يزداد سخط أبناء قبيلة طي على الروس والنظام مع استمرار حملات الاعتقال التي تشنها «اسايش» ضد المنتسبين السابقين إلى «الدفاع الوطني» أو القاطنين في حي طي بمدينة القامشلي.
نجحت إيران بتوسيع نفوذها بشكل ناعم وسلس في محافظة الحسكة في السنة الأخيرة، وساعدها في ذلك سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية على حي طي العربي جنوب مدينة القامشلي في نيسان (أبريل ) 2021. وأوكلت إيران مهمة التمدد في المحافظة إلى حزب الله اللبناني تجنبا منها لعدد من الحساسيات والتعقيدات في المحافظة التي تنتشر فيها القوات الأمريكية في إطار التحالف الدولي لمحاربة داعش، والقوات الروسية المتمركزة في مطار القامشلي وإلى الغرب من المحافظة يتواجد الجيش التركي والجيش الوطني السوري المعارض ويسيطران على مدينة رأس العين وتخوم تل تمر.
ويتولى الحاج مهدي اللبناني من حزب الله مهمة التمدد الإيراني في المحافظة، ويعمل على دعم وإعادة هيكلة ميليشيا الدفاع الوطني وكتائب البعث في المحافظة تحت «قوات المهام» التي ظهر دورها الخفي في معركة طي المذكورة، حيث تدخلت فرقة قناصات تابعة للحاج ضد قوات الأمن الداخلي «أسايش» وقوة مكافحة الإرهاب التابعة لـ«الوحدات» الكردية. وهو ما كانت رصدته «القدس العربي» خلال تغطيتها لهجوم المقاتلين الأكراد على الحي وطردهم لميليشيا الدفاع الوطني المكونة من مقاتلين ينحدر أغلبهم من قبيلة طي العربية. واستوعب الحاج مهدي قادة الدفاع الوطني بعد تخلي روسيا والنظام السوري عنهم، حيث تواطأت القوات الروسية مع «أسايش» وأعطت اذن اقتحام الحي، في حين وقفت قوات النظام المتمركز في فوج القوات الخاصة في جبل طرطب المجاور متفرجة على ما حصل ولم تساند «الدفاع الوطني» الموالي لها، لا بالذخيرة ولا بالسلاح أو بإطلاق رصاصة ضد «الوحدات» الكردية.
وأعطى الحاج مهدي مقرات لقادة الدفاع الوطني المندحرين من مدينة القامشلي، بالقرب من مكتب النقل الذي يتخذ منه «الحاج» مقرا لـ«قوات المهام» على طريق M4 بين طرطب ودوار الزوري.
وبالتدريج، بدأ قادة عسكريون بتدريب عناصر «الدفاع الوطني» في فوج طرطب العسكري، وإلحاقهم بـ «قوات المهام» التي أنشأها الحاج مهدي. وانتخب بعض المتمرسين والذين يظهرون كفاءة قتالية وحسن الانضباط العسكري، وارسلوا لإخضاعهم دورة تدريبية عالية المستوى في أحد معسكرات الحرس الثوري الإيراني في منطقة الديماس غرب دمشق. وبدأت قيادة المهام بدفع رواتب العناصر والتي تتراوح بين 100-200 ألف ليرة سورية وهي بين ثلاثة وأربعة أضعاف ما يتقاضاه عناصر جيش النظام السوري، رغم قلة المبلغ مقارنة بما تدفعه «قوات سوريا الديمقراطية» التي تشكل «وحدات الحماية» الكردية عصبها الرئيسي.
وافتتح حزب الله مكتبا للتطوع تحت مسمى «مكتب الاستقطاب» ويقع في قلب المربع الأمني في مدينة الحسكة بالقرب من فرع حزب البعث الحاكم والأمن العسكري، ويدير المكتب الحاج رائد خلف، قائد كتائب البعث ويشرف عليه بشكل مباشر الحاج مهدي اللبناني، ومهمة المكتب هي تجنيد الشباب من أبناء العشائر العربية، ليتم نقلهم وإجراء دورات تدريبية في فوج طرطب أو في الديماس بريف دمشق أو في لبنان، كما قال أحد المقربين من المكتب في حديث لـ«القدس العربي». ويمول حزب الله نشاطات ميليشيا «كتائب البعث» في المدينة. وهي التي أصبح ولاؤها لحزب الله رغم تبعيتها لحزب البعث. كما يدعم المكتب مؤخرا بعض الكتائب المحلية المستقلة ذات الطابع العشائري ومنها كتيبة تعرف باسم زعيمها الوجيه «فائز النامس» وهو شخصية عشائرية أعلن تشيعه، وتضم نحو 25 عنصرا وتتخذ من أحد المنازل القريبة من مكتب الاستقطاب مقرا لها.
ويتركز عمل «مكتب الاستقطاب» على استمالة شبان العشائر من خلال حل مشاكلهم العالقة مع النظام، وخصوصا المتخلفين عن الخدمة العسكرية في جيش النظام، أو الفارين منه أو مرتكبي المخالفات والجنح أو بعض الجنايات الصغيرة.
ونجح المكتب خلال فترة الستة أشهر الماضية التي رصدتها «القدس العربي» وتحدثت فيها مع عدد من المقربين من المكتب أو المنضوين في دورات فوج طرطب أو ذويهم، بضم قرابة 100 شاب من أبناء العشائر، واللافت أن الشبان الذين يتم تدريبهم لا يتحولون إلى مقاتلين علنيين، بل تقتصر علاقة أغلبهم على التبعية واستلام اعتمادهم المالي الشهري المذكور، ويظهر دورهم كمدنيين يقومون باعتراض الدوريات الأمريكية المشتركة مع «قسد» خلال سيرها على الطرقات في المناطق العشائرية، ويشاركون هم ونساؤهم وأطفالهم بإغلاق الطرق بالإطارات المشتعلة أمام الدوريات ورميها بالحجارة والهتاف ضد «المحتل الأمريكي».
واخترق رجل إيران التشكيلين الروسيين في الحسكة وهما الكتائب الطوعية التي تتبع للقيادة الروسية في مطار القامشلي، وميليشيا «انصار الأمن العسكري» التابعة لفرع الأمن المذكور وتشرف عليها روسيا بشكل مباشرـ وبنى «الحاج» علاقة قوية بفرعي المخابرات الجوية وأمن الدولة في محافظة الحسكة، وهو على خلاف مع الأمن العسكري الذي يعتبر أقرب للقوات الروسية من حزب الله وقيادة الحرس الثوري في سوريا.
في السياق علمت «القدس العربي» من مصدر متابع لنشاط مكتب الاستقطاب أن الأجهزة الأمنية اعتقلت الشيخ فايز الشيخ نامس منذ ثلاثة أشهر بتهمة اختلاس أموال طائلة من السفارة الإيرانية في دمشق، وتلك الأموال كانت مخصصة لبناء حسينية في مدينة الحسكة، وأكد المصدر أن الحاج مهدي هو من طالب باعتقاله رغم ان الأخير هو من زكاه لدى السفير الإيراني في دمشق، باعتباره أحد المتشيعين والوجهاء العشائريين وتلقى دعما خاصا من الحاج مهدي، ويعرف النامس بقربه من حزب الله منذ مطلع العام 2011 واستقبل عددا من وفود حزب الله والحجاج الإيرانيين الذين زاروا المنطقة بهدف فتح مراكز نشاط ثقافي. والنامس على علاقة سيئة مع «الوحدات» الكردية، فقد اعتقلته قوى الأمن الداخلي «أسايش» عام 2017 بسبب مناهضته لنشاطها ومحاولة تأليب زعماء العشائر العربية ضدها.
عشائريا، نجحت مساعي الحاج مهدي بكسب ود عشائر المنطقة وخاصة بعد خلافهم مع القوات الروسية نتيجة موقف الروس الداعم لقسد خلال معركة حي طي في القامشلي عام2021 حيث عمل على كسب ولاء شيوخ عشائر قبيلة طي وعمل على شق صف البعض حيث كان له دور في إعلان انفصال عشيرة بني سبعة عن طي بداية العام الحالي وأعلنت العشيرة انها من نسل الحسين من آل البيت ويحاول الحاج عمل الأمر نفسه مع عشيرة حرب والبو عاصي، فدفع بأحد الهامشيين من عشيرة حرب للوقوف بوجه شيخها محمود العاكوب.
ونجح القيادي في حزب الله باستمالة عبد القادر حمو، قائد الدفاع الوطني في الحسكة وحسن السلومي العضو في مجلس الشعب السوي وهو أحد شيوخ عشيرة الغنامة التابعة لقبيلة طي في القامشلي ويدعم كذلك سالم الهلوش، أحد قادة «الدفاع الوطني» في القامشلي. كما قرب الوجيه علي الحواس الملقب بـ «عارفة طي» وهو اللقب الذي يطلق على الرجل العارف بقوانين القبيلة الداخلية وخصائصها.
ويزداد سخط أبناء قبيلة طي على الروس والنظام مع استمرار حملات الاعتقال التي تشنها «اسايش» ضد المنتسبين السابقين إلى «الدفاع الوطني» أو القاطنين في حي طي بمدينة القامشلي وخصوصا بعد توجيه تهم لبعضهم بـ«الإرهاب» والحكم على بعضهم بالسجن عدة سنوات، حتى أصبحت المدينة شبه محرمة على الكثير من شبان القبيلة المناهضين لـ«الوحدات «الكردية. وتحصل كل تلك التجاوزات بحقهم بدون تدخل من القوات الروسية. وهو ما يجعل الارتماء بالحضن الإيراني أكثر جدوى وفائدة، فالنظام أعلن وقف دعمه المالي لـ «الدفاع الوطني» ويرفض إعطاء السلاح والذخائر لهم، قاصدا توتير العلاقة العربية الكردية في محافظة الحسكة ودفعها إلى درجة القطيعة.