ان عدم الاكتراث الثقيل والكثيف الذي يلف انتخابات البلديات ينبع ايضا من كسر عضد الاحتجاج الكبير، ومن شعور بأن نضالا مصمما لمئات الآلاف لم يغير شيئا، بل بالعكس. فقد قوي فقط ‘قيصر عدم المساواة’ ومعه قيصرية الفروق، وتبين ان الحاصلين على اصوات التغيير متعاونون مع السلطات. وأخذ يقوى الى جانب الهجرة المادية الى برلين هجرة أوسع وأكثر تهديدا، هي هجرة الى عدم الاكتراث، بحيث لا يشتغل الشخص إلا بنفسه، هجرة هي استسلام قد يكون مؤقتا وقد لا يكون. معلوم ان الاحتجاج منذ بدأ انحصر بقدر قليل جدا في قيصر عدم المساواة والعنصرية بنيامين نتنياهو، وهو الشخص الذي لا يعد هذان بالنسبة اليه امرين مريحين، بل هما اعتقاد داخلي قوي. ان قوة الفروق التي تضعف المجتمع الاسرائيلي تتعلق بنظام الحكم القطري. لكن للمجالس البلدية ولسياسة رؤسائها دور مهم في هذه الدراما: فهل تغلب هنا سياسة تدوس احتمال ان يعيش أكثر الاسرائيليين حياة مناسبة؟ ولهذا فان الاستسلام خطير جدا، ولهذا من المهم جدا التصويت اليوم. ان شوق الاسرائيليين الى حياة سوية والى عيش يومي محترم لا يجوز ان يقطع بعد معركة واحدة. وحين يصوتون من المناسب ان يحصروا العناية في تصويت يرمي الى احباط اقسى تهديدين لاسرائيل وللاسرائيليين. انه ذلك الجمهور من الناس الذي تنكر دولته حتى قوميته، بخطوة متناقضة نتيجتها ليست هجرة افراد الى برلين، بل هي هجرة ملايين. لأنه اذا لم يوجد الاسرائيليون فلا توجد اسرائيل ايضا. ان التهديد الاول هو دين الفروق، ان المعطيات الصارمة لا ترسم الصورة كلها دائما، لكن اسرائيل كانت تتقدم العالم مع السويد في 1977 من جهة عدم الفروق والمساواة النسبية، تتقدم اسرائيل اليوم الدول الصناعية بالفقر والفروق. ان كلمة تتقدم انفعالية لان اسرائيل في الحضيض الادنى من الفروق المذلة. وهذه هي القصة كلها، انها صعوبة الوصول الى شقة والى الحد الادنى من الامن الاقتصادي. وهي التوتر المضعف وخشية الازواج الذين ضاقوا بالحياة معا من الانفصال، لانه كيف سيعيشون؟ والفروق الكبيرة التي يحددها العرق والدين والجنس. وانكار الوعود بالمساواة التي هي في اساس اعلان الاستقلال الذي قامت اسرائيل عليه وهو انكار يؤثر على كل فرد. وهذا في بلد قام على التكافل والتجند، بلد يطلب من شبابه كل شيء باسم العيش المشترك، ثم يطرحهم كأداة لا يرغب فيها باسم سلطان العرق والمال والدين وسيادة القوة. إن البلد الذي لا يستطيع ان يسمح لنفسه بذلك أكثر مما سواه، يسلك هذا السلوك. والتهديد الثاني هو دعم وتمويل بلا ضوابط للتربية والثقافة والوجود العرقي، والديني المتطرف الذي يفصل ويميز النساء وغير اليهود. وهو تفضيل الوجود الانتقائي على الثقافة والتربية والواقع الانساني والحر والمفتوح الذي باسمه وقوته خلقت دولة اسرائيل. ليس من العرضي ان تقوى ميرتس الان في استطلاعات الرأي في مواجهة هذين التهديدين. وليس الحديث عن شرط كاف للتحول، لكنه شرط ضروري. قد لا تكون ميرتس كاملة لكن ليس من العجب ان التحول الحقيقي الوحيد في الـ36 سنة ظلام الاخيرة أُحرز حينما فازت ميرتس بـ12 نائبا. ومن المعلوم انه يجب ان يضاف الى ذلك مرشح مركزي مثل اسحق رابين يستطيع ان يقود بمشاركة كاملة مع القوى غير اليهودية، كما في سنة 1992 اكثرية من 61 نائبا. لكن احياء اليسار ثقافيا وفكريا وحزبيا هو شرط ضروري لكل تحول. هكذا نشأت اسرائيل وهكذا فقط ستحيا. ولهذا يوجد في انتخابات اليوم معنى خاص لرسالة التصويت الكثيف بقدر المستطاع لميرتس ومرشحيها. ومن المهم ايضا التصويت لاحزاب يسارية اخرى، بشرط أن تكون ذات وزن وموقف حاد من المسألتين اللتين ستبتان في مصير اسرائيل، وهما مسألة الفروق ومسألة الحرية. ازاء حكم قيصري مقطوع عن الواقع يقف الاسرائيليون وظهورهم الى الجدار مع مسائل الثورة الفرنسية الثلاث، وهي الحرية والمساواة والاخوة. على هذا سيسقطون وعليه سيقومون. إمضوا الى التصويت.