الحزام الذهبي المصطلح الجديد الذي سيحل محل الهلال الشيعي
انعكاس التغيرات الدولية والإقليمية على المنطقة بات هاجس الكثير من المراقبين، وتحديدا الدور الإيراني الذي يتخوف المراقبون من تضخمه في ظل الانفتاح الذي وعد به الحزب الديمقراطي حال دخول الرئيس المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير الجاري.
فهل سيؤدي الانفراج السياسي في التعاطي الأمريكي مع إيران إلى تحسن أوضاعها، وبالتالي عودتها إلى لعب أدوارها التوسعية في المنطقة؟ وكيف سينعكس ذلك على سياسات المنطقة بشكل عام وعلى العراق بشكل خاص؟ وكيف ستتعامل حكومة مصطفى الكاظمي مع هذه التغيرات، وهي طالما لعبت على حبال التوازنات الأمريكية الإيرانية؟ فهل ستنجح في ذلك حتى موعد الانتخابات البرلمانية العراقية المقرر إجراؤها هذا العام؟
لقد ذكر الكاتب حسن فحص توصيفا لحال حكومة الكاظمي فقال؛ إن “الكاظمي سيحاول اللعب على الهوامش والمساحات المتاحة له بين الخطوط التي وضعتها الإدارة الأمريكية من جهة، والخطوط التي رسمتها إيران من جهة أخرى، وأنه سيعمل على الاستجابة للشروط الأمريكية في مواجهة وإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت والفصائل غير المنضبطة التي لا تشكل إحراجاً للجانب الإيراني”.
وربما قرأت الأحداث الأخيرة ضمن هذا السياق، إذ نفذ جهاز الأمن الداخلي لهيئة الحشد الشعبي منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي عملية اعتقال قيادات في سرايا الخراساني شملت أكثر من 40 عنصراً بينهم الأمين العام علي الياسري، ومعاونه حامد الجزائري، كما تم تفكيك ميليشيا الخراساني المقربة من طهران على خلفية تهم الفساد والتهريب واستغلال النفوذ.
وقد أشار بعض المراقبين إلى إن هذه الخطوة تمت بعد اتفاق الكاظمي مع الجنرال قاآني في زيارته الأخيرة إلى بغداد، إذ أن مثل هذه الفصائل قد بدأت تشكل عبئاً على الإيرانيين الساعين للحفاظ على ما تم التفاهم عليه مع إدارة بايدن المقبلة. وأشارت بعض التسريبات الحكومية في بغداد إلى أن “هناك تفاهمات بين الكاظمي ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض من جهة، وبين الجنرال قاآني قائد فيلق القدس الإيراني من جهة أخرى، على ضرورة معالجة الفوضى الفصائلية الحالية، ووقف انشطار الميليشيات وتأسيس الجماعات المسلحة وتحدي الدولة”.
المحافظون قادمون
مع بعض التفاؤل بالانفراج القائم على توافقات إدارة بايدن مع حكومة روحاني، مما يعني ضمنا تنفس المنطقة الصعداء، تأتي تصريحات صقور المحافظين الإيرانيين لتزيد التوتر، وتعود بالمنطقة إلى أجواء الصراع السابقة. فقد دعا أمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني ومرشح الرئاسة للعام الحالي، الجنرال محسن رضائي، إلى بناء مشروع إيراني جديد وصفه بـ “الحزام الذهبي الإيراني” في منطقة الشرق الأوسط. علما ان الجنرال رضائي كان قد ترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2009 وخسر أمام الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، واليوم هناك مؤشرات قوية على دخوله السباق الانتخابي لرئاسة الجمهورية في الانتخابات التي ستُجرى في تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
الرئيس حسن روحاني من جانبه كان قد دعا في وقت سابق إلى إجراء استفتاء شعبي حول قضايا استراتيجية إيرانية مثل الملف النووي الإيراني تحسبا للقادم من الأيام، لأنه يعلم جيدا موقف المحافظين المتشدد من هذا الملف ومن موضوع تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية. لكن رد الجنرال رضائي جاء صارما ساحقا لهذا التوجه الإصلاحي، إذ صرح رضائي لوكالة “فارس” شبه الرسمية، منتصف شهر كانون الثاني/يناير الجاري، قائلا: “نحن لا نحتاج إلى إجراء استفتاء شعبي، بل إلى مشروع الحزام الذهبي، للسيطرة الكاملة على منطقة الشرق الأوسط، والتأثير على القوى العالمية” وأضاف “أعتقد أن إيران يجب أن تصبح الدولة الأولى اقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً في منطقة الشرق الأوسط بحلول عام 2025”.
وانتقد رضائي الرؤساء السابقين بسبب عدم اهتمامهم بهذا المشروع، وقال: “لم نر أي رئيس إيراني لاحظ هذا، ولم يفهموا حجم وطبيعة ما حدث في هذه المنطقة، ولم يسيروا في هذا الاتجاه”. وأشار إلى أن الحزام الذهبي، الذي يبدو انه المصطلح الجديد الذي سيحل محل الهلال الشيعي، سيضم دولا في منطقة الشرق الأوسط، إذ سيمتد من أفغانستان إلى إيران، مرورا بالعراق وسوريا، حتى مياه البحر الأبيض المتوسط في لبنان. واختتم الجنرال محسن رضائي تصريحاته المثيرة للقلق بالقول؛ أنه “على الرغم من أننا لسنا دولة ذات قوة دولية، ولكن يمكننا التأثير على القوى الدولية من خلال الانتشار في هذا الحزام”.
تظاهرات هنا وهناك
ساد التوتر والقلق الساحة العراقية منذ مطلع العام الجديد، وكثرت التكهنات حول ما سيحدث في الذكرى السنوية الأولى لعملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني والقائد أبو مهدي المهندس في الضربة التي نفذتها الولايات المتحدة يوم 3 كانون الثاني/يناير 2020. حكومة بغداد نشرت قوات الأمن والجيش في مختلف المدن العراقية، وأعلنت يوم الأحد 3 كانون الثاني/يناير عطلة رسمية، الخوف كان مركزا على احتمالية تنفيذ الميليشيات هجمات على البعثات الدبلوماسية في المنطقة الخضراء، أو القواعد العسكرية التي تتواجد فيها القوات الأمريكية في مدن العراق.
عندما أعلنت الفصائل الولائية على صفحاتها على منصات التواصل الاجتماعي عن نيتها إطلاق تظاهرة وصفتها بالـ”مليونية” يوم 3 كانون الثاني/يناير في ساحة التحريرفي قلب العاصمة بغداد، غيرت الحكومة بوصلتها بنفس الاتجاه وحشدت قواتها العسكرية في المنطقة الخضراء وأعطتها أوامر باستخدام القوة مع أي مجاميع أو أفراد قد يحاولون اقتحام المنطقة والوصول للسفارة الأمريكية. وكشفت تسريبات حكومية عراقية أن “قوات جهاز مكافحة الإرهاب والفرقة الخاصة تولت أمن المنطقة الخضراء، وقد تم إغلاق جسور الجمهورية والسنك والأحرار والمعلق، لمنع أي محاولات عبور نحو المنطقة الخضراء المحصنة”.
وبدا واضحا من الدقائق الأولى لانطلاق تظاهرات الفصائل الولائية القريبة من طهران في ساحة التحرير أن القصد منها هو ارسال رسائل قوة وتهديد للـ”تشرينيين” وهم المجموعات المنضوية تحت مظلة انتفاضة تشرين 2019. والرسائل كانت واضحة وقوية، إذ تم تعليق صورتين كبيرتين لسليماني والمهندس على واجهة بناية المطعم التركي الذي كان يعد أيقونة تظاهرات تشرين، كما تم تشويه بعض رسومات الغرافيتي في نفق التحرير لصفاء السراي، الذي اعتبر أحد أبرز ضحايا انتفاضة تشرين، إذ تم تشويه صورته بالأصباغ وكتب فوقها سليماني، كما أن الهتافات التي رددها المتظاهرون كانت مضادة بشكل مركز لحكومة الكاظمي و”عملاء أمريكا”.
من جانب آخر من المشهد، شهدت ساحة الحبوبي، مركز الحراك الجماهيري في محافظة الناصرية جنوب العراق، منذ مساء 7 كانون الثاني/يناير الجاري، صدامات بين قوات الأمن العراقية ومتظاهرين، على خلفية قيام القوات الحكومية التي تساندها بعض الفصائل الولائية بشن حملة اعتقالات ضد ناشطين في التظاهرات، وأسفرت الصدامات عن مقتل عنصر أمن وإصابة عشرات آخرين. وسرعان ما امتدت موجة الاحتجاج الجديدة إلى محافظات وسط وجنوب العراق، إذ شملت النجف وبابل والبصرة والديوانية وواسط للتضامن وللمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين.
منصات التواصل الاجتماعي شهدت انعكاسا للمعارك على الأرض بين الفريقين، التشرينيين والولائيين، أذ باتت المعركة واضحة المعالم بين من يطالبون حكومة الكاظمي بالاصطفاف مع مطالب انتفاضة العراقيين، وبين من يطالب الكاظمي بقمع حركة الاحتجاجات وتنظيف الساحات قبل الاستحقاق الانتخابي الذي بدأت مختلف المنابر تتحدث عنه. لكن الملفت في أحداث حراك الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني/يناير كان وقوف قوات الجيش العراقي إلى جانب المتظاهرين ومنع اعتداء قوات الشرطة وقوات مكافحة الشغب المدعومة من الفصائل الولائية المسلحة على المتظاهرين، هذه الظاهرة الجديدة دفعت ناشطين من حراك الناصرية إلى إطلاق وسم “#الجيش_ويانه” أي أن الجيش يقف معنا هذه المرة.
الانتخابات العراقية المبكرة
الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق بدورها تعاني من عدة اشكالات، إذ ما يزال التخوف قائما من سطوة الفصائل المسلحة وسلاحها المنفلت، واستثمارها المال السياسي الفاسد في الحملات الانتخابية، كل ذلك سيقف بوجه طموحات تنسيقيات حراك تشرين الذي لم يمتلك الوقت والقدرة على بلورة مشروع سياسي يطرح على شكل تنظيم سياسي يمثل جماهير الانتفاضة في التنافس الانتخابي المقبل.
موعد إجراء الانتخابات أيضا ما زال موضوع شد وجذب، إذ يبدو أن الموعد الأولي في السادس من حزيران/يونيو غير ملائم لعدد من الأحزاب السياسية التي طالبت بتأجيل الموعد، وربما سيتم الاتفاق على إجرئها في تشرين الأول/اكتوبر2021. وقد اجتمع الرؤوساء الثلاثة في العراق، برهم صالح، ومصطفى الكاظمي، ومحمد الحلبوسي، في بغداد مع رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، ووزير الخارجية فؤاد حسين، وأعضاء مفوضية الانتخابات، وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، لبحث سبل ضمان نزاهة الانتخابات التي يتخوف الكثير من العراقيين من عدم ضمانها، لذلك طالبت حركات عدة بإشراف أممي على العملية الانتخابية لضمان شفافيتها ونزاهتها، وجاء تصريح مستشار رئاسة الوزراء العراقية لشؤون الانتخابات عبد الحسين الهنداوي، في هذا الصدد ، إذ قال؛ إن “مجلس الأمن الدولي يدرس حالياً قراراً لوضع رقابة دولية على عملية الاقتراع في الانتخابات العراقية المبكرة”.
الكيانات السياسية التي تقدّمت بطلب تسجيلها لدى المفوضية تجاوزت الـ400 كيان، ما يعني أن زخما واسعا ضخ في التنافس المقبل، وبات التعامل الرسمي مع الانتخابات المبكرة على أنها مطلب أساسي لتظاهرات تشرين، ومن أجله تشكلت حكومة مصطفى الكاظمي بصورة مؤقتة، وكان من مهامها الأساسية تهيئة الظروف لانتخابات مبكرة. وهنا يبقى السؤال؛ هل سنشهد تغييرا عراقيا ملموسا بعد انتخابات 2021؟