحسوب على الرئيس المخلوع حسني مبارك، على حصة رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة المقرب من الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في شركة «حديد المصريين» ما يعني عودة عز إلى احتكار الحديد أو اقترابه من ذلك مجدداً، وهو الحال الذي كان قائماً قبل اندلاع ثورة يناير في العام 2011.
وبالتزامن مع هذا وذاك قرر النائب العام المصري إحالة رجل الأعمال المعروف حسن راتب و22 آخرين بينهم برلماني سابق إلى محاكمة عاجلة بتهمة «تهريب الآثار» إلى الخارج.
وسرعان ما تحول رجال الأعمال وإمبراطوريتهم في مصر إلى حديث المصريين وتصدروا قائمة الاهتمام على شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة حادثة الصدم بالسيارات التي أدت إلى وفاة أربعة شبان والتي يحاول ابن أحد رجال الأعمال الافلات من العقاب فيها.
واستذكر بعض النشطاء حوادث مماثلة وتغاضي النظام عن هذا الاستهتار، كما انتقدوا إجراءات التقاضي والفساد والمحسوبية، حيث استذكر بعض المعلقين حادثاً مماثلاً لنجل رجل الأعمال المقرب أيضاً من النظام كامل أبو علي على طريق العين السخنة، حينما دهس مهندسة شابة وهو مخمور، وانتهت القضية ببراءته.
وربط ناجي عباس بين الحادثين، وتشابه تقارير النيابة، ملمحاً لنوع من المجاملة، وغرد ساخراً: «من يقرأ تقرير النيابة في قضية القاتل هيثم كامل أبو علي وشبيهه تقرير قضية القاتل كريم الهواري ينتابه شعور بأن القاتلين توأمان شقيقان من أم واحدة وأب واحد.. الفرق بس في نوعية الكوكايين».
وغرد طبيب القلب هاني راجي مستعرضاً تجربة خاصة به، حيث قال: «بالمناسبة منذ عدة سنوات، قام سائق ترلة فقير محشش وضارب ترامادول بقتل ابن عمتي وزوجته وابنتيه وابنة جارهم الوحيدة بعد عقم دام 15 عاماً، وقمت أنا باستخراج جثث الضحايا من الحطام في أسوأ يوم في حياتي كلها، وحصل على حكم سجن قصير، ولم تسحب رخصة قيادته مدى الحياة. هي ثغرة قانونية يجب سدها».
وأضاف في تغريدة أخرى: «في قضايا أثرياء يقودون سياراتهم سكارى أو تحت تأثير مخدرات ويقتلون الآخرين، يتم الخروج بأقل ضرر بسبب قيامهم بتعويض أسر الضحايا بمبالغ طائلة بدون الاعلان عنها. واجب الدولة إن قبلت تنازلات أسر الضحايا المعوضين مالياً أن تقوم بسحب رخص قيادة القتلة ثابتي التهم مدى الحياة لحماية المجتمع».
وكتبت خبيرة الطب النفسي دعاء: «أهل كريم الهواري حاولوا مع أهالي الولاد إنهم يدفعوا دية والأهالي أسر الضحايا الأربعة رفضوا تماماً».
وهاجمت داليا جميل تعتيم الإعلام الموالي للنظام، حيث قالت: «سؤال للإعلاميين هو ليه حضراتكم لما يكون فيه حادث لابن رجل أعمال أو أي حد من ذوي النفوذ مش بتقولوا اسمه ولا اسم أبوه ولكن لما يكون من عامة الشعب بتجيبوا قصة حياة اللي جابوه وتخلوه عبرة ولقاءات وتصوير».
أما الشاعرة مروة مأمون فغردت تقول: «يا حلاوة.. صاحب هايبر وان مأجر بلطجية يتلفوا تسجيلات حادث ابنه اللي راح ضحيته أربع شباب زي الورد .. يا رب ينقبض عليه هو كمان».
عودة أحمد عز
وأثارت عودة رجل الأعمال أحمد عز المقرب من أبناء مبارك إلى الظهور والهيمنة جدلاً آخر لكنه ليس بعيداً عن الجدل بشأن الهواري وحادث التصادم الذي قتل فيه أربعة أشخاص.
وجاءت الانتقادات في أعقاب نشر معلومات عن استحواذ عز على حصة رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة في شركة «حديد المصريين»، التي تبلغ 18 في المئة، وبقيمة 2.5 مليار جنيه.
واعتبر كثيرون أن عز بدأ بالعودة مجدداً إلى احتكار سوق الحديد، خاصة أنه يملك شركة «عز الدخيلة» أكبر منتج للصلب في المنطقة، ورأوا فيها مؤشراً على استعانة النظام برجال مبارك في الحياة السياسية، خاصة أن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش يسيطر على أغلب الأسهم الباقية من «حديد المصريين».
وكتب مصطفى غاندي يقول: «أحمد عز استحوذ على سوق الحديد تاني وعلاء وجمال فلوسهم رجعتلهم والناس بقت بتحلف بيهم كمان والشباب اللي اتجننوا في دماغهم وفكروا يقولوا كفايه فساد اتقتلوا واتسجنوا وبقوا مطاردين!! الله ينتقم من كل اللي كان سبب في نكبتنا».
أما المغردة أماني فقالت: «أحمد عز اشترى حصة أبو هشيمة في حديد المصريين… كل ده عشان ما اداش اللواء فاروق الا عشرين مليون بس».
وكتب مغرد يدعى حسام قائلاً: «أبو هشيمة امتلك حديد المصريين منين؟ وعز جاب 2 مليار ونص منين.. من أين لكم هذا؟».
وقال الطيار السابق بالجيش شريف عثمان: «تخيل الفشل لما تلاقي أحمد عز رجع يتصدر المشهد تاني… مش محتاجين حتى يداروه مننا، لا خلاص، اتعشت».
واستضافت المذيعة لميس الحديدي في برنامجها «كلمة أخيرة» الرئيس السابق لـ«الشركة القابضة للصناعات المعدنية»، مدحت نافع، الذي حاول بكل الطرق نفي احتكار عز لسوق الحديد، حيث أشار أن تسعير الحديد يتم حسب الأسواق العالمية، كما أشار إلى حساب نسبة عز في امتلاك الشركات المسيطرة على السوق ليصل إلى نفي احتكاره هذا السوق.
يشار إلى أنَّ «إمبراطورية رجال الأعمال» كانت قد تضخَّمت بشكل كبير في مصر خلال السنوات القليلة التي سبقت سقوط مبارك في العام 2011 وكان يسود الاعتقاد بأن جمال مبارك هو الذي يدير هذه الإمبراطورية وهو الذي يتشارك مع كبار رجال الأعمال في شركاتهم وأعمالهم وأموالهم. وبعد الإطاحة بمبارك من الحكم أحيل مع أبنائه إلى محاكمات مختلفة بتهم تتعلق بالفساد لكن أغلب القضايا انتهت إلى تبرئتهم.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي قررت المحكمة الاقتصادية في مصر رفع التحفظ على أموال جمال وعلاء مبارك بعد موافقة النائب العام.
وتلقى رئيس محكمة الاستئناف خطابا من البنك المركزي المصري، بشأن موافقة النائب العام على إنهاء أثر المنع من التصرف رقم 98 لسنة 2020 على كل من علاء محمد حسني السيد مبارك، وزوجته هيدي محمد مجدي راسخ، ونجله القاصر عمر، وكذلك رفع التحفظ على أموال جمال محمد حسني السيد مبارك، وزوجته خديجة محمود يحيى الجمال، ونجليه القاصرين فريدة ومحمود، السابق صدوره على ذمة القضية رقم 70 لسنة 2014.
وترجع الأحداث إلى قضية التربح من بيع البنك الوطني المصري لبنك الكويت الوطني، المعروفة بقضية «التلاعب بالبورصة»، وتعد تلك القضية الوحيدة التي أدخلت نجلي مبارك إلى السجن أكثر من مرة، بعد أن تمت تبرئتهما في أغلب القضايا التي اتهما فيها بعد الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2011.