فئران وأفاع
كثير من الحيوانات والأسماك تأكل أبناء جنسها جثثًا أو أحياءً، لكن القليل منها يأكل ذاته: سمكة القرش إذا انجرحت والأفعى الجرذية إذا وقعت في الأسر، والفأر إذا جاع، لكن الأفعى تبدأ بذيلها وتواصل التقدم في القضم حتى تموت، بينما لا يتجاوز الفأر الذيل حتى لا تتهدد حياته التي يحرص عليها حرص الجبناء.
والبشر كذلك يفعلون
يشكل أكل لحوم البشر ومص دمائهم خط إنتاج كامل في سينما الإثارة؛ ليس دون أساس واقعي؛ فهذا يحدث في حالات الحقد الشديد مثلما فعلت هند بنت عتبة بكبد حمزة بن عبد المطلب انتقامًا لدم ابنها؟
لماذا الأكل وليس مجرد القتل؟ هل أرادت أن يعيش القاتل في جسدها لأن جسده يتضمن روح ابنها؟
حالات الوله الشديد أكثر وضوحًا؛ صاغها عبدالرحمن الأبنودي شعرًا على لسان فاطنة في خطابها لزوجها حراجي القط العامل في السد العالي تخاطبه على انقطاع رسائله: ‘والنبي يا حراجي لو أطول قلبك لاكل الحتة القاسية فيه’ تهديد فاطنة عبد الغفار يحدث في الحقيقة، إذ يندفع العاشق إلى أكل جسد وشرب دم الحبيب لكي يحتفظ به داخله، وهذا النوع من الحوادث يتزايد في العالم الغربي كلما صار الحب أكثر ندرة.
في الأزمنة السحيقة أقدم الإنسان على أكل لحم أخيه بدوافع تتعلق بسحر السر أو برغبة في الخلود؛ يأكلون الآخر ليعرفوا سره أو ليكتسبوا قوته، ولكن الفراعنة ارتفعوا إلى مستوى الرمزية، ولم يحاولوا اقتباس القوة من بشر عادي، بل من الإله رع حاكم الكون في طقوس يتسلم فيها الفرعون أدوات الحكم وأسماءه الخمسة التي سيحكم بقوتها الرمزية. بدون هذا الاتحاد لا يستطيع الفرعون أن يضمن شروق الشمس كل صباح وفيضان النيل كل عام.
شخصّت المسيحية كذلك رمزية الاتحاد بجسد الرب يسوع في سر المناولة، حيث يقوم الخبز مقام اللحم والنبيذ مقام الدم ‘من يأكل من جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه ـ إنجيل يوحنا’ بينما ضمن مذهبا الحلول والاتحاد في التصوف الإسلامي ذوبانًا رمزيًا في الله؛ يعفي العاشق من الطقوس.
وسواء أكل المحب حبيبه وعدوه حقيقة أو رمزًا، فالإنسان لا يأكل نفسه إلا إذا كان مجنونًا أو كاتبًا أو خاضعًا لحكم مجانين، هكذا كان حكم ‘اللجنة’ على المتهم في رواية صنع الله إبراهيم. هذا الحكم الخيالي في رواية كابوسية يتحقق في الواقع مارسته أنظمة أنظمة دموية تجبر المسجون على أكل أطرافه.
دم الكاتب ولحم الكتب
تنطوي صناعة الكتاب العربية على عادة أكل اللحم الحي.
الناشرون ـ باستثناءات نادرة تؤكد القاعدة ـ يأكلون أجساد الكتب ويشربون من دم الكُتاب. ليست هناك وسائل للتحقق من الانتشار؛ فمن أين يأتي هذا الاتهام؟
من سعة حياة دور النشر وضيق حياة الكاتب، وبما أن هذه المؤسسات لا تمارس نشاطًا آخر فالناشر أسد جسده مبني من مجموع الخراف الكاتبة التي التهمها. وهو لا يفعل ذلك بروح أسد حقيقي يحركه الجوع الفطري، بل يسفح دم الكتب بروح شهريارية لا ترتوي من العذرية. قلة من الدور المحترفة تؤسس لوجود الكتاب في طبعات متتالية، لكن الأغلبية تبحث عن الجديد، عن الطبعة الأولى التي لا تتكرر.
هذه ليست شكوى شخصية، فالروح الشهريارية تدثر بالنسيان كتبًا عظيمة اختبرها الزمان. من يستطيع أن يجادل في قيمة ‘الأيام’ لطه حسين أو ‘يوميات نائب في الأرياف’ لتوفيق الحكيم الأسوأ حظًا من العميد المحمي باللقب ووجود بقايا ورثة يكترثون لأمره؟
الكتاب الذين لا يتركون وراءهم ذرية أو يتركون ذرية لا تفهمهم ولا تهتم بتراثهم لا يجدون إلى القراء سبيلاً، ذلك لأن الكاتب الميت لا يكتب جديدًا يفتضه الناشر الشهريار. وبسبب من هذه الشهريارية تبدو الثقافة العربية أفعى مقطوعة الذيل، مهيأة للموت.
رعب أكل الذيل
يفرح محبو الحياة لكونهم أحياء، ويفرح الكاتب أكثر، لأنه بحياته يضمن حياة كتبه، أو ما يستحق الحياة منها؛ إذ لا توجد قوة بمقدورها إحياء الكتابة الميتة.
يقتطع الكاتب من وقته ليبحث عن ناشر أقل شهريارية يقبل الطبعات الثانية، فإن وجد يكون عليه أن يعايش نصه من جديد، لأن صناعة النشر لا تعترف بالكثير من الوظائف الموجودة في بلاد تحب الكتب، يصل الأمر أحيانًا إلى عدم وجود مصحح بروفات.
هكذا يجد الكاتب نفسه عائشًا في خدمة ماضيه، مضطرًا لأن يقرأ ويدقق ما كتبه سابقًا. وهذا العمل ليس مجرد إعاقة عن التقدم لفتح أقاليم جديدة.
مواجهة النص القديم عمل مؤلم يشبه قضم الذيل؛ حكم أصدرته محكمة ساخرة بالتحديق في المرآة. كثرة التحديق تصيب الرائي لوجهه بالقنوط: كيف يتطاول أنفه ويتسع فمه أمام عينيه، يتحسس بألم التجاعيد التي قد يحبها الآخرون. كيف بالله كتبت هذه الجملة السخيفة؟! كيف خطرت لي هذه الفكرة الخرقاء؟!
ما من دليل أو علامات على الطريق تهدهد شكه، لأنه لا يعرف شيئًا عن مؤشرات القراءة السابقة ولا يمكن أن يطمئن إلى تقريظ قلة من القراء المحترفين يُسمون نقادًا. يمضي في حذف جملة من هنا، كلمة من هناك، يتشكك في ضرورة مقطع أو فصل بكامله. لا يعرف جدوى كل هذا في النهاية، لكنه يمضي في قضم ذيله بهياج قرش جريح وحزن أفعى أسيرة.
لماذا يكره البعض الدين الى هذه الدرجة الى درجة ان يسخر قلمه وعلمه الذي وهبه اياه رب هذا الدين لمحاربته وطمسه باسم حرية التعبير عندما يحاربنا الغرب في ديننا فهذا ليس غريبا اما ابناء الاسلام فهذا المعيب ت
عايز فين؟
إلي المتألم الكتوم والصابر النبيل…
إلي نبل الحزن وروعة تدفق المشاعر …
إلي من يحتاج البوح ويركن للكتمان …
أرأيت مصداقيتك في ردود قراءك ؟
إنهم لايفرأون بلسانهم كما ينبغي أو بعيونهم كالمتعجل بل بقلوبهم وقد إمتلئت سوادا وحقدا يعمي البصيره ..
أنت تكتب عن حزن مكتوم وهم يقراون علي الإسلام هجوم .
بوعي مثل ذلك وقراء مثل هؤلاء أتري عجبا أن يكون ناشروا هذه الأيام بتلك الأخلاقيات ؟
إنها منظومه ومناخ ودائره وليست حالات نادره ..
فلا تبتئس أيها النبيل وثق أنه في النهايه لايصح إلا الصحيح.
الرجاء من الاخوة القراء ان فهم ما يرمي اليه الكاتب فليفهمني مشكورا.