الجزائر- “القدس العربي”:
بعد أسبوع من الجدل، تأكد رسميا خبر إيداع الكاتب الفرنسي ـ الجزائري بوعلام صنصال الحبس المؤقت في الجزائر ومتابعته بجناية المساس بأمن الدولة، وفق مادة قانونية تضع مثل الأفعال في خانة الإرهاب. ويسود إجماع في الجزائر على إدانة تصريحات صنصال المشككة في الحدود الجزائرية، مع اختلاف فيما إذا كان الواجب سجنه أو التعامل معه بطريقة أخرى.
وفي بيان له، ذكر محامي فرانسوا زيميراي أن موكله مثل الثلاثاء أمام قسم مكافحة الإرهاب بالنيابة العامة في الجزائر العاصمة وتم وضعه رهن الحبس الاحتياطي. وأكد أن صنصال سيتابع بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، والتي تعاقب على “الأفعال التي تهدد أمن الدولة” وتعتبرها “أعمالا إرهابية”.
ووصف المحامي قرار حبس الكاتب بـ”العمل الخطير”، معتبر أن “سلب الحرية من كاتب بسبب كتاباته يمثل انتهاكًا بالغًا”، لأن “الحرية يجب أن تكون مكفولة، خاصة للكتاب الذين يعبرون عن أفكارهم بحرية”، وفق ما قال.
والمعروف أن المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري بعد التعديلات التي أدخلت عليها عام 2021، باتت تدرج الأفعال التي تشكل “تهديدًا لأمن الدولة” بمثابة أفعال إرهابية، ويشمل ذلك “كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي”.
وتسود في الأوساط الفرنسية على مختلف المستويات، حالة من القلق على مصير الكاتب الذي يعتبرونه من الشخصيات التنويرية التي تحارب الإسلاماوية وتتخذ مواقف مدافعة عن إسرائيل، وهو ما جعله “أحد مراجع اليمين المتطرف في دعم أطروحاته العنصرية والكارهة للأجانب والمسلمين خصوصا”.
وفي السياق، تقدم نواب عن “حزب التجمع الوطني” اليميني المتطرف في فرنسا الذي يقوده جوردان بارديلا ومارين لوبان، بسؤال برلماني للحكومة بلغة حادة ضد الجزائر، حول الإجراءات التي ستقوم الحكومة الفرنسية بها للحصول على حرية صنصال. وفي تصريح له، قال وزير الداخلية الفرنسي اليميني برونو روتايو، في تصريح له على قناة “فرانس إنفو”، إنه يثق في أن رئيس الجمهورية (ماكرون) سيبذل كل الجهود الممكنة والمعروفة عنه من أجل تحقيق الإفراج الفوري عن بوعلام صنصال. وأوضح أن الفعالية تقتضي التحلي بالسرية في مثل هذه القضايا، مشيرًا إلى أن اعتقال صنصال يأتي في سياق دبلوماسي متوتر للغاية بين باريس والجزائر.
وفي الجزائر تختلف المقاربة تماما، فالغالبية الساحقة من الفاعلين السياسيين وللمتابعين أدانوا تصريحات بوعلام صنصال التي أدلى بها لقناة الكترونية محسوبة على اليمين المتطرف في فرنسا والتي زعم فيها أن كل الغرب الجزائري يعود تاريخيا للمغرب، وهو ما اعتبر جهلا فادحا بالتاريخ الجزائري الذي كانت فيه هذه المنطقة في بداية الغزو الفرنسي في طليعة المقاومة، من خلال الأمير عبد القادر الجزائري (وهو من منطقة معسكر)، المعروف بأنه مؤسس الدولة الجزائرية في شكلها الحديث، ومصالي الحاج (أب الحركة الوطنية الجزائرية من مواليد تلمسان). وتم الاستشهاد هنا بما قاله المؤرخ الفرنسي (اليهودي المولود في الجزائر) بنجامين ستورا في قناة فرنسية.
بوعلام صنصال و الاستهتار بالمشاعر الوطنية :
إنه يعيد الاعتبار للرواية الاستعمارية وأكاذيبها التاريخية ، ولا يقدّر درجة استهتاره بالمشاعر الوطنية . كما أنه يُدرِك مسبقا أن توقيفه سيخدمه ويضر بصورة الجزائر في الخارج .
— @AbdelazizRahabi عبد العزيز رحابي@ (@AbdelazizRahabi) November 25, 2024
وفي تعليق له على منصة إكس، قال الدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي إن بوعلام صنصال بكلامه يعيد إحياء السردية الاستعمارية وما تحمله من مغالطات تاريخية، مشيرًا إلى أنه (صنصال) لا يدرك مدى عدم احترامه للمشاعر الوطنية الجزائرية. وأوضح السفير الجزائري السابق في إسبانيا، في المقابل، أن صنصال يعلم جيدًا أن اعتقاله سيخدمه شخصيًا، في الوقت الذي سيسيء فيه إلى صورة الجزائر على الساحة الدولية.
من جانبه، قال الكاتب الصحفي عابد شارف بنبرة ساخرة إن بوعلام صنصال أعاد، في وقت متأخر، اكتشاف أصوله، حين صرّح بأنه بربري ريفي، أي مغربي، ثم زعم أن المدن والمناطق التي أنجبت الأمير عبد القادر ومصالي الحاج (أب الحركة الوطنية الجزائرية من مواليد تلمسان) كانت تنتمي إلى المغرب.
وأضاف أن هذا الموضوع لا يستحق التوقف عنده، مشيرًا إلى أن صنصال ليس مؤرخًا، وأن من حقه أن يقول ما يشاء من “هراء”.
وأكد الكاتب في منشور على فيسبوك، أن صنصال أصبح دعاية مزدوجة التأثير؛ فمن جهة، هو دعاية إسرائيلية-مغربية، حيث يسافر إلى إسرائيل ويشارك في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومن جهة أخرى، يتبنى خطاب اليمين المتطرف الفرنسي العنصري والمعادي للأجانب، وهو خطاب يستهدف المسلمين والمهاجرين والعرب.
لكن بحسب شارف، فإن وضع كاتب أو صحفي في السجن يُعتبر دائمًا إخفاقًا، سواء للكاتب نفسه أو للمجتمع أو للبلد ككل، معتبرًا أن ذلك يدل على وجود خلل خطير في المنظومة.
وأوضح عابد شارف أن ما يثير القلق ليس ما يُقال أو يُكتب في الخارج، مشيرًا إلى أنه يمكن حتى احتقار أولئك الذين يشنّون حملات ضد الجزائر. واستدل بأن أكثر من مائة صحفي قُتلوا في فلسطين دون أن يُحرك هؤلاء المنتقدون ساكنًا، ولم يبدوا أي اهتمام أو استنكار لهذه الجرائم. لذلك، فالمشكلة الحقيقية، حسبه، تكمن في طريقة عمل المؤسسات الجزائرية، وعدم احترام القواعد، وما يشكله ذلك من مخاطر على الحريات في البلاد.
عكس ذلك، دافع الباحث في علم الاجتماع نوري دريس عن إخضاع بوعلام صنصال للعدالة والسجن إن كان يستحق ذلك. وقال إن هناك من يتساءل عن المكسب الذي ستحققه الجزائر من سجن صنصال، معتبرين أن صنصال سيكون الرابح في هذه الحالة لأنه سيتحول إلى “نجم”. وأضاف دريس متسائلًا: «لكن، منذ متى كانت الدولة تسجن المخالفين والخونة لتحقيق مكاسب؟ السجن وُجد لمعاقبة المجرمين والخونة، ووجودهم خارج السجن هو الخسارة الحقيقية للدولة».
وأشار إلى أن “النجومية التي يتحدث عنها البعض ليست جديدة، فصنصال نجم في الإعلام اليميني منذ سنوات، وهذه النجومية حازها من خلال شتم بلده وخيانته”. وأكد دريس أن الواجب اليوم يقتضي معاقبة صنصال وإلقاءه في السجن، موضحًا أن سجن صنصال سيجعل نجمه “يلمع” من داخل الزنزانة، وهو أمر أفضل من أن يواصل ظهوره على القنوات المختلفة ليصف أبطال الثورة الجزائرية بالإرهابيين. وأضاف: «من لم يحرره الطوفان العظيم من الانبهار بالغرب، فعليه أن يراجع إنسانيته». وختم دريس بقوله إن الإعلام الغربي اليميني لم يهتم يومًا بمصلحة الجزائر، متسائلًا: «منذ متى أصبح هذا الإعلام حريصًا على الجزائر؟»، مؤكدًا أن صورة الجزائر في نظر هؤلاء لن تتغير مهما فعلت.