استيراد الطاقة.. 40 مليار دولار سنوياً ترهق تركيا اقتصادياً وتضعف استقلالية قرارها السياسي 

إسماعيل جمال
حجم الخط
0

إسطنبول: “القدس العربي”:

تعتبر مصادر الطاقة أبرز معضلات تركيا تاريخياً، حيث تفتقر إلى مصادر مهمة للطاقة سواء البترول أو الغاز الطبيعي، وهو ما يكلفها قرابة 40 مليار دولار سنوياً باتت تمثل أكبر عبء مرهق للاقتصاد التركي وعاملا يحاصر تركيا سياسياً ويضعف استقلالية قراراها الخارجي، في ظل ارتهانها للكثير من الدول التي تستورد منها النفط والغاز.

وفي محاولة للتغلب على هذه المعضلة، لجأت تركيا في السنوات الأخيرة إلى عدة مشاريع لبناء محطات للطاقة النووية السلمية من أجل توليد الكهرباء، أبرزها مشروع محطة “أق قويو” النووية التي يتم بناؤها بالتعاون مع روسيا، ويتوقع أن تنتهي مرحلتها الأولى عام 2023، إلى جانب مشاريع كبرى لتوليد الطاقة من الهواء ومشاريع الطاقة الشمسية، حيث افتتح رجب طيب أردوغان قبل أيام أكبر مصنع في تركيا لصناعة ألواح توليد الطاقة الشمسية، إلى جانب مشروع ضخم جداً لبناء عشرات السدود لتوليد الطاقة الكهربائية من قوة دفع المياه.

لكن المشاريع السابقة تبقى بعيدة المدى ولا تستطيع أن توفر الكثير من فاتورة الطاقة الأساسية من البترول والغاز الطبيعي، وهو ما دفع الحكومة التركية أكثر للتركيز في السنوات الأخيرة على عمليات التنقيب عن الغاز والنفط في البحرين الأسود والأبيض المتوسط، وجرى شراء وبناء عدد من سفن الأبحاث والتنقيب والتي تقوم منذ أشهر بعمليات بحث واسعة من البحر الأسود وحتى شرق المتوسط في محاولة للوصول إلى مصادر الطاقة التي يعتقد أن المنطقة غنية بها، رغم حجم المخاطر السياسية والعسكرية التي رافقت العملية وما وصلت إليه الأمور من إمكانية الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة وواسعة مع اليونان، وربما دول أخرى مطلة على المتوسط، قبل أن يبدأ الحديث عن اكتشافات هامة لمصادر الطاقة.

فاتورة مرعبة  

في عام 2019، وعلى الرغم من انخفاض فاتورة واردات تركيا من الطاقة بنسبة 4.2%، إلا أن إجمالي واردات تركيا من الطاقة بلغ 41 مليارا و184 مليون و553 ألف دولار، بعد أن كان هذا الرقم 43 مليار دولار عام 2018، بحسب الأرقام الرسمية التي أصدرها معهد الإحصاء التركي، مع الإشارة إلى صعوبة القياس على إحصائيات النصف الأول من عام 2020 الذي شهد إغلاقاً عالمياً وتوقف فيه الإنتاج والحركة لأشهر في تركيا أيضاً أدى إلى انخفاض فاتورة الطاقة بشكل لافت.

وتعتبر فاتورة الطاقة الأكبر في الواردات التركية الخارجية، حيث بلغ إجمالي واردات تركيا 202 مليار دولار عام 2019، منها 41 مليار دولار للطاقة، أي أن تركيا الطاقة تمثل ما نسبته أكثر من 20% من إجمالي الواردات التركية وهو ما يشكل عبئا كبير على الاقتصاد التركي.

ويرى مختصون أن الانخفاض الطفيف في فاتورة الواردات التركية من الطاقة لا يعبر عن تراجع في احتياجات البلاد من الطاقة، وإنما نتيجة انخفاض أسعار النفط عالمياً، وبالتالي فإن ذلك يعطي مؤشراً على أن فاتورة الطاقة التركية تتصاعد بشكل مستمر ويزيد عبؤها على الاقتصاد التركي.

احتياجات تركيا الهائلة من الطاقة غير المتوفرة بالداخل، رفعت فاتورة الواردات التركية من الخارج، وهو ما يؤدي بدوره إلى خلل متواصل في الميزان التجاري على الرغم من تحقيق الصادرات نموا متصاعدا وكبيرا في السنوات الأخيرة، إلا أن فاتورة الطاقة كانت دائماً ترجح كفة الواردات على الصادرات التركية.

الميزان التجاري  

يقول أوزهان أقينر رئيس مركز أبحاث سياسيات واستراتيجيات الطاقة في تركيا، إن الانخفاض في فاتورة الطاقة ناتج عن انخفاض سعر البترول عالمياً، لافتاً إلى أن فاتورة الطاقة تؤثر بشكل كبير على عجز الميزان التجاري.

وقال: “تسعى تركيا بكل الطرق لتقليص العجز في الميزان التجاري عبر رفع الصادرات الأخرى من تركيا للخارج لتقليص العجز، لكن فاتورة الطاقة كانت على الدوام عائقاً أمام ذلك”.

كما أدى انخفاض الليرة التركية بشكل كبير وتدريجي طوال السنوات الماضية، إلى زيادة عبء فاتورة الطاقة على الاقتصاد التركي بشكل كبير جداً، وهو ما ظهر على شكل ارتفاع كبير في نسب التضخم عقب ارتفاع الأسعار، حيث تعتمد المصانع على استيراد المواد الخام والطاقة بالدولار من الخارج، وهو ما رفع بدوره من مستوى الديون العامة. وبعد أن كانت الحكومة التركية عام 2010 تحتاج إلى 1.6 ليرة لشراء دولار لدفع فاتورة الطاقة، باتت اليوم بحاجة إلى 7.4 ليرة مقابل كل دولار لسداد فاتورة الطاقة من الخارج.

تحدٍ سياسي وعسكري  

يرى سياسيون وكتاب أتراك، أن بلادهم واقعة تحت ضغط سياسي وتحديات عسكرية؛ بسبب ارتهانها للخارج فيما يتعلق بالطاقة، لافتين إلى أن الاعتماد بشكل كبير على روسيا وإيران وأذربيجان يمثل مصدر تهديد للسياسة التركية واستقلاليتها، حيث اضطرت أنقرة مراراً لاتخاذ مواقف سياسية وعسكرية حفاظاً على استمرار تدفق مصادر الطاقة إليها.

وفيما يتعلق بروسيا التي تعتبر أكبر موّرد للغاز إلى تركيا، اضطرت تركيا في الكثير من المناسبات لتجنب إغضاب موسكو والحفاظ على مستوى جيد من العلاقات معها رغم الخلافات التي تصاعدت في كثير من الأحيان وذلك للحفاظ على استمرار تدفق الغاز.

ورغم التهديد بعقوبات أمريكية على كل من يستورد النفط من إيران، اضطرت أنقرة لرفض التهديدات الأمريكية وبقيت تستورد النفط من إيران كونه خيار مفضل بسبب القرب المكاني وأفضلية السعر وصعوبة توفر بدائل سريعة له.

وفي الصدام العسكري الأخير الذي وقع بين أذربيجان وأرمينا، وصلت الاشتباكات إلى مناطق قريبة من الخطوط التي تنقل الغاز الأذري إلى تركيا، ما دفع تركيا للتحرك سياسياً وعسكرياً لتفادي إصابة الخطوط وحصول عجز في إمدادات الطاقة.

وبحسب إحصائيات عام 2017، كانت إيران تتصدر قائمة الدول التي تستورد منها تركيا النفط ومشتقاته المختلفة وبفارق كبير عن الدول الأخرى، واستوردت تركيا في ذلك ما مجمله 11.5 مليار طن من المشتقات النفطية من إيران، وهو ما يعادل 27% من إجمالي الاستيراد، بينما حلت روسيا في المرتبة الثانية بنسبة 18%، والعراق في المرتبة الثالثة بنسبة 16.5%، وحلت الهند رابعة بـ8% والسعودية خامسة بـ5%، كما تستورد كميات أقل من الكويت واليونان وبلغاريا وإسرائيل وإيطاليا.

وفيما يتعلق بالغاز الطبيعي، وبحسب تقارير الدولة الرسمية لعام 2017، فإن تركيا تعتمد بالدرجة الأولى في تأمين احتياجاتها الهائلة من الغاز على روسيا بنسبة تصل إلى 52%، بينما تحل إيران بالدرجة الثانية مباشرة بنسبة تصل إلى 17%، فيما تؤمن ما نسبته 12% من احتياجاتها من أذربيجان، و8% من الجزائر، و2.5% من نيجيريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية