لم تكن إيران موحدة في الداخل كما هي اليوم في مسألة الاحتفاظ بصواريخها الباليستية والاتفاق داخل النظام بين الأصوليين والإصلاحيين على رفض التفاوض بشأنها أو جعلها عرضة للمساومات بعكس ما ظهر من تباين كان حاداً – في بعض الأحيان – بشأن البرنامج النّووي.
الرئيس حسن روحاني الذي وصف بالمعتدل، خلع ثوب الاعتدال وانضم إلى فريق الحرس الثوري منذ زيارته العام الماضي إلى النمسا وسويسرا عندما أعلن من هناك موقفاً متشدداً من “إسرائيل” رافضاً عرضاً أمريكياً نقله الرئيس السويسري للاعتراف بالكيان الصهيوني الذي وصفه “لقيط ومحتل للأراضي الفلسطينية”. وصرح من هناك بلهجة تصعيد واضحة بأن “عدم السماح لإيران بتصدير نفطها يعني أن نفط كل المنطقة لن يصدر” متهماً الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه “لا يفهم معنى تصريحاته” حول منع إيران تصدير نفطها وزج السعودية والإمارات في معركة تعويض صادرات إيران من النفط.
ففي رسالة تأييد لتهديدات لروحاني آنذاك من سويسرا، وصف قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني موقف الرئيس بـ “السليم” وأنه “جاء في وقته المناسب وأنه يعبر عن المصالح العليا للنظام” في البلاد.
وأعلن وقوف الحرس الثوري بقوة خلف مواقف روحاني “المواجِهة لأمريكا وإسرائيل وسياستهما في المنطقة” واعتبرها مدعاة للفخر.
وإذ يستمر السجال في الداخل حول جدوى بقاء إيران في خطة العمل المشتركة الشاملة “الاتفاق النووي” وارتفاع أصوات “متشددة” تطالب بحرق هذا الاتفاق بعد أن مزقه ترامب، يبدو أن الحرس الثوري والرئيس الذي كان يوصف بالمعتدل، وحدا خطابيهما من الاتفاق بإشراف مباشر -هذه المرة – من المرشد الأعلى آية الله خامنئي الذي شمر عن ساعديه وهو يحدد للنظام بعد دراسة معمقة للواقع وحجم التهديدات، خطة العمل المشترك الشاملة لمواجهة تحديات الداخل والخارج.
صاروخ مقابل صاروخ
يستخدم الرئيس الإيراني هذه الأيام بشكل واضح وصريح مع الرئيس الأمريكي لغة التصعيد مقابل التصعيد، رغم أنه شكا في لقائه مع زعماء إصلاحيين وأصوليين من القيود الكثيرة المفروضة دستورياً على صلاحياته كرئيس للبلاد، ودعوته إلى اللجوء إلى مادة دستورية تسمح بإجراء استفتاء شعبي حول القضايا المفصلية والاستراتيجية كالموقف من الاتفاق النّووي، لكن روحاني حرص وهو يستبق القمم التي دعا لها العاهل السعودي في مكة، أن يطلق تصريحين مختلفين: واحد بتكرار الدعوة إلى حوار مباشر بين إيران وجيرانها العرب في المنطقة للتوصل إلى خطة عمل مشتركة شاملة من شأنها حل الخلافات وتبديل الصراع على النفوذ في الإقليم إلى اتفاق على غرار الاتفاق النّووي قبل انسحاب واشنطن منه، والثاني عندما قال “لقد ولى عهد استخدام الشعب الفلسطيني الحجارة في مواجهة الاحتلال الصهيوني وصار يرد على الصاروخ بصاروخ” وهذه إشارة إلى ما يمكن أن يفعله حلفاء إيران في المنطقة فيما انزلق التصعيد إلى مواجهة عسكرية.
وهكذا فان سياسة التصعيد مقابل التصعيد ستكون هي السائدة في خطاب الحكومة الإيرانية وهي تقدم عرضاً بالغ الأهمية لبناء الثقة بينها والسعودية وحلفائها في المنطقة على وجه التحديد وذلك بتكرار الدعوة إلى التوقيع على معاهدة عدم اعتداء ومن ثم الشروع بحوار إقليمي يشبه مفاوضات إيران والقوى الكبرى 5+1.
وبعيداً عن نتائج قمم مكة والضربة التي وجهها العراق للبيان الختامي للقمة العربية بإعلان الرئيس برهم صالح أنه يرفض البيان الذي لم يشارك في صياغته، جاءت الدعوة إلى معاهدة عدم اعتداء من العراق، ما يعني أن إيران والعراق يعملان هذه الأيام للتحضير إلى حل جميع المسائل العالقة من قرار مجلس الأمن رقم 598 وتطبيق اتفاقية الجزائر لعام 1975 والتهيؤ لتوقيع معاهدة سلام.
ويعتقد الزعيم الإيراني خامنئي ويتفق معه بشكل قطعي الرئيس روحاني أن إجهاض سياسات التصعيد والتهديد بالحرب التي يمارسها فريق متشدد داخل الادارة الأمريكية وفي المنطقة يجب أن يبدأ من العراق والذي زاره وزير الخارجية محمد جواد ظريف ونقل رسالة إيرانية إلى جميع دول المنطقة لا لبس فيها أن أي تهديد تواجهه بلاده من أي مكان سيواجه برد حاسم كان روحاني عبر عنه بالقول (الصاروخ جوابه صاروخ) وهذا ما سمعه وزير الدولة للشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي من ظريف أثناء زيارته طهران وتصريحه لشبكة “بي بي سي” عربي بقوله “نسعى مع أطراف أخرى لتهدئة التوتر بين واشنطن وطهران، وخطورة وقوع حرب يمكن أن تضر العالم بأسره” وقد وصفها بأنها ستكون – بالنسبة للإيرانيين – حرب وجود “أكون أو لا أكون”.
في طهران ورغم الانسجام الواضح بين الحرس الثوري والرئيس وبين الإصلاحيين والأصوليين وتوحدهم خلف المرشد، تأخر كثيراً تطبيق دعوات خامنئي لرص الصفوف وتعزيز جبهة الداخل.
ومع تولي رئيس جديد للسلطة القضائية يرى العارفون أنه يتعين في الظرف الحالي أن يستخدم القضاء (والأجهزة الأمنية) الليونة مع المنتقدين والمعترضين الذين لا يهددون الأمن القومي للبلاد وأن يتم الإفراج عن المعتقلين من هذا النوع ورفع القيود عن الزعيمين المعترضين على نتائج انتخابات عام 2009 مير حسين موسوي وزوجته ومهدي كروبي.
في الداخل أيضاً ينصح خامنئي بتصفير اعتماد الموازنة الإيرانية على صادرات النفط وقطع الواردات غير الضرورية ومعاقبة المفسدين وتفكيك مافيات الأسر والأقارب وأولاد المسؤولين بنفس الشدة مع المعادي في الخارج، ويوصي أيضاً بعدم الاعتماد كثيراً على مواقف الدول الأخرى (أوروبا والصين وروسيا) للالتفاف على العقوبات مع الاستمرار في التفاوض والإبقاء على شعرة معاوية والتركيز على العراق أكثر من أي دولة أخرى.