اسرائيل ـ سرية الاخلاق

حجم الخط
0

‘يا له من قدر كبير من النفاق لدى القوى العظمى الغربية، هكذا يقولون في اسرائيل، فكيف بهم ينسحبون جميعا من ‘الخط الاحمر’ الذي رسموه بأنفسهم، يفرون من الواجب الاخلاقي لضرب كل من استخدم سلاحا كيميائيا. الكارثة مرة اخرى معنا، يتهمون اسرائيل. صحيح، هذه المرة، السوريون هم الذين يبادون، ولكن الدرس هو درسنا. مرة اخرى تلقينا دليلا على أنه محظور التعويل على اي دولة في العالم، وفقط بقوتنا يتعين علينا أن ندافع عن أنفسنا مثلما علمنا بنيامين نتنياهو، الذي نسي بان قوتنا تعتمد على سلاح امريكي، مساعدة امريكية ويهود امريكيين. والان احد لا يمكنه ان يلومنا اذا ما هاجمنا ايران. شكرا، ايها السوريون الاعزاء.
ولكن اذا كان استخدام السلاح الكيميائي هو على هذا القدر من الفظاعة، حتى اكثر من قتل 110 الاف مواطن سوري، فلماذا لم تنهض اسرائيل، الناجية من الكارثة، على قدميها، فتبعث بطائراتها الى الاهداف التي تعرفها جيدا وتصفي مخزونات السلاح الكيميائي، وربما ايضا النظام السوري؟ فقد سبق أن هاجمت سورية وليس لمرة واحدة، وليس لها اي مشكلة في ان تهاجم دولة أجنبية عندما يكون هناك تهديد امني مسلط على رقبتها. غير ان سورية هي مشكلة مفخخة. عندما توجه الصواريخ جنوبا فان هذه فقط مشكلة اسرائيلية، ولكن عندما تقتل مواطنيها فانها مشكلة اخلاقية عالمية، والاخلاق العالمية، كما هو معروف هي مناهضة لاسرائيل. إذ ان هذه هي ذات القيم والاخلاق التي يطالب اصحابها اسرائيل بالانسحاب من المناطق، والسماح للفلسطينيين باقامة دولة، وعدم ابعاد اللاجئين من افريقيا وعدم فرض عقوبات جماعية على سكان باكملهم، وعدم ظلم الاقليات وعدم بناء سلاح نووي.
مثل هذه الاخلاق التي وقعت اسرائيل على المواثيق التي ولدتها، تمزق نياط القلب الطيب لاسرائيل. فمن جهة، على خرقها تسند أمنها. اذا ما اطاعتها فستمس بشخصيتها كما وصفتها، ولكن اذا واصلت التنكر لها فلن تتمكن من العمل باسمها كي تنقذ مواطني سورية. لاسرائيل التي تتردد لم يتبقَ غير ان تختار لنفسها بعض الاخلاق من هنا وبعض الاخلاق من هناك، وان تجسر الثغرات بينهما بالكلام. هكذا تخلق دولة يهودية ديمقراطية وعديمة الاخلاق.
سيكون هناك من يقول ان دولة صغيرة محاطة بالاعداء لا يمكنها أن تسمح لنفسها بان تكون ذات اخلاق سامية. ما تسمح السويد، النرويج وهولندا لنفسها، فان اسرائيل المهددة لا يمكنها أن تفعله. وها هي حتى هذه الدول لا تسارع الى ارسال الطائرات الى سورية او دعم التأهب الامريكي للهجوم. فهل يتعين علينا ان نكون اخيارا اكثر منهم واخلاقيين اكثر منهم؟ فهذه ليست دول عالم ثالث، ديكتاتوريات مريضة تقتل شعوبها. هي دول ‘مثلنا’، قدوة تحتذى.
ولكن الاخلاق لا يمكنها أن تكون قيمة قابلة للمقارنة، لا يحق لها أن تحني رأسها امام اعتبارات سياسية داخلية وخارجية أو اقتصادية، وعندما تتلوى حول مثل هذه الاعتبارات تصبح هي نفسها انتهازية: ببساطة تخدم افعالا نذلة، وتبرر احيانا غض النظر، وتكون على نحو شبه دائم موضع ازعاج. لاسرائيل مثل ما للسويد، بريطانيا والولايات المتحدة كل المبررات الاخلاقية للهجوم على سورية، ولكن كل واحدة منها تستثني الاخلاق لصالح قضاياها، السويد ستدعم فقط عملية دولية، الولايات المتحدة تستند الى اسرائيل كأحد المبررات للهجوم. اما اسرائيل فتطلب الهجوم لانه سيخدم مصالحها؛ مثلا سيكون رسالة لايران.
ولكن مقارنة بالسويد، بريطانيا واسبانيا فان احدا لا يدعو اسرائيل الى المشاركة في الهجوم. فهي مطالبة بان تنظر من بعيد كي لا تدنس ‘اخلاقية’ العملية الامريكية بمشاركة اسرائيل. اسرائيل الاحتلال، التي تركل اتفاقات الاخلاق الدولية، ليست مدعوة لان تكون شريكا حتى في معركة لانقاذ الحياة. فكيف علقت في هذه الزاوية الظلماء؟ هذا القلق هو الذي ينبغي ان يقض مضاجع الاسرائيليين، بدلا من تعليم امريكا الاخلاق.

‘هآرتس 4/9/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية