استقبال زعيم البوليساريو يباعد المسافة بين الرباط ومدريد

حجم الخط
26

الرباط- خالد مجدوب: لم يمر استقبال إسبانيا لأمين عام جبهة “البوليساريو” إبراهيم غالي، مرور الكرام بالنسبة للمغرب، الذي استدعى سفير مدريد لديه، ريكاردو دييز رودريغيز، احتجاجا على ذلك.

وفي 25 أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت وزارة الخارجية المغربية استدعاء السفير الإسباني، لاستنكار استقبال غالي في إسبانيا من أجل تلقي العلاج من فيروس كورونا.

التوتر بين الرباط ومدريد هذه المرة، ليس كالسابق، خصوصا في ظل حدة تصريحات الدبلوماسية المغربية، رغم العلاقات القوية التي تربط البلدين، بعدد من المجالات مثل الاقتصاد والأمن، وغيرها.

وبدأ النزاع بين المغرب و”البوليساريو” حول إقليم الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول الخلاف إلى نزاع مسلح استمر حتى 1991، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.

وتصر الرباط على أحقيتها في الصحراء، وتقترح كحل حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب “البوليساريو” بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

تعاون وثيق وعلاقات متقلبة

لا تزال تداعيات هذا الاستقبال تثير الكثير من المداد والتصريحات التي وصفت بالحادة خصوصا من الرباط.

وتساءل ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، في حوار مع وكالة الأنباء الإسبانية “إيفي”، حول ما إذا كانت إسبانيا “ترغب في التضحية بالعلاقات الثنائية”، بسبب هذه القضية.

واعتبر بوريطة خلال الحوار، في 1 مايو/ أيار الجاري، أن هذه القضية “تشكل اختبارا لمصداقية علاقتنا وصدقها، وحول ما إذا كانت تشكل مجرد شعار”.

وذكر أن “المغرب لطالما ساند إسبانيا في مواجهة النزعة الانفصالية بإقليم كتالونيا”.

وأضاف أنه “قبل السير خطوة واحدة إلى الأمام في العلاقات الثنائية يتعين أولا توضيح الأمور”، مشيرًا إلى أن البلدين تجمعهما بالفعل “شراكة شاملة، سياسية واقتصادية وتجارية وإنسانية وأمنية”.

وأردف: “لا ينبغي الاعتقاد بأنها علاقة انتقائية، إذ كلما تعلق الأمر بالتآمر مع الجزائر والبوليساريو يغادر المغرب شاشة الرادار الإسبانية، لكن عندما نتحدث عن الهجرة أو الإرهاب نعود لنصبح مهمين مرة أخرى”.

ولا تزال إسبانيا تحافظ على صفة الشريك التجاري الأول للمغرب منذ عدة سنوات، رغم التوتر الذي يطبع العلاقة بينهما بين الفينة والأخرى.

وقالت تقارير إعلامية إن المغرب سيخفض تنسيقه الأمني والاستخباراتي مع إسبانيا، إلى أدنى مستوياته إثر الأزمة الأخيرة.

وعمل المغرب على مد إسبانيا بعدد من المعلومات الاستخباراتية ساهمت في تفكيك خلايا إرهابية، خلال السنوات الماضية.

استقبال غالي.. خطوة مقصودة

وفي حديث للأناضول، قال محمد شقير، المحلل السياسي المغربي: “من الصعب القول إن هذا الحدث سيؤثر على طبيعة العلاقات بين البلدين”.

وأضاف: “خصوصا أن تلك العلاقات تضم المكون التجاري والاستثماري والبشري (يعيش في إسبانيا أزيد من 800 ألف مغربي)، ويشكل كل بلد للآخر بوابة على القارة الأوروبية أو الإفريقية”.

واستدرك قائلا: “المغرب قام باستدعاء السفير الإسباني، وتأجيل المشاورات ولجان مشتركة كرد فعل على الخطوة الإسبانية”.

وأردف: “في السياسة ليس هناك شيء اعتباطي، وكل شيء يكون له خلفية وخطة ومن ورائه أهداف ورسائل، لذلك ما قامت به مدريد كان مقصودا، خصوصا أن دخول غالي لإسبانيا تم عبر تأشيرة مزورة وبصفة مزيفة”.

وتابع: “مدريد قامت بهذه الخطوة ردا على عدد من الأمور المتعلقة بالصحراء، منها الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الإقليم، حيث أحست مدريد بالإبعاد من الملف، واعتبرته تدخلا من واشنطن في إطار حيزها المكاني”.

وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، اعتراف بلاده بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، وفتح قنصلية أمريكية بمدينة الداخلة، في الإقليم.

ولفت شقير إلى أن “إسبانيا اعتبرت المناورات المغربية الأمريكية قرب جزر الكناري (توجد بالمحيط الأطلسي أمام السواحل المغربية وتابعة للإدارة الإسبانية) استفزازا لها، لذلك أقدمت على خطوة استضافة غالي، لتبين للرباط أنها لا تزال طرفا فاعلا في الملف، وأن لديها ورقة سياسية ممكن أن توظفها وقتما تشاء”.

وفي مارس/آذار الماضي، أجرى المغرب والولايات المتحدة مناورات عسكرية في المحيط الأطلسي بالمنطقة الساحلية الواقعة بين مدينتي أغادير وطانطان جنوبي المملكة.

وتوقع المتحدث، أن “تتخذ الرباط خطوات دبلوماسية أخرى إذا قامت مدريد بحماية غالي من الشكايات ضده بسبب جرائم ضد الإنسانية”.

يُذكر أن عددا من الشكاوى رفعت ضد إبراهيم غالي لدى المحاكم الإسبانية في السنوات الماضية، بدعوى ارتكابه “جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان”.

والأحد الماضي، ذكرت وسائل إعلام مغربية وإسبانية، أن قاضي التحقيق بالعاصمة مدريد، أمر بشكل رسمي الاستماع لزعيم “البوليساريو”، موضحةً أن جلسة التحقيق الأولية تقررت في 5 مايو/أيار الجاري.

فيما لم يصدر أي تعليق رسمي من السلطات الإسبانية حول هذا الأمر، لغاية مساء الإثنين.

رفض ألماني واستقبال إسباني

بدوره، قال تاج الدين الحسيني، الأكاديمي والخبير المغربي في العلاقات الدولية، للأناضول، إن “استضافة مدريد لغالي ليس صدفة بل بناءً على تدخل وتواطؤ، خصوصا أنه دخل لأراضيها بهوية مزورة”.

ووصف الحسيني، هذه الخطوة بـ”الفعل الجنائي، بحسب القانون الدولي”، مضيفا أن “القانون الجنائي الإسباني يعاقب على مثل هذه الأفعال لأنها قائمة على التزوير”.

وأوضح أن “هذا الفعل يشكل التفافا على القضاء، سواء بإسبانيا أو الاتحاد الدولي، خصوصا في ظل شكايات ضد غالي باقتراف جرائم”.

وأفاد بأن “مدريد تحاول تحقيق توازن إقليمي مع كل من الرباط والجزائر، وتحاول الحفاظ على مصالحها عبر توازن في علاقتها بين الطرفين”.

واستدرك: “لكن هذه الطريقة الأخيرة (استقبال غالي) تميزت بنوع من التقهقر في تقدير الأمور، خصوصا أن ألمانيا رفضت استقباله، وهو موقف سليم”.

وبحسب تقارير إعلامية مغربية، فإن ألمانيا رفضت استقبال غالي، خصوصا بعد التوتر الأخير في علاقاتها مع المغرب، والذي وصل حد قطع الرباط للعلاقات مع السفارة الألمانية، جراء “خلافات عميقة تهم قضايا مصيرية”، بحسب الخارجية المغربية.

وتابع الحسيني: “عندما افتضحت قضية التزوير أصبح الأمر أسوأ من كون إدخال وقبول غالي لأسباب إنسانية أو صحية، مما تسبب في إحراج لإسبانيا وإظهار تواطؤها مع الجزائر”.

ورأى أن “المغرب سيكون رابحا أمام المجتمع الدولي، خصوصا أن مسألة غالي والبوليساريو باتت تشكل إحراجا للدول، وهو ما اتضح جليا بعد هذه الخطوة”.

الرباط وإقليم “كتالونيا”

أمين عام حزب “التقدم والاشتراكية” المغربي المعارض، نبيل بنعبد الله، قال في بيان، إن “حزبه يتابع بقلق بالغ، استضافة الجارة إسبانيا للمدعو إبراهيم غالي”.

ووصف بنعبد الله ذلك بـ”السلوك المُتناقض تماما مع ما يقتضيه التعاون وحسن الجوار”.

ولفت أن “ما يثير استنكارنا لهذه الخطوة، ليس هو الجانب الإنساني، بل لجوءُ إسبانيا إلى التستر عن الموضوع، واستقبال الشخص المذكور بهوية مُزورة، وعدم إخبار بلادنا بذلك”.

وأضاف: “من واجب إسبانيا أن تقدم تفسيرا لسلوكها الذي لا نتفهمه، والمتمثل في حماية المعني بالأمر فوق أراضيها، وهو المتهم بارتكاب جرائم حرب خطيرة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، حيث لم يتجاوب القضاء الإسباني مع دعاوى أصحابها وضحاياها”.

من جانبه، تساءل الأكاديمي المغربي عمر الشرقاوي، قائلا: “لنقلب الآية مع الجيران الإسبان، ماذا كان سيكون موقفهم لو أن المغرب وافق على استضافة زعيم الانفصال بإقليم كتالونيا، كارلس بوجديمون، بعد فراره من إسبانيا، هل كانت حكومة مدريد ستقبل بمبرر الدوافع الإنسانية أو بحجة اللجوء السياسي؟”.

وأضاف الشرقاوي مدونا عبر “فيسبوك”: “طبعا كانت الجارة الإسبانية ستقيم الدنيا ولن تقعدها، وستمارس ضغوطا رهيبة على المغرب وقد تتهمه بدعم الانفصال والمس بالوحدة الإسبانية”.

وأفاد بأن “إسبانيا ترتكب اليوم خطأً سياسياً كبيرا اتجاه جار يقدم لها يوميا خدمات استثمارية وأمنية ولكنها تصر على طعنه من الخلف”.

سبتة ومليلية

في 22 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، استدعت مدريد سفيرة الرباط لديها، كريمة بنيعيش، على خلفية تصريحات مغربية تتعلق بقضية مدينتي سبتة ومليلية، الواقعتين شمالي المغرب وتابعتين للإدارة الإسبانية، وتطالب الرباط باسترجاعهما.

وقبلها بثلاثة أيام، تحدث رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، في مقابلة مع قناة “الشرق”، عن “إمكانية فتح ملف سبتة ومليلية في يوم ما”.

ووفق ما أوردته وكالة الأنباء الإسبانية، فإن “كاتبة الدولة المكلفة بالشؤون الخارجية في إسبانيا كريستينا غالاش، استدعت سفيرة المغرب وأخبرتها أن بلادها تتوقع من جميع شركائها احترام سيادة ووحدة أراضي إسبانيا”.

وبحسب الوكالة، طالبت غالاش، “سفيرة المغرب بتقديم توضيحات بخصوص تصريحات العثماني”، فيما جددت السفيرة المغربية موقف الرباط الثابت من قضية المدينتين.

وجاءت هذه التطورات في ظل تأجيل الحوار الاستراتيجي بين البلدين، وحديث وسائل الإعلام عن تواصل مدريد مع إدارة جو بايدن للعدول عن قرار ترامب بالاعتراف بمغربية الصحراء.

وتخضع سبتة ومليلية للإدارة الإسبانية، رغم وجودهما أقصى شمال المغرب، حيث يبلغ عدد سكان مليلية حوالي 70 ألف نسمة، وتخضع لسيطرة إسبانيا منذ عام 1497، بينما يعيش في سبتة نحو 80 ألف شخص، حيث خضعت للبرتغال عام 1415، قبل أن تضمها إسبانيا في 1580.

وترفض المملكة المغربية الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني على المدينتين، وتعتبرهما جزءًا لا يتجزأ من التراب المغربي، وتطالب الرباط مدريد بالدخول في مفاوضات مباشرة معها على أمل استرجاعهما.

وتظهر الأرقام الرسمية أن مدريد هي الشريك التجاري الأول للرباط منذ عام 2012، حيث تنشط أكثر من 800 شركة إسبانية بالمغرب.

وعلى الصعيد الأمني، استطاع البلدان بناء جسور الثقة لمواجهة تهريب البشر والمخدرات (عبر البحر المتوسط) والإرهاب العابر للحدود، حيث فككت العديد من الخلايا الإرهابية بطريقة مشتركة.

وانتقل التعاون من مستوى تبادل المعلومات إلى تنظيم ندوات علمية حول المخاطر الأمنية، وطرق التنسيق لمواجهتها، وغيرها.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الرحيم:

    المغرب ليس دمية في يد إسبانيا وسوف يتحرك دبلوماسيا لمواجهة هده المؤامرة الخبيثة التي كشفت الغطاء عن الوجه الحقيقي للجارة الشمالية . ثانيا إلا قتصاد المغربي متنوع ولا يعتمد على الاستثمارات الإسبانية بشكل مطلق .ثالثا المغرب لازال صامدا على المطالبة بسبتة ومليلية ليس خوفا من إسبانيا بل حكمة منه لأن ملك المغرب والشعب المغربي يفظلان الحل السياسي السلمي استرجاع كل مضاع من ترابه الذهبي

  2. يقول الريف:

    اسبانيا تعرف جيدا ان المغرب اقتسم الصحراء الغربية مع موريتانيا الي قسمين وتعرف جيدا نضال الشعب الصحراوي ضدها من اجل التحرر
    علاقات مع الكيان الصهيوني لايصنع تاريخ وتويتة الاخبل ترمب لاتعطيك بلد وشعب

  3. يقول عادل:

    الجزائر قصدت معالجة السيد رئيس الجمهورية الصحراوية في اسبانيا عن عمد ولم تقدم أي طلب لألمانيا كما يدعي البعض كذبا وسوف يعود إلى الجزائر معززا مكرما شفاه الله

    1. يقول المغربي_المغرب.:

      أنا من وجهة نظري المتواضعة… أعتقد أن بقاء ابن بطوش في إسبانيا…ولو في أحد سجونها…. أفضل من أن يعود الى تندوف المحتلة.. وتلحقه طائرة حربية مغربية بزميله البندير….!!!

  4. يقول سليم:

    ضاع الشرف العربي إذا عالجت اسبانيا مريضا عربيا, يا للعار.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية