جدعون ليفي
رئيس الدولة إسحق هرتسوغ، ووزير الدفاع يوآف غالنت، ووزير الخارجية إسرائيل كاتس، هؤلاء الثلاثة اختارتهم رئيسة محكمة العدل الدولية في لاهاي، جوان دونهيو، من أجل اقتباسهم كدليل على الاشتباه بالتحريض على الإبادة الجماعية في إسرائيل. القاضية لم تقتبس أشخاصاً هامشيين حالمين في اليمين، أو إيتمار بن غفير وأيال غولان، أو جنرالات سابقين مثل غيورا آيلاند (نشر الأوبئة في غزة) أو يئير غولان، رجل السلام وتشخيص العمليات (تجويع غزة). الأمر الثالث الذي أصدرته المحكمة، بتوقيع أهارون براك، يأمر إسرائيل باتخاذ كل الخطوات الممكنة لمنع ومعاقبة كل الذين يحرضون علناً على الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة. يبدو أن على إسرائيل التحقيق وربما معاقبة الرئيس والوزيرين، وكان يجب استدعاؤهم إلى الشرطة هذا الصباح. إسرائيل لن تفعل ذلك بالطبع، لكن لا يمكن تجاهل الشكوك التي طرحتها المحكمة تجاه العمق الإسرائيلي.
قرار “لاهاي” نموذج للتفكير الحذر والمدروس. على إسرائيل، التي تنكر وتخدع نفسها، أن “تتنفس الصعداء”، وبل عليها “الابتهاج” في أعقاب القرار. دولة تمثل للمحاكمة من قبل الأمم بسبب الإبادة الجماعية، يجب عليها الخجل وليس الابتهاج. دولة يُتهم رئيسها ووزراؤها بالتحريض على الإبادة الجماعية، عليها أن تضع كيساً على رأسها، وألا تنفعل من إنجاز كبير وهمي حققته. كل إسرائيلي كان يمكنه الانكماش أول أمس على الكرسي بسبب هذا الموقف، ويشعر بخزي وعار كبيرين عند سماع مبررات هذا القرار. هناك إسرائيليون ربما سمعوا للمرة الأولى منذ بداية الحرب عن الذي ارتكبته دولتهم في غزة وما الذي تستمر في تنفيذه. هذه المرة حتى وسائل الإعلام الدعائية في إسرائيل، التي تحميهم وما زالت بكل إخلاص ولم تظهر لهم شيئاً، لا يمكنها أن تهب لمساعدتهم.
أصبح أصعب قليلاً اتهام هذه المحكمة باللاسامية لأنها لم تأمر إسرائيل بوقف الحرب. هذا لم يزعج المراسلة السياسية في أخبار 13، موريا اسرف – فولبرغ، وهي تضع على صدرها خارطة إسرائيل الكاملة، ولم تتنازل للاساميين في لاهاي، واستمرت في تكرار الادعاء بأن المحكمة منافقة، والعالم منافق، وإسرائيل تدير الحرب الأكثر عدالة وأخلاقية في العالم. من يصدق ذلك حتى بعد قرار لاهاي فليتفضل، فليصدق الوهم.
ويجب الانتباه إلى حكمة المحكمة، التي ركزت على التيار الرئيسي في إسرائيل وليس على الهوامش: هرتسوغ رئيس حزب العمل السابق والشخص الأكثر رسمية في البلاد، غالنت الذي منع احتجاج الوسط – يسار إقالته، كاتس الذي دعا أمس إلى تقديم مدير الأونروا للمحاكمة، لكنه يعتبر معتدلاً نسباً – هؤلاء هم المتهمون الرئيسيون في التحريض على الإبادة الجماعية. التحريض على إبادة الشعب الفلسطيني ربما اخترعه مئير كهانا، لكنه أصبح ملكاً للجميع تقريباً.
كان الرد التقني لإسرائيل بعد 7 أكتوبر تجاه عقوبة غزة، هو: “هذا شعب كله مسؤول عما حدث” كما قال الرئيس الذي وقع على الصواريخ؛ “أزلت كل العوائق ونحارب ضد حيوانات” قال وزير الدفاع، الذي عندما كان قائد المنطقة الجنوبية أحب القول “يجب تحطيم رأس الأفعى”. أو “لن يحصلوا على قطرة مياه أو كهرباء” وفق الدبلوماسي رقم واحد، وزير الخارجية كاتس، عندما كان وزير الطاقة.
تمكن قضاة محكمة العدل الدولية من التمييز بشكل مدهش ما نرفض نحن هنا الاعتراف به، وهو أن مشكلة إسرائيل في التيار الرئيسي فيها وليس الهوامش الحالمة. التيار الرئيسي هو الذي أوصلنا إلى “لاهاي”، وهو الذي حرض على الإبادة الجماعية، بعد أن أقنعت إسرائيل نفسها بسهولة كبيرة أن كل شيء مسموح لها بعد 7 أكتوبر. لحسن الحظ، يبدو أن “لاهاي” تفكر بطريقة مختلفة جداً.
هآرتس 28/1/2024