استراتيجية التنغيص (الإسرائيلية)… مطار رامون وما وراءه

لا رامون ولا غيره، هكذا تحدث رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه في اجتماعه مع نظيره الأردني بشر الخصاونة قبل أيام، فالمطار الجديد الواقع في جنوب صحراء النقب، الذي سيمكن الفلسطينيين من السفر جواً، أحدث أزمة بين الأردن و(إسرائيل)، وأوجد عتاباً بين عمان ورام الله في الوقت نفسه.
الفلسطينيون يستخدمون مطار الملكة علياء في أسفارهم الدولية، والمغتربون في أوروبا والولايات المتحدة يقصدونه قبل التوجه إلى الجسر البري الذي يربط بين الأردن والأراضي الفلسطينية، ويقضون بضعة أيام في عمان أو غيرها من المدن الأردنية على هامش هذه الحركة، والمشكلة التي حدثت في الجسور قبل أسابيع وأدت إلى تكدس كبير للمسافرين، كانت المقدمة لإعلان المطار (الإسرائيلي) بديلاً.

آخر ما يمكن أن يفعله الجانب الإسرائيلي السعي لتسهيل حياة الفلسطينيين، فذلك يناقض استراتيجيته في تحويل الضفة الغربية وغزة إلى مناطق طاردة للسكان

جسر الملك الحسين أو اللينبي كما يسميه الجانب (الإسرائيلي) يتحكم في إيقاعه الأمن الإسرائيلي، فالإجراءات على الجانب الأردني غير معقدة، ولا توجد عوائق لغوية في التفاهم، والأمن الأردني في مختلف المعابر الحدودية يعمل بصورة إيجابية بشكل عام، وتبقى المخاوف (الإسرائيلية) والمبررات الكثيرة التي تدفع بصورة مفاجئة سبباً للتكدس على الجسر غير المؤهلة لتوفير تجربة سفر مريحة، بل تقصدت (إسرائيل) أن تجعلها تجربة صعبة وغير إنسانية على امتداد العقود الماضية منذ تشغيلها، فمارست التفتيش الذاتي، ووضعت الجنود الذين يتعاملون بجلافة في موقع الخدمة. آخر ما يمكن أن يفعله الجانب الإسرائيلي هو أن يسعى إلى تسهيل حياة الفلسطينيين، فذلك يناقض الاستراتيجية المتبعة في تحويل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مناطق طاردة للسكان، فلماذا تقدم إسرائيل مطار رامون اليوم؟ المطار الذي أقامته إسرائيل في الصحراء وعلى مقربة من المنفذ البحري في إيلات لم يستطع أن يفرض نفسه على خريطة السفر بالنسبة للإسرائيليين أو السياح القادمين، فإيلات وجهة متواضعة أمام الوجهات المصرية المنافسة في شرم الشيخ والغردقة، حيث تتوفر بنية سياحية واسعة بتكلفة أقل، ولذلك فتشغيله للفلسطينيين يمكن أن يحقق عوائد تشغيلية للمطار من خلال بعض التهاون في إدارة التنغيص، ويبقى استفزاز الأردن قائماً على الناحية الأخرى، والأمر يكتسب بعداً اقتصادياً وآخر سياسيا. الفلسطينيون الذين يعبرون الأردن في طريقهم إلى العالم عادةً ما يعتبرونه جزءاً من رحلتهم السياحية، والكثير منهم لديهم أقارب في الأردن يستبقونهم لبعض الوقت، وبعض الأثرياء الفلسطينيين تملكوا منازل في الأردن لتكون جزءاً من رحلاتهم تجاه الأرض المحتلة، وفرصة للتقارب مع بعض الأقارب الموجودين بالضرورة في الأردن، وتقريباً لا توجد عائلة فلسطينية لا يقيم بعض أفرادها في الأردن، وأصبحت مقدمة النعي التقليدية لكثير من الأسر الفلسطينية تبدأ بعبارة ينعى آل فلان في فلسطين والأردن والمهجر، وإفقاد الأردن هذه المدخولات الاقتصادية أمر مؤثر في هذه المرحلة تحديداً. الجانب السياسي يتضمن إضعاف التأثير الأردني في الملف الفلسطيني من خلال الضفة الغربية، وهي المنطقة التي شهدت تأثيراً أردنياً واسعاً، بوصفها جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية حتى سنة 1988، تواصلت فيه مهام حيوية من خلال الدولة الأردنية، والإبقاء على الأردن بوصفها الشريان الذي يربط الضفة بالعالم، والمطار الجديد يستهدف التأثير الأردني.
تبدو عمان غاضبة من موقف توقعته من السلطة بالعمل على التنديد بالخطوة الإسرائيلية ومحاولة تفويتها من خلال إجراءات داخلية، وهو الأمر الذي سيشمل معارضة فريق من السلطة يعتمد على تقديم دور الوساطة والتنسيق في الجوانب الأمنية والاقتصادية، وهو فريق يمتلك أدواته وتأثيره داخل رام الله ومؤسساتها، وما وضعه اشتيه أمام الأردنيين في الحقيقة لا يتجاوز إقراراً بقلة الحيلة أمام الواقع الذي تفرضه (إسرائيل) وسياسة الأمر الواقع التي تمسك بتلابيبها.

هل ينجح الإسرائيليون في رامون هذه المرة؟

كانت الإجابة بالنسبة لي في الطائرة الأردنية العائدة من إسطنبول والعديد من الأسر العربية التي تعيش في صفد وأم الفحم، وتحمل وثائق إسرائيلية تمكنها من السفر من مطار بن غوريون، ومع ذلك فضلت السفر من وإلى عمان، والقصة تمضي شعورياً بوجود فرصة للتعبير عن وجودهم العربي من خلال الأردن، بالإضافة إلى أغراض أسرية أحياناً، فكيف والأمر سيتعلق بأهالي الضفة الغربية المرتبطين بروابط أسرية أعمق وأكثر تواصلاً مع الأردن؟ توجد بالطبع استثناءات لكن من غير المتوقع أن تصل إلى نسبة مؤثرة، ومن غير الممكن أن يتخلق سلوك إسرائيلي إيجابي تجاه الفلسطينيين، يمكنه أن يتوازى مع السلوك الأردني القائم على تعاطف جوهري وشعور بوحدة الصف والحال بين الشعبين، وحدة حال استشعرتها أنا وزوجتي يوماً حين فقدت أعصابها وتلاسنت مع المجندات الإسرائيليات على الجانب الآخر من المغطس، فتأهب الجندي الأردني قريباً منها، وكانت نظراته وكلامه تؤيد كل حرف قالته زوجتي عن العودة التي ستحدث يوماً.

ما هو الجانب غير المرئي من أزمة رامون؟

الأردن بوصفه دولة مستهدفة من الخطوة الإسرائيلية، والفلسطينيون بوصفهم شعباً كذلك، خاصة وأن هذه الخطوة تشكل عزلاً لكتلتين رئيستين في الشعب الفلسطيني بين أهل الضفة الغربية وأقاربهم من الأردنيين من أصول فلسطينية، ومعظمهم يمتلكون مواريث مباشرة في فلسطين تقوم على التواصل الاجتماعي الذي تهدده إسرائيل بعزل معنوي مادي، وبصورة ستمكنها من الاستفراد بالفلسطينيين في الضفة الغربية بصورة نهائية، وجعلهم يتخذون مواقف ارتيابية ومرتبكة أمام سياسة تنغيص ممنهجة وبرمجة معنوية تجعلهم يناضلون باستمرار من أجل الحصول على الحقوق الأساسية، من سكن وغذاء من خلال إدارة العمل بالمياومة في (إسرائيل)، وتجعل أفكاراً مثل الاستقلال والحرية أموراً مؤجلة بشكل دائم وأبدي.
كاتب أردني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول وحش العراق صدام:

    لعنة الله على إسرائيل
    لعنة الله على كل خائن لفلسطين
    السفر مع إسرائيل طعنة لمن يقفون منذ عشرات السنين مع فلسطين
    لعنة على الفئة المتصهينة

  2. يقول جنيني:

    بالسياسه قد تكون على حق كمن سبقوك منذ 75 عام مضت ولكن اين حق الفلسطيني الادميه في ان يتنقل بكرامه مثل كل الشعوب. من الصهيوني لا ننتظر ذلك ولكن من اهل جلدتنا نعم. هل يعامل الفلسطيني المسافر عبر معبر الكرامه (الذل) بحد ادنى من الاحترام؟ لا ولماذا؟
    ما يريده المسافر الفلسطيني المعامله باحترام وعدم الاستغلال فقط لا غير. فلننتظر

  3. يقول Iman:

    صح النوم…. هلحين صار معبر رفح وجسر الاردن موفرات كل وسائل الراحه للمسافرين…… وبعدين السفر حريه شخصيه…. الاسهل والافضل يستخدمو الانسان……. ياريت المسؤولين يجربو يسافرو عن طريق معبر رفح للقاهره يجريو الذل والاهانه….. وبعدين الي معارضين علي اليه السفر ما بيسافرو الا عن طريق تل ابيب…..

  4. يقول احمد اسليم:

    اكيد السفر عبر رامون خيانة

    خيانة لفلسطين اولا … وللاردن تاليا

    واللي بتحجج بتعقيدات السفر عبر الجسر فهل هذا مبرر للسفر مع الصهاينة … اعتبروا السفر عبر الجسر نوع من الجهاد في سبيل عدم افادة العدو باي شيء

  5. يقول Fathy Altarabin:

    لماذا على الفسطيني السفر عبر جسر وبعدها يذهب للمطار وهاذا يكلف الفلسطين ثلاث اضعاف الكل هنا يبحث اقتصاد بلاده وليس عن راحة المسافر الفلسطيني اريد ان اسال هنا لو كان في فلسطين مطار هل اذهب لمطار رامون لماذا لايكون في مطار في الضفه والقدس وغزه مالذي يجبرني اسافر عن طريق الجسر وهناك تكاليف ومشقه بالنسبه للسفر عن طريق مطار رامون ليس خيانه بل هو اسهل واخف تكاليف خصوصا في الوقت الحالي حتى نحصل على مطارات فلسطينيه نسافر الى اي بلد بدون صعوبه وتكاليف

  6. يقول Khalid njjar:

    الشعب الأردني شعب طيب وودود جدا.والحقيقه لا إستغناء عن الاردن. أشعر بالراحة التامه في الاردن أكثر من بيتي في الضفه. نطلب من السلطات الأردنية تسهيل المعابر إليها وتخفيض رسوم الجواز الأردني لانه حقيقة يعادل اربع أضعاف الجواز الفلسطيني.

إشترك في قائمتنا البريدية