بغداد-“القدس العربي”:لم تعد المخاوف من جعل العراق ساحة النزاع الرئيسية لمصالح إيران والولايات المتحدة مجرد هواجس، بل أصبحت واقعا ماثلا أمام العراقيين بدأ يأخذ أبعادا وإجراءات متعددة الاتجاهات والأشكال، يتحرك البلدان من خلالها لفرض سيطرته وتحقيق أهدافه على الملعب العراقي.
فقد عقد رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي في بغداد اجتماعا عاجلا مع قادة فصائل الحشد الشعبي، لبحث تداعيات توجيههم الاتهامات إلى الولايات المتحدة بالمسؤولية عن التفجيرات التي وقعت في عدد من معسكرات الحشد مؤخرا.
وقبل ساعات من الاجتماع، أصدر مساعد رئيس الحشد أبو مهدي المهندس، بيانا حمّل فيه الولايات المتحدة مسؤولية الهجمات التي طالت مواقع الحشد في الأسابيع الماضية، مبينا أن هناك أدلة ومؤشرات على التورط الأمريكي من خلال ادخالها طائرات مسيرة إسرائيلية إلى العراق، كما حذر من أن قواته سترد على أي طائرة تقترب من مواقع الحشد، بينما أعلن الحشد وجود مخطط لاستهداف قياداته. ورغم إعلان رئيس الحشد فالح الفياض لاحقا أن تفجيرات المعسكرات تمت بفعل خارجي، إلا انه اعتبر أن تصريحات المهندس لا تعبر عن موقف الحشد والحكومة، فيما فسره المراقبون بانه يعكس توجهات قوى تدعمها إيران لخلق الفوضى في التصريحات والمواقف لزيادة تعقيدات المشهد العراقي.
وبالتزامن مع تصاعد حدة اتهامات الحشد الشعبي للولايات المتحدة، بالمسؤولية عن مهاجمة معسكراته التي تتناقض مع ادعاء الحكومة بان الحوادث ليست بفعل فاعل، فقد نفى الجانب الأمريكي أي تورط له في الأمر، إلا أن هذه التصريحات لم تحد من تصعيد قيادة الحشد لانتقاداتها وإجراءاتها التي لا يبدو أنها تتم بالتنسيق مع الحكومة ولتعطي الانطباع بالإصرار على فرض رؤيتها على الساحة العراقية. ولوحظ ان الحشد لم ينفذ قرار عبد المهدي بنقل معسكراته خارج المدن لإبعاد المخاطر عن المدنيين، كما كررت بعض الفصائل التهديد بأنها ستستهدف القوات الأمريكية في العراق عند أي مواجهة مع إيران. وقد اتخذت قيادة الحشد إجراءات سريعة أخرى منها إعادة نشر قواتها في أقضية غرب الموصل (تلعفر وسنجار والبعاج) لتأمينها من “أي خطر محتمل” حسب ادعاءها، كما أعلنت تسليم الملف الأمني في سهل نينوى إلى اللواء 30 من الحشد الشعبي الذي كان عبد الهادي أمره بالانسحاب من المنطقة قبل أيام، إضافة إلى استمرار تخزين الأسلحة وتنفيذ عمليات تفتيش في العديد من مناطق نينوى والأنبار وغيرها.
وكان رئيس الوزراء وعقب تفجيرات معسكرات الحشد، أصدر قرارا بوقف الاتفاقيات الأمنية السابقة بين الحكومة العراقية والدول الأخرى حول استخدام الأجواء العراقية من قبل الطائرات المقاتلة والمسيرة، مع حصر الموافقات على استخدام الأجواء بعبد المهدي.
وقد أثار القرار الجديد تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة العراقية على تنفيذه على أرض الواقع لعجزها فنيا عن حماية أجواءها وحاجتها للأمريكان في هذا الصدد، خاصة ان انفجارا جديدا وقع بعد ساعات من صدور القرار في معسكر للحشد مجاور لقاعدة بلد، حيث ذكرت مصادر محلية في محافظة صلاح الدين لـ”القدس العربي” أن “أكثر من مئة سيارة شحن كانت قد نقلت مؤخرا أسلحة وعتادا إلى الموقع الذي وقعت فيه الانفجارات الهائلة في معسكر بلد” مما يشير إلى وجود متابعة دقيقة لحركة نقل الأسلحة في العراق، ومع ذلك فإن الكثيرين اعتبروا القرار دعما سياسيا لإيران في نزاعها مع الولايات المتحدة.
وفي خضم هذه التطورات ، شهدت بغداد حراكا مكثفا للسفيرين الأمريكي والإيراني، مع كبار المسؤولين العراقيين، فيما يشبه السباق لفرض رؤية البلدين على حكومة بغداد، ولكن ما طغى على المشهد السياسي هذه الأيام، هو توافد المسؤولين العراقيين والإيرانيين وبشكل متواصل، في زيارات متبادلة لزيادة التعاون الاقتصادي والمالي وفسح المزيد من الآفاق أمام إيران لتصدير سلعها وخدماتها إلى العراق ، للحصول على المزيد من الأموال العراقية لفك حصارها، إضافة إلى عقد المزيد من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية بين البلدين، وهو ما يعطي رسالة واضحة لمستوى التحالف الوثيق بين حكومتي بغداد وطهران.
وقد أدى اندفاع حكومة عبد المهدي نحو طهران، ضاربة بعرض الحائط تهديدات أمريكية بفرض العقوبات على العراق أيضا، بالعديد من السياسيين إلى التحذير من عواقب هذه السياسة، ومنها تصريح القيادي السابق في حزب الدعوة غالب الشابندر بأن “عبد المهدي منقاد كليا لإيران وانه يغامر بالعراق من أجل إيران، واصفا اياه بانه أخطر من نوري المالكي” إضافة إلى توجيه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر رسالة إلى عبد المهدي طالبه فيها بالالتزام بالاستقلالية وعدم الميل لطرف بدون آخر منتقدا أداء حكومته الذي يتسبب بالضرر للشعب، ومخاطبا الإمام علي (رض): “عذرا إمامي، حكمت فأصلحت، وحكم شيعتك فأفسدوا”.
ولم يكن عبد المهدي المسؤول العراقي الوحيد الذي يسعى لنيل رضا طهران، بل يتنافس سياسيون من مختلف الاتجاهات ممن يدركون تأثير النفوذ الإيراني، لكسب رضا إيران، ومن ذلك قيام رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني بالاتصال هاتفيا برئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، ليؤكد له ان “دوركم في ظل الظروف الحساسة الراهنة متميز للغاية على صعيد ترتيب الأوضاع في العراق” في إشارة لرفض الحلبوسي العقوبات الأمريكية على إيران.
وفسر مراقبون تحركات ومواقف الحشد الشعبي التصعيدية تجاه الولايات المتحدة بالتزامن مع الزيارات المتكررة لعبد المهدي ووزراءه لطهران، بانها جوانب من تنسيق التعاون والمواقف استعدادا للمواجهة الحتمية الإيرانية الأمريكية على الساحة العراقية التي بدأت ملامحها تتبلور، وان إيران بدأت بترتيب أوراقها وأدواتها المحلية، سواء وقعت المواجهة مع الولايات المتحدة أم بقيت مجرد أدوات للضغط والتهديد والابتزاز لكل الأطراف المناهضة لنفوذ طهران في العراق.