لندن ـ “القدس العربي”:
تحت عنوان “الانحناء في الطريق إلى المخرج: السعودية لا تستطيع العثور على طريق للخروج من اليمن” نشرت مجلة “إيكونوميست” في عددها الأخير تقريرا عن دلالات انسحاب التحالف الذي تقوده السعودية من ميناء مهم وأنه يعطي صورة عن مشاكلها.
وذكرت في البداية بما قاله جنرال أمريكي أثناء الحرب الكورية، ساخرا من أن قواته المحاصرة لم تنسحب ولكنها “تتقدم في اتجاه مختلف”، وهذا يصلح على القوات التي تقودها السعودية في اليمن حيث أعلنت في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر عن انسحابها من ميناء رئيسي على البحر الأحمر، مما فتح المجال أمام الحوثيين الذي يقاتلهم التحالف منذ عام 2015 للتقدم والسيطرة عليه. وكان الانسحاب مفاجئا للجميع بمن فيهم المراقبون الذين تم نشرهم لمراقبة وقف إطلاق النار منذ عام 2018.
وقالت وحدة المراقبة “يعتبر هذا تحولا كبيرا على خطوط الجبهة” وهو تصريح لا يعبر عن الواقع الحقيقي. وفي رواية التحالف، فالانسحاب كان خيارا استراتيجيا (ربما تأثر بالإمارات، الشريك في الذي يدعم المقاتلين المحليين)، فاتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع في ستوكهولم كان يعني خطوة أولى نحو تسوية أوسع بين الحوثيين والحكومة المعترف بها. وبدلا من ذلك أكد الوضع القائم، فلم يغادر المقاتلون الحديدة كما نص الاتفاق، ورغم انخفاض العنف إلا أن الاتفاق لم يوقف الانتهاكات الروتينية له. ونظرا لانسداد الأفق في الميدان، فقد كان من الأفضل نشر القوات في مكان آخر. وكانت الحديدة تمثل أولوية أولى للتحالف، ولكنها اليوم أصبحت عرضا جانبيا للقتال الكبير الدائر على بعد 260 كيلو مترا في شمال- شرق بمأرب.
وكانت في الماضي تعتبر واحة سلام تسيطر عليها قوات التحالف واستقبلت حوالي مليون نازح، وفيها مصفاة تكرير النفط الوحيدة في الشمال، وكذا الطريق السريع الذي يربط اليمن بالسعودية. والسيطرة على مأرب ستكون انتصارا رمزيا واستراتيجيا للحوثيين الذين يملكون اليد العليا في المعركة.
ومنذ أن صعد الحوثيون حملتهم على مأرب في شباط/ فبراير تحولت المواجهة إلى حرب استنزاف. وتحصنت قوات التحالف في التلال التي تحيط بالمدينة وبدعم من الطيران السعودي الذي يهدر من فوقهم، وعادة ما تنشر الصحافة السعودية تقارير عن الغارات التي يقوم بها التحالف وتقتل عشرات المقاتلين الحوثيين. ولا تنفي الجماعة الثمن الباهظ الذي دفعته، وقالت وزارة الدفاع التي يسيطر عليها الحوثيون إن 14.700 من مقاتليها قتلوا في المعركة على مأرب منذ حزيران/يونيو. ومعظم هؤلاء، هم بلا شك، من المجندين والأطفال الذين تم دفعهم إلى خطوط القتال كـ “موجات بشرية” التي أضعفت دفاعات المدينة. وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 40.000 شخص شردوا في مأرب خلال الشهرين الماضيين.
وزاد القتال من معاناة اليمنيين، حيث تحتاج نسبة 80% من سكانها البالغ عددهم 30 مليون نسمة للمساعدة. ويعاني أكثر من مليوني طفل من سوء التغذية. وانخفضت قيمة الريال اليمني عدة مرات بالمناطق الخاضعة للحكومة، بشكل لم تعد العائلات قادرة على توفير الطعام والحاجيات الأساسية. وسافر المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ إلى المنطقة للمحادثات في تشرين الثاني/نوفمبر، وليس لديه ما يحمله من نتائج لزيارات عدة قام بها منذ تعيينه. ونفس الأمر يقال عن مبعوث الأمم المتحدة، واللوم يقع على كاهل الحوثيين الذين يعتقدون أنهم ينتصرون في الحرب ولا حاجة للتفاوض.
وبالمقابل فإن السعوديين يريدون إنهاء الحرب وبسرعة، ولو كان هذا من أجل مصالح ذاتية. فقد جرى تسويق الحرب في 2015 على أنها حرب سريعة لكنها تحولت إلى مستنقع. وهي حرب كلفت المملكة مبالغ لا تحصى وأضرت بالعلاقات مع الحلفاء الرئيسيين وبخاصة الولايات المتحدة. وأدت إلى استخدام الحوثيين الصواريخ والمسيرات ضد المملكة. ويقول التحالف إنه اعترض نسبة 90% منها، وهو رقم من الصعب التأكد منه، مع أن بعض هذه الصواريخ أصاب مطارات وبنى تحتية حيوية.
ويقوم السعوديون بتعزيز الدفاعات على حدودهم وسط توقعات من تقدم جديد للحوثيين في مأرب. ومع تعثر المحادثات الأمريكية وتلك التي تقوم بها الأمم المتحدة، بدأت السعودية بالتحاور مع عدوتها إيران، الداعمة للحوثيين بالمال والسلاح. وجرت بينهما سلسلة من اللقاءات بداية هذا العام، وإن على مستوى منخفض، لكن السعوديين ليس لديهم الكثير لعرضه لإيران التي ستكون سعيدة برؤيتهم ينزفون أكثر. وحتى لو كانت طهران تستطيع المساعدة فهي ليست في وضع قوي للضغط على الحوثيين لتقديم تنازلات، والسعودية تريد تقليل خسائرها، لكنها لا تجد طريقا لعمل هذا.
المخرج بسيط جدا ، رسالة اعتذار للشعب اليمني عن الدمار و مبلغ مالي محترم تعويضات