إيكونوميست: هل هدنة اليمن طريق للسلام أم فترة استراحة للجولة المقبلة من القتال؟

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: تساءلت مجلة “إيكونوميست” عن التطورات الجديدة في اليمن، وتسليم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي سلطاته لمجلس رئاسي، وإن كانت مجرد توقف للحرب، أم أنها طريق لسلام دائم. وتوقعت ألا يستمر الهدوء؛ لأن الحكومة الجديدة ليس لديها تأثير كبير.

وقالت المجلة إن مجموعة من اليمنيين المؤثرين تم استدعاؤهم بعد تناول الإفطار مباشرة إلى الديوان الملكي السعودي. وكانوا في الرياض للمشاركة بمؤتمر السلام في اليمن الذي عقد في 6 نيسان/ أبريل. ولم يكن هناك الكثير لكي يناقشه المشاركون في المؤتمر؛ لأن الجماعة الحوثية من الشمال والتي سيطرت على معظم البلاد، رفضت حضور المؤتمر، مطالبة بعقده في بلد محايد. وتعلق المجلة أن ميزان الحرب ينحرف بشكل مستمر ضد السعوديين وحلفائهم اليمنيين، والسلام الدائم يظل بعيد المنال.

وروى عدد من اليمنيين حكاية ما جرى، فقد تم تجريد المسؤولين البارزين في الرياض من هواتفهم المحمولة، ووضعت في غرفة منفصلة. وأمر السعوديون الرئيس الضعيف هادي بالتخلي عن السلطة وتسليمها لمجلس مكون من ثمانية رجال. وتم الإعلان عن استقالته في الإعلام. وعندها تم إخبار الشخصيات المهمة التي انتظرت لساعات غير مريحة عن ترفيع رتبتها.

وتمضي المجلة بالقول إن عملية التغيير جاءت بعد الإعلان في 2 نيسان/ أبريل عن وقف لإطلاق النار، وهو الأول على مستوى اليمن منذ عام 2016، ورغم تبادل الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية الاتهامات بخرق وقف إطلاق النار، إلا أن العنف قد خفّ عن مستوياته العالية قبل عدة سنوات، مما أعطى اليمنيين نوعا من الراحة والهدوء في موسم رمضان. ويأمل بعض الدبلوماسيين باستمرار الهدنة وتمديدها بشكل يقود إلى سلام دائم. وهذا امل غير متاح، فتشكيل المجلس الرئاسي جاء لبناء جبهة موحدة، إما لقتال الحوثيين بطريقة فعالة أو التفاوض معهم  على شروط السلام. والمشكلة أن أعضاء المجلس ليسوا على قلب رجل واحد ولا يمكنهم التوافق على الكثير. وحقيقة تقديم السعوديين المجلس لأعضائه بالأمر الواقع يظهر أنهم يريدون خروجا سريعا من الحرب المدمرة ونهاية لها. إلا أن الصفقة لخلق دولة يمنية قابلة للحياة لا تزال بعيدة أكثر من أي وقت مضى.

وبدأ التحالف عمليته العسكرية في 2015 بعد سيطرة الحوثيين على معظم شمال اليمن بما في ذلك العاصمة صنعاء. وتوقع السعوديون عملية سريعة، لكنهم علقوا في مستنقع لا ينتصر فيه أحد. وبات السعوديون يخسرون المال الكثير والمكانة. كان الشعب اليمني البالغ تعداده 30 مليون نسمة الضحية الكبرى للحرب، حيث مات 377.000 شخص حسب التقديرات، وتقول الأمم المتحدة إن 17 مليونا يعانون من الجوع، ويعتمد ثلاثة أرباع السكان على  المساعدات للحياة.

ودمرت الحرب البنى التحتية بدرجة لا تعمل فيها سوى نصف مستشفيات اليمن وعياداته. ورفض التحالف السعودي السماح بشحن الوقود من ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون. وأدى الحصار إلى زيادة أسعار الوقود في مناطق الحوثيين، بدرجة وصل فيها سعر لتر الوقود إلى 3 دولارات. وبناء على شروط الهدنة، يجب السماح بنقل الوقود من ميناء الحديدة، حيث وصلت أول سفينتين من 18 نيسان/ أبريل. وسيسمح بمغاردة طائرتين تجاريتين كل أسبوع من مطار صنعاء المغلق أمام الملاحة الجوية منذ عام 2016. ولا يعرف متى ستبدأ الرحلات ومن سيسمح له بالسفر. وهناك حديث عن إعادة فتح الطريق إلى مدينة تعز الذي يحاصره الحوثيون منذ فترة. وتظل هذه لفتات متواضعة، وإن رحب بها، ويشك اليمنيون باستمرارها.

 وهناك مأرب التي لجأ إليها مليون يمني من مناطق الحرب، وفيها معظم المصادر النفطية للبلاد. ويريد الحوثيون السيطرة عليها، وخسروا عشرات الآلاف من جنودهم وهم يحاولون اختراق دفاعاتها. ويقول شهود عيان إنهم لم يتوقفوا عن قصفها وإن بوتيرة منخفضة، وانتهزوا فرصة الهدوء لتعزيز دفاعاتهم. ويرى هانز غراندبيرغ، مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن: “هذه لحظة ثمينة ومحفوفة بالمخاطر في نفس الوقت”، مضيفا: “وقف إطلاق النار من النادر أن يصمد لو لم يدعم بتقدم على المسار السياسي”.

وحاولت الأمم المتحدة منذ سنوات دفع الحوثيين وهادي للمشاركة في السلطة، إلا أن المحاولات كانت فاشلة منذ البداية. فهادي كان أضعف من لعب دور المفاوض الحاذق، ولهذا اعتقد الحوثيون أن باستطاعتهم الحصول على صفقة أفضل. وقلة من اليمنيين ستأسف على الإطاحة برئيسهم الذي انتخب لعامين ولكنه ظل عشرة أعوام. وبقي زعيما منعزلا أحاط نفسه بأقاربه ومحاسيبه وأدار حكومة من المنفى، كانت بارعة في سرقة المال.

وعلى خلاف هادي، فأعضاء المجلس لديهم تأثير على الأرض بدون أرضية مشتركة بينهم. ويشمل المجلس حزب الإصلاح الإسلامي والمجلس الجنوبي الانتقالي، وهي جماعة انفصالية تريد استقلال الجنوب. وهناك علاقة كره بين حزب الإصلاح والمجلس الجنوبي وتصادما معا. وحتى لو وضع الطرفان خلافاتها السياسية والأيديولوجية جانبا، فإن المجلس الجنوبي الانتقالي الذي يركز على الجنوب (البعيد عن طموح الحوثيين) سيتردد في إرسال مقاتليه إلى الشمال. والسعودية راغبة بوقف الحرب، فبالإضافة للثمن المالي والسمعة، عرّضت الحرب المملكة لضربات الحوثيين الصاروخية الدقيقة.

 ولن تنهي محاولة السعودية الخروج وحفظ ماء الوجه، الحربَ الأهلية التي كانت سابقة على تدخل الأجانب. ووقفها مرهون بإجماع يضم كل المتصارعين بمن فيهم الحوثيون الذين تدعمهم إيران.

وتتوقع المجلة استمرار تفكك اليمن، ففي الجنوب سيواصل الانفصاليون الذين تدعمهم الإمارات جهودهم لتحقيق الاستقلال. أما الشمال فربما توصل لاتفاقية تشارك بالسلطة غير مريحة. وستظل أجزاء أخرى من اليمن خارجة عن السيطرة. ورغم كل التفاؤل بالهدنة، فربما تبين أنها مجرد استراحة قبل بدء الجولة القادمة من القتال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية