لندن- “القدس العربي”:
نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا حول التدافع الدولي للقاء الحاكم الفعلي الجديد لسوريا، أحمد الشرع، الذي كان يعرف بأبو محمد الجولاني، قائلة إن سلسلة اللقاءات مع الزعيم الجديد تشير إلى المعوقات القادمة.
وقالت المجلة: “عاش الرجل الذي رصدت الولايات المتحدة مكافأة 10 ملايين دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات عنه، أسبوع لقاءات اجتماعية، وتدفق الدبلوماسيون الأجانب إلى دمشق للحديث مع أحمد الشرع، القائد المتمرد الذي قاد الهجوم الذي أطاح ببشار الأسد. وقد أدرجت أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة فصيله الإسلامي، هيئة تحرير الشام، على القائمة السوداء كجماعة إرهابية. ولكن هذا لم يمنعه من مقابلة غير بيدرسون، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، أو وفودا من بريطانيا وفرنسا وقطر وتركيا ودول أخرى”.
وترى المجلة أن سوريا وبعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية، بدأت تخرج من عزلتها، إلا أن اجتماعات الشرع هذا الأسبوع تشير إلى التحديات المقبلة: القوى الأجنبية المتشككة والسياسة غير المؤكدة والصراع المتفاقم في شمال- شرق البلاد. وستحكم حكومة مؤقتة تهيمن عليها هيئة تحرير الشام حتى آذار/ مارس، وأهم أولوياتها هي إقناع الحكومات الغربية برفع العقوبات التي فرضت أثناء حكم الأسد.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات واسعة على قطاع الطاقة والإنشاءات في سوريا، وكلاهما سيكون حيويا في مرحلة إعادة إعمار البلاد بعد الحرب. وفي رسالة إلى الرئيس جو بايدن، حث المشروعون الذين كتبوا واحدا من قوانين العقوبات على سوريا، الرئيس على التحرك بسرعة لإزالة القيود المفروضة على سوريا. وزعموا أن “سقوط نظام الأسد يمثل فرصة محورية”.
لكن يبدو أن أعضاء آخرين في الكونغرس يميلون إلى الانتظار، وكذلك تفعل الحكومات الأوروبية. وقالت كايا كالاس، رئيسة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إن المجموعة لن تبدأ في رفع العقوبات إلا بعد اتخاذ هيئة تحرير الشام “خطوات إيجابية” وإنشاء حكومة شاملة.
وتعلق المجلة أن الإشارات الأولية على تحقق هذا ليست واضحة. فقد التقى الشرع بممثلين عن الأقليات، بمن فيهم الدروز والجماعات المسلحة المنافسة، مثل الفصيل الذي قاد الانتفاضة في جنوب سوريا في وقت سابق من هذا الشهر، إلا أن لقاءهم شيء، ومنحهم دورا في حكومة ما بعد الأسد شيء آخر.
وتضيف المجلة أن خريطة الانتقال السياسي في سوريا معروفة منذ وقت طويل، وتقوم على قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي أقر عام 2015. ويدعو القرار إلى عملية سياسية على مدى 18 شهرا تتوج بانتخابات جديدة. وفي 14 كانون الأول/ ديسمبر، اجتمعت مجموعة من القوى الغربية والإقليمية في الأردن وأكدت دعمها للقرار. ولكن الشرع قال للمبعوث الأممي بيدرسون بعد يوم واحد من الاجتماع في العقبة، إن الوقت قد حان لإعادة النظر في الخطة التي رسمها القرار.
وبدرجة ما، فقد كان محقا، وبات من الواضح أن دعوة القرار للحوار بين نظام الأسد والمعارضة لم تعد مهمة. ومع ذلك، فإن الحديث عن إلغاء القرار يجعل بعض السوريين يخشون أن تتجنب هيئة تحرير الشام الحوار تماما وأن تسعى إلى احتكار السيطرة.
وقالت المجلة إن الصراع مع القوى الأجنبية ليس بالأمر السهل. فقد أدان الشرع إسرائيل لتنفيذها مئات الغارات الجوية والاستيلاء على أراض في جنوب سوريا.
وعلى الحدود الشمالية، تعمل تركيا على حشد قواتها، سواء من قواتها الخاصة أو من أفراد مجموعات معارضة سورية تابعة لها. ويبدو أنها تخطط لشن هجوم أكبر ضد قوات سوريا الديمقراطية، وهي ميليشيا يقودها الأكراد وتسيطر على جزء كبير من شمال- شرق سوريا. وتعتبرها تركيا جماعة إرهابية بسبب علاقاتها بالمتمردين الأكراد.
وتقول المجلة إن هذه لن تكون المرة الأولى التي يهدد فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتحرك كهذا، لكنه قد يبدو في هذه المرة جادا، فقد ترك انهيار نظام الأسد قوات سوريا الديمقراطية ضعيفة ومكشوفة.
وفي 17 كانون الأول/ ديسمبر قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن تركيا وافقت على تمديد وقف إطلاق النار مع قوات سوربا الديمقراطية حتى نهاية الأسبوع، وهي فترة راحة قصيرة جدا.
من جانب آخر، تريد الدول الأوروبية الانتظار حتى إجبار الروس على الخروج من قواعدهم في سوريا، وبعد ذلك تخفف العقوبات المفروضة على البلاد.
وبحسب كالاس “يعتقد الكثير من الوزراء الأجانب” بأنه “يجب أن يكون شرطا على القيادة الجديدة التخلص من التأثير الروسي” في سوريا. وتتفاوض هيئة تحرير الشام مع الروس للحفاظ على قواعدهم في سوريا. وقال مصدر مقرب من الجماعة، إنها تريد التصرف بطريقة براغماتية. وفي الوقت الحالي تعمل روسيا على سحب مئات من قواتها ومعداتها العسكرية من أجزاء أخرى في سوريا، وتركيز قواتها في قاعدة حميميم في غرب سوريا.
وفي الحقيقة، فتأثير روسيا محدود، لكنه قد يهدد بعرقلة الجهود الرامية إلى رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على هيئة تحرير الشام، ولكن إذا حلت الجماعة نفسها في نهاية المطاف، كما وعد الشرع، فإن هذه العقوبات ستصبح غير مهمة. من جانب آخر، قد تعرض روسيا أيضا المساعدات الإنسانية على سوريا، وقد تجد نفسها في سوق مزاد بعد عرض أوكرانيا توريد القمح فعلا إلى البلاد.
وستحتاج سوريا بشكل عاجل إلى السلع الأساسية، فقد كانت إيران تشحن ما يصل إلى 80,000 برميل من النفط المجاني يوميا، وقد توقفت عمليات التسليم هذه. وبوسع سوريا أن تشتري النفط من السوق المباشرة، ولكن هذا يتطلب العملة الصعبة، وهي نادرة. ويعتقد أن الاحتياطيات الأجنبية انخفضت إلى 200 مليون دولار مقارنة مع 17 مليار دولار قبل الحرب. ويعتقد أن الأسد وأعوانه سرقوا مليارات الدولارات.