لندن- “القدس العربي”: ذكرت مجلة “إيكونوميست”، في تقرير لها، أن الصراع الأمريكي- الإيراني في العراق تركه بدون حكومة. وتضيف أن العاصمة العراقية لم تكن في أحسن حالاتها منذ عقود فقد تم تجديد واجهات المطاعم وتظهر مراكز تسوق جديدة كل شهر، وبدأت الرافعات التي ظلت ساكنة منذ سقوط صدام حسين عام 2003 بالتحرك حيث بدأ الأثرياء العراقيين بالإستثمار في البلاد بدلا من نقل أموالهم إلى الخارج. وتم استبدال الوجوه العابسة لرجال الدين التي تغطي يافطات الإعلانات بدعايات مضيئة لفتيات باسمات، واحتشد المعجبون بموسيقى الروك في مهرجان غنائي على ضفة نهر دجلة.
ولم تكن هذه التطورات متاحة لولا تحسن الأمن في بغداد منذ أن قاومت هجوم الجهاديين عليها من تنظيم “الدولة” عام 2014. ولكن حالة الإنتعاش التي تشهدها المدينة تواجه تهديدا من جديد وهذه المرة من الولايات المتحدة وإيران والجماعات الوكيلة لكل منهما. ففي داخل المنطقة الخضراء يقوم بريت ماكغيرك مبعوث الولايات المتحدة للتحالف وقاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني بحشد الجماعات الموالية لكل من البلدين. فبعد انتخابات غير حاسمة جرت في مايو/ أيار يحاول كل واحد منهما التأثير على تشكيل الحكومة العراقية المقبلة على الطريقة التي يريدها. وتريد إيران أن يقوم “البيت الشيعي” الذي يشكل 200 نائبا من 329 نائبا في البرلمان بتشكيل الحكومة العراقية المقبلة. وقد تم جمع هذا الإئتلاف من شتات عدد من الكتل الشيعية الصغيرة والكبيرة. ويطمح ماكغيرك أن تكون القيادة بيد حكومة لا طائفية تشمل السنة والأكراد وبقيادة شيعة “وطنيين” اقل ارتباطا بإيران. ولدى ائتلافه “الإصلاح” 145 مقعدا أما ائتلاف قاسمي “البناء” فلديه 109 مقاعد أو أكثر.
ولهذا فقد تحولت التوترات إلى عنف خرج من جدران المنطقة الخضراء. ورغم قتال القادة الأمريكيين والإيرانيين بالترادف في الحرب ضد تنظيم “الدولة” إلا أنهم على خلاف الآن. ففي 6 سبتمبر/ إيلول أطلقت قنابل هاون صوب السفارة الأمريكية في بغداد وكذا قنصليتها في البصرة. وهذه أول هجمات تقوم بها الميليشيات الشيعية ضد أهداف أمريكية منذ عام 2011. وبعد يومين أطلقت إيران صواريخ ضد قاعدة كردية في بلدة كويا العراقية القريبة من حدودها. وهذه أول مرة تقوم بها طهران بهجوم على الأراضي العراقية منذ الحرب بين البلدين التي اندلعت في ثمانينات القرن الماضي. بل وتقوم إيران باستعراض عضلاتها في البصرة المدينة المهملة في الجنوب والقريبة من الحدود الإيرانية حيث قامت بسد الأنهار التي تزودها بالمياه وقطعت التيار الكهربائي عنها. واحتج سكان المدينة بإغلاق طريق سريع يقود إلى حقول النفط والميناء الذي تعتمد 90% من الموارد الحكومة عليه. وحاولت قوات الأمن السيطرة على الوضع من خلال فرض حظر التجول وإطلاق النار على المحتجين لتزيد النار التهابا ولتدفعهم إلى حرق القنصلية الإيرانية في البصرة.
وترى المجلة أن هذه الأحداث كان يجب أن تغير سلوك السياسيين في بغداد، فعندما تناحروا فيما بينهم بشأن الإنتخابات غير الحاسمة عام 2014 هاجم مقاتلو تنظيم “الدولة” الموصل واحتلوها مع معظم شمال وغرب العراق مما قاد إلى حرب استمرت 3 أعوام.
وحاول حيدر العبادي، رئيسة حكومة تصريف الأعمال الحصول على دعم الأمريكيين لولاية ثانية من خلال إقصاء أبو مهدي المهندس، رجل إيران الذي يشرف على قوات الحشد الشعبي. ووعد العبادي أيضا بالإلتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران. وطلب من المصارف العراقية التوقف عن إجراء العقود بالدولار مع إيران مما يمنعها من الحصول على العملة الأجنبية. ولو لم تمنح إدارة دونالد ترامب مهلة فسيتوقف العراق عن الحصول على عدد من البضائع والوقود من جارتها الشرقية بحلول نوفمبر/تشرين الثاني.
ومن هنا يشعر العراقيون الذين ينظرون إلى إيران كحليفهم الرئيسي بالغضب. خاصة أن طهران كانت الدولة الأولى التي تسارع للمساعدة عندما وصل مقاتلو تنظيم الدولة إلى أبواب بغداد. ويشتكي اليوم أصحاب الفنادق من قلة الزوار الشيعة للأماكن المقدسة لهم. وقال أحد أصحاب الفنادق في النجف “لم نتلق حجوزات منذ يونيو/ حزيران”.
وبالمقابل يشعر المعسكر الوطني العراقي بالحماسة ويرفع أتباع مقتدى الصدر شعار “إيران برة برة”، خاصة بين الفقراء وأبناء المدن. وفازت كتلة الصدر في انتخابات مايو/ أيار، وقام أتباعه بنزع صور المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي الذي تدين له العديد من الجماعات الشيعية بالولاء. ويعتبر أبناء المدن الفقيرة خاصة الصدر، قرب بغداد قادة الميليشيات الشيعية العراقية بأنهم اسوأ من صدام حسين. وتقول المجلة إن الأزمات السياسية السابقة كان يحلها تدخل المرجعيات الدينية خاصة آية الله علي السيستاني، وفي هذه المرة فقد تراجع تأثيره. وراقب الأكراد الأحداث من منصة الفرجة. ولا يوجد بين الأصوات المؤثرة من يدعو إلى التنازل. ويتحدث قادة الميليشيات والسياسيين عن عودة الإغتيالات وبدأت تسمع أصوات تفجير السيارات بعد اشهر من الهدوء على الطرق السريعة.