الناصرة- “القدس العربي”:
يواصل المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) استعراض منظمات اليمين الصهيوني في البلاد والعالم، وتسليط الضوء على نشاطها في ملاحقة الجهات الفلسطينية والدولية المناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني تحت ذريعة “مكافحة اللا سامية”.
يقول تقرير “مدار” إنه على غرار النموذج الأمريكي المُحافظ، طورت نخب اليمين الجديد في إسرائيل من أساليبها، في إطار مساعيها لخلق هيمنة بديلة داخل المجتمع الإسرائيلي. وكان من بين هذه الأساليب تأسيس ودعم مراكز الأبحاث التي تعمل على إعادة إنتاج الخطاب وتقديم التصورات والأوراق والنشرات والتوصيات للنخب السياسية والأحزاب وغيرها، من ضمن مهام أخرى كثيرة. ويقول إنه في إسرائيل، ونظراً للتأثير الكبير الذي حققته جمعيات ومنظمات اليمين الجديد في السياسة العامة، وتحديداً مراكز الأبحاث اليمينية، فقد ركز في مساهمات سابقة على العديد منها، مثل “منتدى كوهيلت” وغيره. في هذه المساهمة، التي تُعد استمراراً لسلسلة المساهمات التي تُسلط الضوء على جمعيات ومنظمات اليمين الجديد وتأثيرها في السياسة الإسرائيلية، يحاول التعريف بالمنظمة اليمينية المعروفة بـ “إن جي أو مونيتور” مع التركيز على دورها البارز في محاربة مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، وعمليات “نزع الشرعية” عن النضال الفلسطيني ذات الطابع الحقوقي.
معلومات وتحليلات
وهذه المنظمة ذاتها تعرف كمعهد بحثي “يوفر المعلومات والتحليلات، ويُصدر التقارير، بشكل دوري، عن أنشطة المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية”، ولكنها في الحقيقة عبارة عن جمعية يمينية تعمل على رصد أنشطة المنظمات الفلسطينية والعالمية، المُصنفة كمنظمات غير حكومية، تتلقى تمويلاً من الدول والجهات المانحة حول العالم، ومراقبة عمل كل منها بهدف “وضع حد لاستغلالها لمفهوم “حقوق الإنسان العالمية” لدفع أجندة سياسية وأيديولوجية”، على حد زعمها. تأسست الجمعية في العام 2001، بمبادرة ورعاية مركز القدس للشؤون العامة (“جي سي بي يه”) وهو من المراكز المقربة، فكرياً وأيديولوجياً، من تيار المحافظين الجُدد في أميركا، ويتلقى تمويله من قبل الملياردير الأمريكي شيلدون إدلسون، الذي قدم دعماً سخياً لحملة دونالد ترامب الانتخابية، ويُعد أشد الداعمين للمشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية.
وحسب “مدار”، تُشكل الجمعية في الحقيقة، ومن خلال التقارير والنشرات التي تقوم بنشرها بشكل دوري، قاعدة بيانات مهمة لليمين الإسرائيلي. فمثلاً؛ يتضمن موقعها الإلكتروني (بالإمكان الوصول إليه) قائمة تشمل قرابة 100 منظمة غير حكومية تُصنفها الجمعية على أنها منظمات “مُعادية للسامية”، وبحسب رؤيتها، فإن “معاداة السامية” لا تقتصر فقط على تلك المنظمات المُعادية للصهيونية، أو اليهود عموماً، وفقاً للتصور الإسرائيلي الرسمي؛ بل أيضاً تلك التي لا تتفق، بل ولا تتماهى بالمُطلق، مع رؤية وتوجهات وخطاب اليمين الجديد في إسرائيل، وتحديداً تيار الصهيونية الدينية.
وطبقاً للتقرير، برز اسم هذه الجمعية مؤخراً، وتحديداً بعد أن أقدمت سلطات الاحتلال على تصنيف ست منظمات حقوقية فلسطينية وهي: الحق، الضمير، مركز بيسان للبحوث والإنماء، الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فرع فلسطين، اتحاد لجان المرأة العربية، واتحاد لجان العمل الصحي، كمنظمات “إرهابية”، ووضعها على “قائمة الإرهاب” لديها، وهي الخطوة التي جاءت في سياق محاولات الحكومة الإسرائيلية الدائمة، وبدور مُساند وتكميلي لمنظمات اليمين الجديد، لنزع الشرعية عن عمل المؤسسات الحقوقية والإنسانية الفلسطينية، وعن حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، وفي سياق الهجمة التي تشنها عليها، منذ سنوات، بعد أن تمكنت من تحقيق نجاحات لا يُستهان بها على المستوى الشعبي في العديد من الدول حول العالم، خلال السنوات الأخيرة، وملاحقتها.
لا يقتصر عمل “إن جي أو مونيتور” على نشر التقارير والتحليلات، بل تجاوز ذلك إلى حد امتلاك قدرة هائلة على التأثير في السياسة في إسرائيل، وصياغة الأجندة الحكومية فيها؛ فقد استطاعت، وعبر وسائل الضغط التي تمتلكها، دفع الحكومة الإسرائيلية، وعبر وزير الأمن السابق بيني غانتس، لتصنيف المنظمات الحقوقية الست كمنظمات “إرهابية”، من خلال ربط هذه الجمعيات بـ “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، بعد أن استغلت تصنيف هذه الأخيرة ضمن “قائمة الإرهاب” الأمريكية والكندية والإسرائيلية وبعض الدول الأوروبية، في إطار مساعي نزع الشرعية عن النضال الفلسطيني وربطه بظاهرة “الإرهاب” العالمية، خصوصاً بعد أحداث سبتمبر 2001.
يُشير جيرالد شتاينبرغ، مؤسس الجمعية ورئيسها الحالي، إلى أن هذه الجمعيات (يقصد جمعيات حقوق الإنسان الفلسطينية التي تم تصنيفها) تستغل مفهوم “حقوق الإنسان”، في الوقت الذي تعمل فيه كمقاول “سياسي فرعي”، وتعمل على تشجيع الحملات المُناهضة لإسرائيل حول العالم ومقاطعتها ومواجهتها قانونياً. في المقابل، ما زالت تحصل على دعم مالي يُقدر بعشرات الملايين من اليورو سنوياً، وقد قامت بنشر تقارير تفصيلية عن أنشطة هذه الجمعيات، والأشخاص العاملين فيها، بالإضافة إلى المنظمات والدول المانحة والممولة، عبر موقعها الإلكتروني، ومواقع إسرائيلية تحمل ذات الطابع والتوجه، في سياق مسعاها لـ “خلق شرعية” للقرار الإسرائيلي بربط هذه المؤسسات بـ “الإرهاب” كمقدمة لإغلاقها وملاحقة أعضائها ونشاطاتها.