إن الفريق العسكري الرفيع المستوى الذي يُدير الاستعداد للهجوم الامريكي على سورية، أكثر تيقظا وموضوعية من أي وقت مضى. فرئيس الاركان بني غانتس، ونائبه غادي آيزنكوت، ورئيس ‘أمان’ أفيف كوخافي، وقائد سلاح الجو أمير إيشل ورئيس شعبة التخطيط نمرود شيفر يتصرفون في تقدير للامور وتعاون من دون توتر شخصي أو تنظيمي. وينطبع في نفس الجيش الاسرائيلي أنهم في الحكومة لا يسارعون في هذه المرة الى الزناد ايضا. هذا نجاح يُرى على أنه فشل، فالمواطنون الذين شاهدوا التلفاز وقرأوا الصحف يعبرون عن عدم ثقة بحكومتهم وجيشهم. وتحولت مراكز توزيع الأقنعة الواقية في هذه الحال الى صناديق اقتراع. إن النهج الرسمي الذي يقول ‘اذا ضُربنا فسنرد’، جاء ليُسكّن النفوس، وهو مخيف، بالضرورة. فالمواطن الذي يشعر بالملل والدعَة في أكثر ايام السنة، والذي كسل عن اكتساب تأمين لساعة عُسر على صورة تزود بقناع واقٍ، لا يحتاج الى من يحل شيفرة من الوحدة 8200 كي يفهم الامور فهما صحيحا مُرتبا، وهو أن السوريين سيعملون والجبهة الداخلية ستُصاب وسيرد الجيش الاسرائيلي على المهاجمين. فاذا كان هذا هو الفهم الشعبي فان السياسة الاسرائيلية أفلست إفلاسا تاما. إن الربط بين المصطلحين المنفصلين ‘السلاح الكيميائي’ و’هجوم سورية’ وهمي. إن الاستعمال السوري للسلاح الكيميائي الذي كان حافزا الى العملية الامريكية، ليس هو المضمون المتوقع للهجوم السوري على اسرائيل، الذي سيأتي في أعقاب الهجوم الامريكي على سورية. مهما يكن موجودا تهديد محتمل لعملية سورية على اسرائيل، ومهما يُنفذ هذا التهديد اذا بطلت قيمته الردعية في مواجهة الامريكيين فهو تهديد بسلاح عادي صواريخ ارض ارض مسلحة بمواد متفجرة لا بمواد كيميائية أو بيولوجية. يبدو أن مواطني اسرائيل لا يؤمنون بأن بطاريات القبة الحديدية وباتريوت وحيتس ستُقدم حماية كافية من القذائف الصاروخية والصواريخ على اختلاف أنواعها، وذلك بسبب النقص أو عدم الملاءمة. لكنهم اذا كانوا يخشون حقا من أن تستعمل سوريا سلاحا كيميائيا على اسرائيل، فمعنى ذلك أن الردع الذري المنسوب الى اسرائيل غير ناجع في مواجهة تهديد غير ذري. اعتادت نظم حكم عربية أن تزعم أن تسلحها بـ’سلاح ذري للفقراء’ كيميائي وبيولوجي يرمي الى التخفيف من سطوة السلاح الذري، الذي تزعم أنه موجود بيد اسرائيل. وقد كان الهدف الرئيس في واقع الأمر لوجود الوحدات الكيميائية هو حماية النظام من انقلاب عسكري. فسلاح المدرعات الذي هو المُحدث التقليدي للانقلابات سيواجه في الانقلاب التالي الحرس الجمهوري؛ وسيواجه الحرس الجمهوري الحرس الرئاسي؛ واذا نجمت الخيانة والتمرد من بين الموالين في الحرس الرئاسي فسيضربهم السلاح الكيميائي، لأن بقاء النظام هو فوق كل شيء. ولهذا ستهاجَم اسرائيل ايضا فقط اذا شعر النظام بضيق بالغ جدا، وهو الشيء غير المحتمل في ‘حرب رأس السنة’ لباراك اوباما. إن السياسة المعلنة وهي انتظار هجوم سوري قبل عملية اسرائيلية تؤجج ذعر الموقف الدفاعي. من الطبيعي أن يفكر المواطنون في خطر أن يضرب الغاز السوري عائلاتهم، مقابل الشعور بالذنب في التخلي عن أعزائهم لنزوات الاحصاء. ويبدو في التعليل أنه يوجد من يرفضون تطعيم أبنائهم لمواجهة البوليو (شلل الاطفال) رغم أن المرض من التطعيم محتمل لواحد من كل مليون فقط. ويمكن ضرب الفيروس في سورية قبل أن يضرب. ولاسرائيل قدرة مبرهن عليها على أن تجد في سورية سلاح إبادة وتضربه ويدل على ذلك ضرب المفاعل الذري في مثل هذا الاسبوع قبل ست سنوات. ويمكن أن نُخمن أن اعداد هذا السلاح للاطلاق سيُعلم به قبل ذلك وأن اسرائيل لن تُعرض نفسها لخطر أن تُضرب بالغاز قبل أن تعمل، بل ستوجه ضربة رادعة. فاذا كان الامر كذلك فلماذا لا تعلن ذلك مسبقا؟ فلن يُكشف بذلك عن سر عملياتي لأن السوريين سيفرضون بحسب تجربة الماضي أنهم مكشوفون للاستخبارات الاسرائيلية وسيتم احراز تسكين روع الجمهور مع تعزيز الردع الذي أخذ يضعف. يحسن كي تظل المخاطرة ضعيفة التلويح بالتهديد باحباطه بضربة استباقية.