في 12 تموز 2016 اتخذت حكومة إسرائيل، بقيادتي، قراراً بشأن رد عسكري شامل عقب هجوم حزب الله على دورية للجيش الإسرائيلي على خط الحدود مع لبنان قرب “موشاف زرعيت”. في بداية هجوم حزب الله، قتل 10 جنود كانوا في سيارتين مدرعتين. في الوقت نفسه، تم إطلاق الصواريخ على شمال البلاد، من الشرق والغرب. وأجرت الحكومة الإسرائيلية نقاشاً طويلاً وقررت أن مهاجمة حزب الله تقتضي رداً شاملاً، سيعيد تحديد قواعد اللعب على الحدود الشمالية، وينهي هجمات حزب الله، التي شوشت روتين الحياة في المنطقة لفترة طويلة. في 14 آب، بعد شهر أو أكثر بقليل على اندلاع الحرب، دخل وقف إطلاق النار إلى حيز التنفيذ عقب قرار مجلس الأمن 1701.
حرب لبنان الثانية، كما تقرر تسميتها، أثارت في حينه نقاشاً شديداً في إسرائيل. كثيرون، ومن شبه المؤكد أغلبية الجمهور الإسرائيلي، كانت على قناعة بأن الحرب كانت فاشلة وأضرت بالردع العسكري بشكل كبير. خبراء في الاستراتيجية العسكرية ومحللون سياسيون وجنرالات متقاعدون وخصوم سياسيون لي وللحكومة، وجهوا انتقاداً شديداً لمواصلة الحرب وغياب صورة انتصار واضحة في نهايتها، وللعملية البرية في الـ 48 ساعة الأخيرة التي حسب المحللين كانت زائدة، وللإخفاقات في عمل القوات البرية.
رئيس الأركان السابق، موشيه بوغي يعلون، أضاف وقال: “إن دخول ثلاث فرق للجيش الإسرائيلي إلى لبنان في نهاية المعركة كان مناورة إعلامية فاسدة لتحقيق صورة انتصار”. عملياً، منذ توقف إطلاق النار في لبنان في 14 آب 2006، وعقب قرار مجلس الأمن 1701 فإن 15 جندياً في الجيش اللبناني احتلوا منطقة الحدود مع إسرائيل، وأضيف إليهم 12 ألف جندي من قوات الأمم المتحدة (اليونيفل)، الذين شملوا الكثير من العناصر من دول أوروبية. أخلى حزب الله جنوب لبنان وانسحب إلى ما وراء نهر الليطاني، على بعد عشرات الكيلومترات عن الحدود مع إسرائيل.
منذ تلك الفترة، خلال 17 سنة، كانت حدود إسرائيل الشمالية المنطقة الأكثر هدوءاً وحماية وردعاً مقارنة مع كل مناطق التماس في إسرائيل مع سكان معادين، في شمال شرق سوريا، وفي شرقي المناطق المحتلة من قبل إسرائيل، وبالطبع في قطاع غزة.
محاولة حزب الله خرق القرار 1701 بواسطة نقل السلاح إلى لبنان استقبلت برد حازم. إرساليات السلاح التي جاءت من إيران وتركيا وسوريا، هاجمتها إسرائيل ودمرتها. عملياً، خلافاً للانطباع المشوه الذي يحاول من يؤيدون الحرب الآن خلقه، انسحب حزب الله إلى خط الليطاني واختفى من منطقة الحدود الجنوبية لبضع سنوات.
تظهر حرب لبنان الثانية الآن كإنجاز استراتيجي، رغم أن عدداً غير قليل ممن انتقدوها ما زالوا يتحدثون عن فشلها. سكان الشمال الذين تواجدوا لسنوات كثيرة على خط النار، ثم تم تخليصهم من رعب تهديد حزب الله وحصلوا على الهدوء والأمن والردع، سيشتاقون إلى الأيام الهادئة التي أصبحت فيها منطقة الشمال منطقة مزدهرة.
“كريات شمونة” الفارغة والتي تم إخلاء سكانها في هذه الفترة تشتاق إلى تلك السنوات التي لم تكن فيها الملاجئ التي ضربها الإرهاب، قيد الاستخدام. الشبيبة أبناء الـ 17 الآن، الذين ولدوا وترعرعوا في “كريات شمونة” وفي منطقة الشمال، لم يناموا ليلة واحدة في الملاجئ، التي كانت في السابق مكان لجوء لكثيرين من أبناء المنطقة بسبب الصواريخ التي أطلقت نحوهم في فترات متقاربة.
في هذه الأثناء، أخلت الحكومة جميع سكان الشمال. عشرات آلاف السكان اضطروا للانتقال إلى مناطق بعيدة عن الحدود، والمنطقة الأمنية لم تعد جزءاً من تاريخ لبنان، بل أصبحت في المناطق السكنية والحية في دولة إسرائيل.
نقف الآن أمام قرار ذي أهمية استراتيجية: هل سننجر إلى مواجهة شاملة مع حزب الله أم سنبحث عن حل بواسطة التفاوض بهدف التوصل إلى اتفاق يمنع الاحتكاك العسكري الذي أخذ ينتشر على الحدود الشمالية، وإعادة الهدوء إلى المنطقة التي ساد فيها أكثر من 17 سنة.
في العام 2006 قدت إسرائيل إلى حرب لبنان الثانية. والآن أوصي في العام 2024 بعدم الانجرار إلى مواجهة عسكرية شاملة، التي يمكن تجنبها.
إعلانات حسن نصر الله عن الحرب من حصنه الذي يعيش فيه منذ 17 سنة، لن تخفي حذره النسبي. من الواضح لحسن نصر الله أننا نحن أيضاً نلاحظ خوفه من المواجهة الشاملة، حرب “الجميع ضد الجميع” التي ستندلع إذا لم تتوقف تحديات حزب الله.
لذا، ما الذي يمكن ويجب فعله؟
أولاً، أوصي زعماء الدولة، رئيس الحكومة ووزير الدفاع والقيادة العليا، بإنهاء فصل التهديدات العنيفة لحزب الله. فهذه التهديدات لا تبث الثقة بالنفس، ولا يتوقع أن تعيد شخصاً من النازحين إلى بيته.
يجب إنهاء فصل التهديدات العنيفة لحزب الله. فهذه التهديدات لا تبث الثقة بالنفس، ولا يتوقع أن تعيد شخصاً من النازحين إلى بيته
ثمة احتمالية معقولة بأن التهديدات والتحذيرات وتكرار ظهور المتحدثين بلسان الحكومة في وسائل الإعلام بتصريحاتهم القاطعة، ستشجع حزب الله على الاستمرار في إطلاق الصواريخ صوب أهداف كثيرة في منطقة الشمال، وإطلاق النار المتبادل هذا قد يجرنا إلى معركة شاملة، يمكن تجنبها.
خلافاً لحماس، التي هي منظمة إرهابية بدون غطاء سياسي، فإن حزب الله الذي هو أيضاً منظمة إرهابية متعصبة وحقيرة يعمل تحت غطاء دولة لبنان، وهو ملزم بأن يأخذ في الحسبان خطر توسيع جبهة قتال قد تتسبب بخراب مناطق عيش عدد كبير من السكان المدنيين الذين يندمج في داخلهم الحزب، وهو بحاجة إلى دعمهم. ليس صدفة أن هيئاتنا العسكرية تقدر نشاطات حزب الله حتى الآن بعدم رغبة في استخدام صواريخ بعيدة المدى. وعندما ينطلق الصاروخ الأول من وراء إلى ما بعد المنطقة الشمالية، نحو مركز البلاد، ويتم فتح حرب متوحشة، ستلحق ضرراً كبيراً بمناطق في إسرائيل كانت حتى الآن خارج مرمى النار، لكنها ستؤدي إلى دمار كل البنى التحتية الاستراتيجية في لبنان. وستؤدي إلى تدمير حي الضاحية الذي دُمر في حرب لبنان الثانية، وستؤدي إلى هرب مئات آلاف سكان منطقة جنوب لبنان إلى داخل الدولة، وستحدث فوضى تؤدي إلى انهيارها.
حزب الله له مصلحة في تجنب توسيع جبهة القتال، مثلنا.
وطريقة تحقيق ذلك بعد وقف تبادل التهديدات العنيفة بين الطرفين، هي إعادة إلى جدول الأعمال الحوار بيننا وبين لبنان حول حل الخلاف على الحدود بين الدولتين.
رغم خطاب حسن نصر الله الفارغ، يمكن رؤية الأرضية المريحة في قرار مجلس الأمن 1701 للتوصل إلى تسوية مع لبنان تعيد الوضع الذي كان سائداً على الحدود الشمالية لسنين بعد انتهاء القتال في 2006.
يجب التذكير بأن المنطقة الأمنية في جنوب لبنان ليست جزءاً من أرض الوطن التاريخية لشعب إسرائيل، التي تعهدت حكومة نتنياهو بالحفاظ عليها تحت حكمها إلى الأبد
ولإسرائيل مصلحة في تنفيذ القرار 1701. بعد حرب لبنان الثانية، انشغل نتنياهو في التحريض ضد حكومتي، وكأن هذا القرار كان وصفة للخضوع، لكنه كان يعرف جيداً في حينه بأن رجال حزب الله قد انسحبوا إلى ما وراء نهر الليطاني. وضعف الحكومات برئاسته مهد الطريق أمام عودة قتلة حزب الله نحو الحدود، وأدى في النهاية إلى إخلاء معظم سكان الشمال من بيوتهم بمبادرة من الحكومة.
يجب التذكير بأن المنطقة الأمنية في جنوب لبنان ليست جزءاً من أرض الوطن التاريخية لشعب إسرائيل، التي تعهدت حكومة نتنياهو بالحفاظ عليها تحت حكمها إلى الأبد. هذه بالضبط هي “الورقة” التي يمكن استخدامها لتجنب الانجرار إلى حرب أخرى، التي سيكون ثمنها مؤلماً جداً أيضاً بالنسبة لإسرائيل، التي لا جدوى منها ولا هدف لها ولا حاجة إليها.
إيهود أولمرت
هآرتس 15/3/2024