‘من المسلي تقريبا أن نسمع حوار الصم الذي يتناول تصريحات يئير لبيد المتعلقة بالمهاجرين الجدد من اسرائيل الى برلين. يقف من جهة لبيد وعوزي ديان الذي أيده على ما يقول في مدونة خاصة في الفيسبوك، وهما اللذان يتهمان الشباب بطرح الاسرائيلية في القمامة مقابل حفنة من متع العيش. ويقف من جهة اخرى اسرائيليون في العشرينيات والثلاثينيات من أعمارهم، من المثقفين خاصة المتصلين بالواقع العولمي والممتلكين لناصية لغته، ويفعلون من وجهة نظرهم ما هو منطقي فعله في نظرهم، ألا وهو البحث عن مكان تكون فيه حياتهم أفضل. إن القطيعة بين الطرفين أعمق وأكثر تعقيدا من الفرق بين مخصص التقاعد السخي لديان ومتوسط الأجور في الجهاز الاقتصادي، أو بين سيارة جيب لبيد والسحب المكشوف الاسرائيلي في البنك. إنه عظيم حقا ولهذا يحكم على الطرفين بتجارب وجودية منفصلة تماما كصورتي عيش مختلفتين تقريبا فوق كوكبين مختلفين. إن مستوى القطيعة الأول هو الواقع الاقتصادي في اسرائيل في مرآة التاريخ. إن ديان ابن الخامسة والستين من عمره يعتبر من جيل نشأ في سوق عمل استطاع فيها لا رجال الخدمة الدائمة الكبار فحسب، بل العمال ‘العاديون’ أن يكسبوا رزقهم في كرامة ويعلموا أن شيخوختهم مؤمنة بمخصص تقاعد كبير؛ وهو عالم كان فيه العمال مهمين في معادلات الجهاز الاقتصادي، وكانت الكفالة الاجتماعية من قبل الدولة واجبا لا يشك فيه أحد. وأصبحت سوق العمل اليوم أشبه بميدان معركة تتمتع فيه قلة من العمال الذين بقوا مُجمعين في لجان قوية يتمتعون بحماية وظروف طيبة، أما الجموع فيُداسون تحت الأقدام بلا حماية وبلا ظروف اجتماعية ملائمة. إن الشباب لا يفهمون بأي حق يقول لهم اللواء (احتياط) ديان الذي لم يقضِ يوما واحدا في ميدان المعركة المجنون هذا، ماذا يفعلون. إن لبيد ابن الخمسين من عمره هو ابن جيل آخر، جيل ما زال يتمتع باسرائيل بصفة دولة رفاه ومجتمع أكثر مساواة، لكنه رأى ايضا أمراضها وثار عليها. إن لبيد الذي نشأ على العقيدة الليبرالية وحقوق الفرد والسوق الحرة، يرى أن الاشتراكية كلمة معيبة تنطوي على تعيينات سياسية وادارة تبذيرية وتدخل مبالغ فيه في حرية الفرد. ولا يفهم الشباب بأي حق يطلب إليهم لبيد أن يتخلوا عن الراحة الشخصية لمصلحة مجموع ما. لكن المستوى الأهم في الفرق بين الطرفين ليس في المجال الاقتصادي، بل في مجال الوعي وصورة تشكيله، وتجربة الوجود الشخصي والجماعي المختلفة كثيرا بين الأجيال. فالشباب بخلاف ديان ولبيد اللذين يحكمان على الدولة عن طريق مصفاة الروح العامة الصهيونية، يحكمون عليها بمفاهيم موضوعية فقط. والشباب بخلاف لبيد وديان اللذين يريان اسرائيل حلا لخوف وجودي ولهذا يستهينان بصعاب مدنية اخرى غير مستعدين للمشاركة في هذا الخوف ولا يفهمون لماذا يجب أن تكون حياتهم مختلفة عن حياة اصدقائهم في الفيس بوك من الالمان أو الهولنديين أو الكنديين. فليس خوفهم من أن يُضربوا بسبب يهوديتهم مثل جد بنيامين نتنياهو، بل أن يصلوا الى وضع موشيه سلمان أو أن يكونوا أسرى في منطقة مفخخة، كما تعرضها الحكومة. يستطيع الشباب أن يختاروا الانفصال عن هذا الخوف الوجودي، لأنهم بخلاف ديان ولبيد لم يعيشوا في ظل كوارث وجودية. وهم يعرفون المحرقة بواسطة المدرسة ويوميات آنا فرانك وفيلم ‘قائمة شندلر’ لسبيلبرغ. وإن استعمالها المكرر لتسويغ العيش في اسرائيل لا يرعبهم، بل يبدو لهم مثل تلاعب وكيل مبيعات يعلم أن سلعه غير جيدة بقدر كافٍ، ومثل طريقة للتبرؤ من المسؤولية عن صعاب حياتهم في البلاد. يستطيع لبيد ورفاقه في الحكم أن يوقفوا حوار الصم هذا، والسؤال هل يريدون ذلك. وتبدو الحكومة وهي من أشد الحكومات التي كانت هنا يمينية منطلقة الى الأمام بسرعة نحو رؤيا ارض اسرائيل الكاملة والمخصخصة. وليس من المؤكد أن التاركين يلائمونها أصلا. ‘ هآرتس 9/10/2013