إيكونوميست: سادة العراق الجدد من قادة الميليشيات يدخلون “البزنس”.. وأسئلة حول خلافة السيستاني

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”:

نشرت مجلة “إيكونوميست” في عددها الأخير تقريرا حول”سادة العراق الجدد”، إذ قالت إن قادة الميليشيات العراقية يستنسخون أبناء عمومتهم في إيران ويحاولون تقويض الديمقراطية تحت تهديد البندقية.
وتقول المجلة إن الحياة في العراق وبعد 20 عاما من التوقف عادت: سياح يتشمسون أمام مقهى في بغداد، وفندق يعج برجال الأعمال الصينيين، وجماهير تحتشد أمام ملعب سباق خيل افتتح جديدا. وفي العاصمة ارتفعت الرافعات مرة أخرى، وهناك حركة لبناء مراكز التسوق والمجمعات الإسكانية، وتعود الحياة إلى طبيعتها، أو على الأقل صورة منها.

لكن ما ليس طبيعيا هو أن الكثير من الجرافات والجرارات الزراعية تحمل علامة البندقية والرصاصة، وهو شعار الحشد الشعبي، مظلة من جماعات مسلحة تمولها الحكومة وموالية لإيران. ففي عام 2014 أعلنت الحكومة العراقية في حينه عن الحشد بعد تعبئة السكان لقتال تنظيم الدولة الذي احتل الموصل، شمال العراق، وكان يتقدم بسرعة نحو العاصمة بغداد.
وبعد هزيمة التنظيم عاد هدوء حذر للبلاد ووجد الحشد دورا جديدا. فمع أن التحالف الذي دعمه جاء بالمرتبة السادسة في انتخابات العام الماضي العامة، استطاع استعادة الحكومة والسيطرة على البرلمان والمال. ويقوم الفرع الاقتصادي للحشد بقيادة عمليات الإعمار في العراق، وبات يظهر بشكل مخيف مثل الحرس الثوري الإسلامي في إيران، وهم الحرس الجمهوري الذين يمثلون القوة وراء الدولة في إيران. وتعيد كلمة الحشد العربية بكلمة باسيج في الفارسية، وهو الاسم للميليشيات شبه العسكرية التابعة للحرس ومكونة من الشباب.

وقال رجل أمن عراقي خائف من التأثير الإيراني “نقوم باستنساخ الحرس الثوري الإسلامي ونقدم العراق إليه”.

وتقول المجلة إن العراقيين يشعرون بالراحة من الاستقرار وانتصار طرف، ويبدو أن سنّة العراق تخلوا عن الحصول على دور كذلك الدور الذي كانوا يتمتعون به قبل غزو العراق عام 2003. أما الأكراد فقد تراجعوا عن حلم المطالبة بالاستقلال. وجرى التخلص من مقتدى الصدر، رجل الدين الناري الذي كان يجتذب الفقراء. ورغم فوز الصدر بانتخابات العام الماضي، إلا أن حلفاء الحشد الشعبي في المحاكم، أصدروا قرارا يقضي بحصوله على أغلبية ثلثي الأعضاء في البرلمان حتى يشكل الحكومة. واستطاع الحشد تعيين رئيس حكومة وهو محمد شياع السوداني، وجهز نفسه لردة فعل من أنصار الصدر في مدن الصفيح، ولم يحدث أي ردة فعل. وتخلى رجال الدين الشيعة الذين دعموا مرة الصدر عنه، وربما بضغط من طهران.

وبسبب موارد النفط العالية، اقترحت حكومة السوداني أكبر ميزانية في تاريخ العراق بـ 152 مليار دولار، وسمّنت القطاع العام المتضخم أصلا. وكان الحشد هو أحد المستفيدين الكبار، ومنحه السوداني ميزانية سنوية بنحو 2.7 مليار دولار وساعده على إضافة 116 ألف عنصر إلى صفوفه، بحيث وصل عدد المُتلقين رواتب الحكومة في الحشد إلى 230 ألف شخص. وساعد السوداني على إنشاء شركة باسم “المهندس” على اسم نائب الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس الذي قتل بغارة أمريكية عام 2020 مع قائد فيلق القدس قاسم سليماني في مطار بغداد الدولي. كما وحصلت الشركة على مساحات من الأراضي تمتد من بغداد إلى حدود السعودية والأردن، بحجم لبنان.

ويقول النقاد إن هذه المناطق قد تكون قواعد عسكرية وتسهل تهريب المخدرات والأسلحة والمواد غير الممنوعة. ويستفيد حلفاء آخرون من السوداني: مؤسسات المزارات التي تحولت إلى مجمعات مالية وعززت توزيع الصدقات ودعم الوقف الشيعي والوضع الذي تمتع به وهو الإعفاء من الضريبة. ففي مزار بكربلاء مؤسسة بترأسها آية الله علي السيستاني، المرجعية الدينية العراقي وتدير مزارع للدجاج والأسماك ومستشفيات. وأخرى تقوم باستيراد الإلكترونيات من الصين. ويقول مصرفي إن الموارد من هذه المؤسسات يصل إلى مليارات “هم دول داخل دول”.

ثم قام السوداني بتطهير المخابرات من المؤيدين لأمريكا الذين كانوا حول رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي. وفي البرلمان تلاعب نواب الحشد الشعبي بالقانون الانتخابي لمنع المستقلين. وجرى الحد من حرية التعبير عبر قانون يستهدف المؤثرين ويهددهم بالسجن بتهم تتعلق بانتهاك الأعراف. واضطر عدد من الأكاديميين والصحافيين إلى مغادرة البلاد بسبب التهديد الذي تلقوه من الجماعات الموالية لإيران.

ويأمل البعض من أن يؤدي انغماس قادة الحشد الشعبي بالتجارة إلى تناسيهم حرب العصابات، كما يقول مستشار للسوداني. ويفرق المسؤولون بين وحدات الحشد الشعبي التي تريد فرصا تجارية وتلك التي تعمل على ضرب معارضيها. ويرسل السوداني سلسلة من الرسائل المختلطة بشأن علاقته مع الحشد.

واقترح صندوق النقد الدولي في الفترة الأخيرة أن العراق بحاجة إلى أن يبيع نفطه بـ 96 دولار للبرميل، وهو أعلى من المعدل الحالي، هذا إن أراد تجنب العجز. وربما طلب السوداني من العراقيين قريبا شد أحزمتهم. ولو تراجعت مستويات الحياة، فلربما احتاج الحشد البنادق من أجل النجاة. وقال المحلل العراقي حيدر الخوئي إن “الحبل الذي أنقذ العراق” أي الحشد قد يكون “المشنقة حول عنقه”.

من يخلف السيستاني؟

وفي تقرير آخر تساءلت المجلة حول من سيخلف المرجعية الشيعية آية الله محمد علي السيستاني البالغ من العمر 92 عاما. وقالت إن عبارة “الله يطول عمره” هي علامة على احترام الكبار بالسن، لكن طلاب الدراسات الدينية في مدينة النجف العراقية بدؤوا في ترديدها بقلق شديد. فالسيستاني المرجعية الدينية للشيعة في طريق النهاية. وعلى الرغم من أسلوب حياته المتواضع، فإنه يرأس شبكة متعددة الجنسيات بمليارات الدولارات ويترأس أقدس المزارات الشيعية التي يزورها الملايين كل عام.
وقالت المجلة إن الشيعة الذين لا يرون خليفة واضحا له باتوا يخافون من صراع “فوضوي ومعقد على خلافته”. وأضافت أن هناك اثنين من آيات الله يتصدران القائمة، الأول من باكستان والآخر من أفغانستان، والمشكلة أنهما متقدمان في السن: الأول في الثمانينيات من عمره، والثاني 93. وربما كان هناك مرشحون من الصغار في السن وعددهم ثلاثة، أحدهم من البحرين، ولكنه لم يرق للسيستاني الذي رآه متعجلا. وهناك عقبة أخرى للمرشحين، وهي أن المتسابقين الخمسة لا يوجد نسب قوي لهم مع الدوحة النبوية. وربما ذهب المنصب إلى شخص لم يولد في إيران – وهو أمر نادر منذ أكثر من قرن. من شأن ذلك أن يثير قلق رجال الدين الذين يحكمون البلاد: فهم يرغبون في فرض واحد منهم ليحل محل السيستاني، الذي ولد في إيران.

حاول آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، إرسال معلمه القديم إلى النجف لكسب طلاب الدين هناك. وشوهد العديد من المتحدثين باللغة الفارسية ينتقلون إلى منازل في زقاق السيستاني. وهناك فرصة لأن يتقدم أشخاص من ذوي المراتب الدينية الأقل، فقد تحدى محمد صادق الصدر، رجل الدين العراقي قيادة السيستاني قبل اغتياله من قبل صدام حسين في عام 1999. وورث نجله المتحمس مقتدى الصدر شعبيته، إن لم يكن علمه، ويمكنه الادعاء بأن لديه أكبر أتباع بين فقراء العراق. حتى إن بعض المعجبين به وصفوه بالمهدي الذي يقول الشيعة إنه سيظهر في آخر الزمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية