الناصرة ـ «القدس العربي»: دعا المؤرخ اليهودي المعادي للصهيونية والمناصر للقضية الفلسطينية، إيلان بابيه، الشعب الفلسطيني للتراجع عن فكرة تسوية الدولتين التي لم تتحقق بسبب استمرار دعم المجتمع الدولي للمشروع الصهيوني والتفكير برؤية جامعة وجديدة.
وفي ندوة سياسية في الناصرة نظمها مركز «مساواة « أمس، قال بابيه إن قانون القومية فيه ما يشبه تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول القدس المحتلة، وأكد أنهما يعبران عن سياسة تقليدية قديمة وأيديولوجية قائمة ولا ينسجان من استراتيجية درامية جديدة. فالإدارات الأمريكية المتعاقبة طالما انحازت لإسرائيل بالكامل. ولفت أيضا إلى أن القوانين الإسرائيلية عنصرية قبل قانون القومية منذ سنوات، وإن إسرائيل قامت على فكرة عنصرية استعمارية منذ قرن ونيف، وهي دولة استعمار استيطاني منذ النكبة.
وأوضح أن قانون القومية يعبر عن حقيقة كل الأحزاب الصهيونية كونه يتحدث عن أي نقطة في «أرض إسرائيل» تتحول لدولة إسرائيل، وأن هناك شعبا واحدا فقط كمجموعة لها تطلعات قومية والقصد اليهود. كما أوضح أن هذا القانون يتحدث عن أن المناطق التي لم تدخل بعد للسيادة الإسرائيلية ستدخل للسيادة من خلال الاستيطان. وتابع «لا توجد نصوص لليسار الصهيونية أو مشروع قانون معاكس، ولكنه يتحدث ضمن تفسيراته لهذا القانون بلغة مخففة وملطفة ملائمة للأذن الأجنبية وتبدو ربما ديمقراطية، لكنه يتماثل مع الفصل بين «دولة إسرائيل» وبين «أرض إسرائيل» وهناك اختلاف تكتيكي حول كيفية السيطرة على بقية «أرض إسرائيل» لكن لا يوجد اختلاف أيديولوجي على الموقف الأساسي بأن هذه الدولة هي دولة الشعب اليهودي. ونوه إلى أن الفارق هو أن اليسار الصهيوني يستطيع تحمل وجود مجموعة أخرى في البلاد، بينما اليمين الصهيوني يتطلع للتخلص منها. وأضاف «ربما يبدو هذا التحليل تسطيحيا لكنه صادق لكل حركة استعمارية استيطانية كالصهيونية وإسرائيل».
وتساءل بابيه ماذا وكيف ينبغي أن يواجه السكان الأصليون أو الحركة الوطنية الفلسطينية هذه الأيديولوجية الصهيونية الراهنة التي لم تختلف عن صفاتها الوراثية حينما تشكلت في نهاية القرن التاسع عشر: فكرة استعمارية استيطانية ترى بالأصلي غريبا مقيما في وطنه الذي انتزع منه قبل 2000 سنة وترى بنفسها كأصلي يعود لبلاده».
ويرى بابيه أن نظرة 50 سنة للخلف تظهر أن التكتيك الإسرائيلي الأساسي المعتمد كان يتمثل بالاعتماد على فكرة التقسيم الذي يمنح الفلسطينيين حق تقرير المصير على 22% من بلاده مقابل 78% لدولة يهودية. وتابع «الحقيقة أنه في العقود الخمسة الأخيرة لم يتم دفع فكرة التقسم فقط بل حولت لغير ممكنة من الناحيتين السياسية والإستراتيجية وحولوا حركة تحرر وطني مثل حركة فتح لسلطة فلسطينية تحت السيادة الإسرائيلية ودفعوا المكانة القانونية للفلسطينيين في إسرائيل لحضيض غير مسبوق من الناحية الدستورية والمحكمة الإسرائيلية العليا ستواصل قضم مكانتهم.
ونبه إلى أن البديل الإسرائيلي الوحيد المطروح لبنيامين نتنياهو اليوم هو تحالف جنرالات يطرحون استمرار التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية. وقال إن هذه البشرى الوحيدة لهم بالنسبة للمصالحة ونهاية الصراع في هذه البلاد. وتابع «ليس مفاجئا أن هناك خطابا جديا ينتشر في صفوف الشباب الفلسطينيين يتمثل بفكرة الدولة الواحدة في كل مكان وأنا اعترف أن هذا خطاب مثالي لأنه من غير الممكن اليوم إقامة دولة واحدة بين البحر والنهر مثلما أنه غير ممكن إقامة دولة فلسطينية الى جانب إسرائيل.
لذلك يستنتج بابيه ان هناك ضرورة لعودة القيادات والنخب والناشطين الفلسطينيين للقاء حول مائدة واحدة لقراءة الخريطة التاريخية في الخمسين سنة الأخيرة لفهم الحقائق على أرض الواقع وفهم صحيح للأيديولوجية الصهيونية السائدة، كي نستنتج أن هناك حاجة للتفكير بلغة جديدة لا لغة حركتي سلام تجدان حوارا ملائما بل لغة لنزع الاستعمارية ومحاولة قلب واقع يعيش فيه ستة ملايين بلا حقوق وستة ملايين مع حقوق زائدة وامتيازات ناهيك عن حق اللاجئين بالعودة.
وأضاف «هذا واقع قائم في البلاد فشلت كل المحاولات في الخمسين سنة الأخيرة لتغييره ورغم الدعم الدولي والأمم المتحدة والشرعية الدولية التي لم تتحقق تسوية الدولتين بل مكنوا المشروع الصهيوني من تعميق سيطرته على الوطن الفلسطيني والاستمرار بالتطهير العرقي». وقال إن المشروع الصهيوني كان مبنيا على فكرة تطهير البلاد من الفلسطينيين وجعلها يهودية، لكنها فشلت بفضل صمود ومقاومة الحركة الوطنية الفلسطينية رغم كل ما مرت به. وتابع «لكن في المقابل فشل أيضا الاعتقاد بأن محاربة المشروع الصهيوني وبإمكانية التصدي لمواصلته السلب والنهب والاحتلال من خلال « تسوية الدولتين».
كما أشار الى وجود حالات في التاريخ يمكن العودة لها والتعلم منها من أجل القول إن المعادلة التي ربما تشتغل وتحتاج لصبر وتفكير جماعي لبلورة استراتيجية جديدة بديلة للاستراتيجية القديمة الفاشلة. وأكد بابيه أن تسوية الدولتين فشلت لا لأن الجهود لم تكن صادقة أو نتيجة الانقسام الفلسطيني الداخلي فحسب، إنما لأن المشروع الصهيوني ما زال يحظى بشرعية دولية وإقليمية أيضا للأسف حيث تضطر بعض الدول العربية والفلسطينيون وهم ليسوا أقوى مجموعة في العالم للمثول أمام ائتلاف من الصعب العمل ضده. وشدد على ضرورة فهم الوضع الدولي وميزان القوى المحلي، الإقليمي والدولي، وأخذه بالحسبان، ولكن الأخذ بالحسبان أيضا أنه ليس عيبا ويمكن النظر للخلف والقول إن الفكرة الأساسية التي قادت عملنا السياسي لا تعمل. وتابع «ليس عيبا الاعتراف بذلك وعندئذ العمل معا والتفكير مليا ومجددا بالسؤال عن أي فكرة ممكن أن تشتغل وتكون ناجعة لأن الفشل ليس موضوع هيبة بل هو موضوع وجودي لأنني إن كنت محقا فإن السنة الحالية ستبدو طيبة مقارنة بالعام المقبل، وهذه هي المشكلة وهذا جهد ليس للسياسيين المنهمكين في الانتخابات البرلمانية اليوم ويحتاج لصبر ومثابرة وتجنيد أفضل الطاقات».
ودعا بابيه المثقفين الفلسطينيين لصياغة وثيقة رؤيوية جديدة تأخذ في الحسبان مستجدات كثيرة منها أن هناك 600 ألف مستوطن في الضفة الغربية، وتأخذ في الحسبان أن منطقة «سي» ضمتها إسرائيل منذ وقت طويل. كما قال بابيه إن وثيقة رؤيوية كهذه عليها أن تأخذ في الحسبان كل المثقفين من أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات لا من فلسطينيي الداخل فحسب، علاوة على استشارة ثمانية مراكز أبحاث عالمية في موضوع فلسطين. وتابع «حان الوقت لصياغة رؤية سياسية جديدة لكل الشعب الفلسطيني يمنح فيها دور مهم جدا لفلسطينيي الداخل في الصياغة، لأن الرؤية القديمة لم تعد صالحة بعد. كذلك قال إن هناك وقتا للتفكير في قضايا جوهرية كاللغة التي نعتمدها ونحن نتحدث فيها عن إسرائيل كدولة استعمار استيطاني ومعنى ذلك والتفكير أيضا باختفاء اليسار الإسرائيلي الذي غاب حتى عن جمهور قراء صحيفة «هآرتس». وخلص الى القول «علينا أن نقف مقابل هذا الواقع وبلورة نص رؤيوي جديد محدّث لا نصا يستند على افتراضات مغلوطة بأساسها».
يشار الى أن بابيه كان يشير لنصوص رؤيوية صدرت عن فلسطينيي الداخل عام 2006 أبرزها «وثيقة حيفا» و «التصور المستقبلي»، وهما نصان يتحدثان من جملة ما يتحدثان عن تسوية الصراع بتسوية الدولتين.
في المقابل عقب النائب أيمن عودة المنتمي للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة المتبنية لتسوية الدولتين بالقول إن عددا قليلا جدا من اليهود والفلسطينيين يقبلون بفكرة الدولة الواحدة. واعتبر أن رئيس حكومة إسرائيل السابق إيهود أولمرت قد قبل بفكرة الدولتين، بما في ذلك الانسحاب من القدس ومن الحرم القدسي الشريف.