إيران والانتخابات الأمريكية: “النووي” أم تغيير النظام؟

حجم الخط
0

توفر استطلاعات الرأي العام التي تشير إلى تفوق بارز لجو بايدن على الرئيس دونالد ترامب في الأيام الأخيرة سبباً لتفاؤل حذر في إيران. فالموقف الإيراني الرسمي وإن كان يعتقد بأنه لا يوجد فرق حقيقي في موقف الحزبين الأمريكيين تجاه الجمهورية الإسلامية، فواضح بأن طهران تأمل بأن يشق انتصار بايدن الطريق إلى استئناف الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية. فاستراتيجية الحد الأقصى من ضغوط الرئيس ترامب لم تنجح في أن تفرض على إيران العودة إلى طاولة المفاوضات أو تلطيف حدة سياستها، ولكنها أدت إلى تدهور كبير في وضعها الاقتصادي.

إيران تتمنى انتصار بايدن،لإمكانية الوصول إلى تفاهمات مع الإدارة الجديدة حول مستقبل الاتفاق النووي.

وإن كانت إيران تتمنى انتصار بايدن، فإنها تحاول تخفيض مستوى التوقعات بالنسبة لإمكانية الوصول إلى تفاهمات مع الإدارة الجديدة حول مستقبل الاتفاق النووي. وتستند الشكوك في طهران إلى تصريحات بعض من مستشاري بايدن ممن دعوا إلى مواصلة الضغط على إيران والامتناع عن رفع العقوبات إلى أن يتحقق اتفاق شامل وبعيد وأن المدى يتضمن الاتفاق النووي المحسن موقفاً من برنامج الصواريخ ونشاط إيران الإقليمي. كما أن نافذة الفرص القصيرة بين دخول الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض (كانون الثاني 2021) وانتخابات الرئاسة الإيرانية (حزيران 2021) من شأنها أن تؤدي إلى إقامة حكومة محافظة. والمعارضة الداخلية المتوقعة للعودة إلى الاتفاق النووي في صيغته الحالية تعزز الشكوك الإيرانية.

على أي حال، إذا ما استؤنفت المحادثات في أعقاب انتصار بايدن في الانتخابات، من الصعب الافتراض بأن طهران ستعود إلى طاولة المفاوضات دون مطالب خاصة بها. أولاً، قبل أن ينسحب ترامب من الاتفاق النووي تعاظمت الادعاءات في إيران بأن الاتفاق النووي لم يؤدِ إلى النتائج الاقتصادية المرغوب فيها من ناحيتها. فرغم رفع العقوبات، اصطدمت إيران بالمصاعب في محاولاتها لتسريح عشرات مليارات الدولارات التي أودعت في حسابات في الخارج وجمدت في أعقاب العقوبات، وبينما تحفظت بنوك وشركات في الغرب من استئناف الأعمال التجارية مع إيران، خوفاً من العقوبات الأمريكية التي لم ترفع العقوبات غير المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني. وادعى زعيم إيران خامينئي نفسه في عدة مناسبات بأن رفع العقوبات تم على الورق فقط، أما عملياً فالدول الغربية لا تبدي استعداداً لاستئناف أعمالها الاقتصادية في إيران. وإذا ما طالبت الولايات المتحدة بالفعل بإعادة البحث في الاتفاق النووي، فإن إيران كفيلة بأن ترد بطلب تسهيلات اقتصادية أخرى غير تلك التي اتفق عليها في الاتفاق النووي، مثل الاستعداد للسماح لها باستخدام المنظومة المالية الأمريكية والدولارات.

ثانياً، اعتبر مسؤولو النظام انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي والـ 12 مطلباً التي تقدمت بها الإدارة الأمريكية كشرط لرفع العقوبات، دليلاً على فهمهم بأن الثقة بالأمريكيين محظورة، وأن البرنامج النووي لم يشكل إلا ذريعة للضغط على إيران وتهيئة التربة لتغيير النظام. لا يعني الأمر أن إيران سترفض العودة للحوار مع الولايات المتحدة مقابل رفع العقوبات، ولكنها ستطالب بضمانات على ألا تتمكن إدارة أمريكية لاحقاً من العودة لخرق الاتفاق في المستقبل.

في ضوء هذا الموقف الإيراني، مشكوك بأن يكون ممكناً التوصل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة في الفترة الزمنية المحدودة حتى موعد الانتخابات القادمة في إيران، بل ومن شأن إيران أن تبادر إلى خطوات استفزازية أخرى في محاولة لتحسين موقف المساومة لديها قبيل المفاوضات المحتملة. قد تكتفي الدولتان في المرحلة الأولى بالجهد لمنع التصعيد بينهما على أساس خطوات لبناء الثقة، كالاستعداد الأمريكي لإقرار القرض الذي طلبته إيران من صندوق النقد الدولي في أعقاب تفجر كورونا، وتسهيلات معينة في العقوبات مقابل استئناف جزء من الالتزامات الإيرانية بالاتفاق النووي التي كانت خرقتها في السنة الماضية.

إن البحث في مستقبل الاتفاق النووي -فما بالك بتوسيعه إلى مسائل أخرى، بما فيها برنامج الصواريخ وسياسة إيران الإقليمية- سيضطر إلى أن يتأجل إلى نهاية حملة الانتخابات في إيران. في كل الأحوال، مشكوك جداً أن تكون إيران مستعدة لإدخال أي تعديلات على الاتفاق أو توسيعه دون الاستجابة لمطالبها.

بقلم: راز تسيمت

د. خبير في الشؤون الإيرانية من معهد بحوث الأمن القومي
يديعوت 15/10/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية