بينما تواصلُ حربُ تحطيمَ كلّ شيءٍ
في القلبِ وأكنافه
بعينين مغلقتين وقلبٍ أعمى
ثمّة سيدةٌ تحرسُ الحطامَ
الذي كان قبلَ بضعِ قذائف بيتًا وأغنياتٍ وسماوات
تقلّبُه بين يديها الهائلتين
أملا أن يظلّ على قيدِ الحياة
وتنادي أبناءها تارةً
ونباتاتها تارةً أخرى
تنادي… والقذائفُ تهطلُ
لا الحطامُ فتحَ عيناً
لا كائنٌ استجابَ لندائها
ولا هي كانت ترى شيّئا… إلا الأمل.
٭ ٭ ٭
الولدُ الذي (شعره كيرلي وأبيضاني وحلو)
كنتُ أظنّ أن اسمَه يوسفُ
الآن عرفتُ أن اسمه كان: غزة
والحفيدة التي كانت روح روحِ جدّها
كنت أظنّ أن اسمَها (ريم)
الآن عرفتُ أن اسمَها كان: غزةُ
والأبُ…
الذي ظلّ حاضنا طفلته
التي انتشلها الناسُ من بين يديهِ حيّةً
بعد أن استقرّ سقفُ البيتِ فوقَ ظهره بضعةَ أيامٍ
الآن عرفتُ أن اسمَه كان: غزةُ
وأنا
الذي ولدتُ في وقت
كان لأسماء مثلَ: جهاد، وثائر، وثورة، معنى مجنحاً
كنتُ أعتقدُ أن اسمي (نضال)
الآنَ بعد خمسةِ عقود وبضعِ سنين
الآنَ فقط عرفتُ أن (نضال) كان اسماً حركياً
وأن اسمي الحقيقيَّ: غزة.
٭ ٭ ٭
الأمّ والأب
لم تخطئهما القذيفةُ هذه المرّةَ
أمّا الأبناءُ فقد نجوا
الكبرى
ذاتُ السنواتِ التسعِ
أصبحت ذاتَ مهمّةٍ جديدةٍ الآنَ
أصبحت أمّا وأبا لبنتين وولدين
من فورها لملمتِ الصغارَ
ونصبت دعاءها خيمةً
جنبَ الركامِ الذي كان قبلَ شهقةٍ بيتا وسماءً
وراحت تحكي لهم حكاية أمّ وأب
خبآ أبناءهما في قلبِ الياسمينةِ
وراحا يَصُدّان حرباً هائلةً بما أوتيا من أغنيات
من وقتها لم يرجعا بعدُ
ومن وقتها أيضا راح يدفقُ كلّ صباحٍ
من قلوب أبنائهما
عصافيرٌ كثرٌ
والكثيرُ من الأغنيات.
٭ ٭ ٭
«هؤلاء أبنائي»
كانَ رجلٌ يصرخُ
وقد ضمَّ إلى روحِهِ كـيـسا صغيرا
لا خلْقَ في المجرّةِ
فقطْ ثمّةَ رجلٌ يصرخُ
«بقايا بنتين وولدين هنا
كانوا أربعةً قبلَ قذيفةٍ واحدةٍ
كانوا أربعةً
وهذا كلُّ ما تبقى منهم
في كيسٍ صغيرٍ
يا ربَّ إبراهيم…
سأجعلُ على كلِّ جبلٍ منهم جزءا
وأتركُ دعوتَهم لك
إنّـهم أبنائي وأعرفُهم
أدعهم… يا ربَّ إبراهيم
أدعهمْ وسيأتونك سعيا
٭ ٭ ٭
حلّقوا أيها الصغارُ
ثمّة عدالةٌ في مكانٍ ما
جِدوها… ولا تنتظروا أن تجدَكم
حلّقوا أيها الصغارُ
بما أبقتِ الحربُ من أجسادكم
ثمّـةَ أغنياتٌ كثيرةٌ في انتظاركم
وأحلامٌ كثيرةٌ تنتظر دماءَكم كي تزهرَ
حلّقوا كما تشاءون
إنما لا تبتعدوا
ظلّوا قريبين من أجلنا
نحن الذين لم نتعلم التحليقَ صِغارا
وبقينا ننتظرَ العدالةَ
أملنا أن تجدنا
قبل أن يلتهمَنا كلُّ هذا الحطام.
٭ ٭ ٭
لا مقابرَ في المدينة
المدينةٌ مقبرةٌ وفقط
مقبرةٌ تشبه تشوّها في عين المجرة
أو ثقبا في قلب العالم
تنتظرُ أن يلتمّ شملُ الياسمين والعصافير والأغاني
قبلَ أن تفردَ جناحيها الهائلين
لا لتطير بعيدا عن هذا الحطامِ
إنما لترقصَ وتغني
من أجلِ الحياة.
كاتب وشاعر أردني