الناصرة- “القدس العربي”:
تتفاوت نتائج استطلاعات الرأي العام التي تمت في إسرائيل منذ حل برلمانها (الكنيست) وذهابها للانتخابات حول قوة الأحزاب المتنافسة لكن كافتها تعكس بقاء حالة التعادل بين القطبين الكبيرين اليمين بقيادة “الليكود” وبين الوسط- اليسار برئاسة “أزرق- أبيض” وبقاء حزب “يسرائيل بيتنا” برئاسة أفيغدور ليبرمان “بيضة القبان” مما يفتح الباب على وسعيه لبقاء دولة الاحتلال عالقة في دوامة انتخابية كما حصل في اسبانيا وإيطاليا واليونان في السنوات الأخيرة.
وفي ظل استفحال الخلافات الشخصية بين ليبرمان وبين بنيامين نتنياهو من جهة ورفض الأول الانضمام لحكومة “برئاسة” أزرق- أبيض” تعتمد على المشتركة والمتدينين المتزمتين (الحريديم) لا يستبعد مراقبون كثر أن تبقى إسرائيل عالقة بالدوامة الإئتلافية إياها. وربما تلعب القائمة العربية “المشتركة” دورا حاسما وتاريخيا في تحديد هوية رئيس حكومة إسرائيل بحال زادت قوتها بمقعدين وترسل 15 نائبا للكنيست ولا تكتفي بسد الطريق أمام نتنياهو وتحرمه من تشكيل حكومة يتمناها بكل جوارحه بل ترسله للبيت خارج الحلبة السياسية.
من جهته يدرك نتنياهو ذلك جيدا ولذا من المتوقع أن يصعد نتنياهو حملات تحريضه ضد المواطنين العرب في إسرائيل (17% من السكان و15% من أصحاب حق الاقتراع) في محاولة لترهيبهم وردعهم عن المشاركة بنسبة تصويت عالية ومنعهم من التأثير السلبي على حظوظه وعلى مجمل الحلبة السياسية.
ولم يبدأ نتنياهو التحريض على المواطنين العرب في السنوات الأخيرة بل أطل به منذ خوضه أولى انتخاباته في 1996 يوم خرج بحملته الانتخابية تحت عنوان “نتنياهو جيد لليهود” في تلميح سلبي واضح لمن هم غير يهود.
وكاد نتنياهو أن يخسر الانتخابات وقتها لصالح منافسه المخضرم زعيم حزب “العمل” الراحل شيمون بيريز لولا ارتكابه مذبحة في بلدة قانا اللبنانية خلال عدوان “عناقيد الغضب” مما دفع جزء كبيرا من المواطنين العرب للغضب والاحتجاج بالعزوف عن المشاركة في الانتخابات التي فاز بها نتنياهو الشاب عديم التجربة مرشح “الليكود” واليمين بفارق أقل من 30 ألف صوت عربي (عشر بالمائة).
نتنياهو أدرك من وقتها أن بمقدور المواطنين العرب بحال شاركوا بنسبة تعادل نسبة تصويت اليهود أن يرجحوا كفة مرشح اليسار/ الوسط الصهيوني على مرشح اليمين ولذا لم يتوقف يوما عن التحريض عليهم ومحاولة شيطنتهم ونزع شرعيتهم بشتى الوسائل خاصة بعدما تعلموا الدرس وأقبلوا على صناديق الاقتراع في الانتخابات التالية عام 1999 ووضعوا ثقلهم الانتخابي لصالح منافسه زعيم حزب “العمل” إيهود براك الذي فاز بنسبة كبيرة على نتنياهو لعدة عوامل منها الصوت العربي. هذا السقوط جعل نتنياهو أكثر خطرا ودموية على المواطنين العرب فما أن عاد للحلبة السياسية بعد إجازة قصيرة ليخوض الانتخابات مجددا في 2009 حتى استأنف حملات التحريض التي بلغت أوجا جديدا حينما هوش اليهود على العرب بتصريحات كاذبة بأن العرب يتدفقون على صناديق الاقتراع بجماهيرهم الغفيرة في محاولة لدفع اليهود للتصويت لحزبه وهذا ما حصل. وبين الجولة والجولة واظب نتنياهو على التحريض ضد العرب واستخدامهم فزاعة كالقول إن العدو ليس في الخارج بل هو هنا وبيننا وفي تلميحات لـ”الطابور الخامس” الخ.
تطبيق على الأرض
هذا الهجوم المنفلت الذي رافقته وترافقه اعتداءات فعلية على العرب وممتلكاتهم كما يتجلى بجرائم الكراهية بيد عصابات “تدفيع الثمن” تكرر في الانتخابات الأخيرة في سبتمبر/ أيلول لكن السحر انقلب على الساحر وبعدما قرر المواطنون العرب رد الصاع صاعين وبدلا من العزوف عن الصناديق أقبلوا عليها أكثر وزادوا تمثيلهم البرلماني بمقعدين وقللوا فرض تشكيل حكومة برئاسة نتنياهو لأن نسبة تصويتهم العالية أسقطت حزب “اليمين الجديد” برئاسة وزير الأمن الحالي نفتالي بينيت مما قلل عدد نواب كتلة اليمين بأكثر من مقعدين طبعا.
ويبقى السؤال كيف يسلك المواطنون العرب في إسرائيل في انتخابات ثالثة وهل يقبلون عليها بحماسة أكبر أم يفيض بهم ويملون؟ من جهتها تتمنى “المشتركة” أن تكون “الثالثة ثابتة” ضد نتنياهو بأن تعزز قوتها وتستثمر طاقاتها وإمكانياتها المتاحة بما يكفي لحسم الصراع على السلطة وتصفية نتنياهو سياسيا وإسقاط أخطر محرّض عليهم وإسقاط “صفقة القرن” معه.
هذا السيناريو وارد وإن كان لا يكفل دورا مؤثرا أكثر لـ”المشتركة” نظرا لاحتمال تشكيل حكومة وحدة وطنية بين المتنافسين، وهو بكل الأحوال منوط بعدة عوامل منها ما يرتبط بالمشتركة ذاتها وانسجامها وتوافقها على دعم “أزرق- أبيض” برئاسة بيني غانتس من خلال دعم خارجي يعرف بـ”الكتلة المانعة” ومرتبط بحملتها الانتخابية وبعوامل موضوعية تتعلق بالحلبة السياسية نفسها.
ولذا هناك من يدعو لعدم الاستعجال بالتوقعات ويقول إن إسرائيل ستجد نفسها بعد الانتخابات القادمة في الثاني من آذار/ مارس 2020 بحالة “مكانك عد” متوقعا انتخابات مبكرة رابعة في الصيف القادم ربما تضطر “المشتركة” خوضها لها بحملة انتخابية جديدة بعنوان “الرابعة قابعة”.
مكانك عد
كشف استطلاع للرأي نشرته الإذاعة الإسرائيلية الرسمية أن حزب “الليكود” بزعامة بنيامين نتنياهو يضعف بشكل ملحوظ في الانتخابات القادمة موضحا أن “أزرق أبيض” يحصل على 35 مقعدًا، مقارنة مع حزب “الليكود” فيما لو ترأسه بنيامين نتنياهو يضعف ويحصل على 31 مقعدًا فقط.
استطلاع: حزب “الليكود” بزعامة بنيامين نتنياهو يضعف بشكل ملحوظ في الانتخابات القادمة
وأظهر الاستطلاع أن “القائمة المشتركة” تحتفظ بموقعها كثالث أكبر كتلة برلمانية في الكنيست بـ13 مقعدًا، وحزب “يسرائيل بيتينو، بزعامة أفيغدور ليبرمان يحصل على 8 مقاعد.
وبالنسبة لمعسكر اليمين: بحسب الاستطلاع يحصل حزب “شاس” المتدين المتزمت برئاسة آريه درعي على 9 مقاعد، وشقيقه حزب “يهدوت هتوراة برئاسة يعكوف ليتسمان يحصل على 7 مقاعد، أما حزب “اليمين الجديد”، برئاسة آيليت شاكيد فيحصل على 6 مقاعد.
أما معسكر الوسط – يسار: فأظهر الاستطلاع أن حزب “العمل” برئاسة عمير بيرتس يحصل على 6 مقاعد، و”ميرتس” برئاسة نيتسان هوروفتس يحصل على 5 مقاعد.
وفي هذه الحالة يشير الاستطلاع أنه في حال بقي نتنياهو زعيمًا لحزب “الليكود”، فإن كتلة “اليمين- الحريديم” تضعف وتحصل على 53 مقعدًا. مقابل كتلة الوسط- يسار (وشمل الاستطلاع مع الكتلة القائمة المشتركة) تقوى وتصل إلى 59 مقعدًا ومع ذلك لن تقوى على تشكيل حكومة بهذه الحالة.
حصانة
وكانت اللجنة البرلمانية المنظمة في الكنيست صادقت على تشكيل “لجنة الكنيست” للنظر في طلب الحصانة لنتنياهو المتهم بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال في ثلاث قضايا فساد. ويمكن للجنة عقد جلساتها بشرط موافقة رئيس الكنيست يولي إدلشتاين بعد أن يحصل على وجهة نظر قانونية من المستشار القضائي للكنيست، أيال يانون.
وجاء ذلك بعد أن فشل حزب “الليكود” خلال جلسة ساخنة بينه وبين تحالف “أزرق أبيض”، في مساعيه للمشاركة في رئاسة تشكيل “لجنة الكنيست”، ونقل الصلاحية من اللجنة المنظمة التي يترأسها آفي نيسنكورن من تحالف “أزرق أبيض” إلى لجنة التفاهمات التي يرأسها بشكل مشترك كل من نيسنكورن وميكي زوهر من حزب “ليكود”.
وبعد النقاش الحاد تم التوافق على أن تكون اللجنة المنظمة هي صاحبة القرار في تشكيل لجنة الكنيست وما سيتم نقاشه فيها.
ويرى تحالف “أزرق أبيض” أن حزب “الليكود” يحاول عرقلة إمكانية تشكيل لجنة للكنيست قبل الانتخابات المقررة في 2 آذار/ مارس، من أجل مناقشة حصانة نتنياهو. وقدم المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أفيخاي مندلبليت لائحة الاتهام ضد نتنياهو لرئيس الكنيست يولي ادلشتاين، في 2 كانون الأول/ ديسمبر ما يمنح نتنياهو مهلة محددة بثلاثين يوما من التاريخ المذكور لتقديم طلب الحصول على الحصانة إلى اللجنة للنظر فيه.
وقالت القناة الإسرائيلية 13 إن التقديرات تشير إلى أن نتنياهو سيطلب حصانة في نهاية الـ30 يوما التي منحت له منذ تقديم لائحة الاتهام ضده إلى رئيس الكنيست، موضحة أن أعضاء كنيست من حزب “الليكود” تحدثوا مع نتنياهو ونصحوه بأنه “بحاجة إلى الحصانة، وإلا فإنه سيواجه مصاعب في إقناع الجمهور بقدرته على إدارة شؤون الدولة فيما يخضع لمحاكمة بمخالفات فساد خطيرة.
اقتراح منح عفو رئاسي
وحمّل رئيس تحالف “أزرق أبيض” غانتس نتنياهو المسؤولية الكاملة عن جرّ إسرائيل إلى جولة انتخابات ثالثة خلال أقل من عام. وقال إن نتنياهو وضع مصالحه الشخصية قبل مصلحة الدولة ودعا السياسيين من كل الأطياف الحزبية إلى الكف عن اتخاذ موقف المتفرج إزاء تصرفات رئيس الحكومة هذه.
وعقّب غانتس على الاقتراح الذي قدمه رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، والقاضي بمنح نتنياهو عفواً رئاسياً في مقابل انسحابه من السياسة، فقال إن “أزرق أبيض” سيدرس الاقتراح وأكد أنه سيكون من الأفضل عدم رؤية رئيس حكومة آخر في السجن.