اعتزال الصدر… بين ‘التشيع السياسي والتسييس الشيعي’

حجم الخط
10

فاجأ الزعيم الديني العراقي مقتدى الصدر انصاره قبل خصومه بالاعلان عن اعتزاله العمل السياسي، واغلاق كافة المكاتب التي تمثله، وقطعه العلاقات مع نوابه في البرلمان، وتحذيره لاي شخص او كتلة من الحديث باسمه، سواء داخل العراق او خارجه.
وحسب نص الاعلان فقد تراوحت الاسباب بين دينية وسياسية وعائلية، مثل ‘درء المفاسد’، وهو مقدم في الشريعة على جلب المنافع في اشارة الى تعاظم خطر الحرب الاهلية والاستقطاب الطائفي، والخروج من ‘افكاك السياسة والسياسيين’، وهو تعبير واضح عن الغضب من الاوضاع السياسية في البلاد بشكل خاص، وانتقاد مباشر للحكومة ذات الاغلبية الشيعية، واخيرا ‘الحفاظ على سمعة آل الصدر’، وهو اعتراف ضمني بالانتهاكات التي ارتكبها بعض انصاره.
ويصعب حصر المقاربات الممكنة لتقييم هكذا قرار يتفق في اسلوبه مع تاريخ مقتدى الصدر المزدحم بالتحولات الحادة، والتغييرات الدراماتيكية التي كثيرا ما عبرت عن ضعف خبرته السياسية، وكذلك المسؤولية الثقيلة التي وجد نفسه مضطرا لحملها في سن مبكرة بعد سقوط نظام صدام حسين في العام 2003.
ولايستبعد البعض ان يكون القرار في ضوء تاريخ الرجل مجرد مناورة سياسية قد يتراجع عنها في الوقت الذي يراه مناسبا لجني الثمار سواء على مستوى التجاذبات السياسية، او فرض نوع من السيطرة على ممارسات غير منضبطة لبعض روافد تياره.
وعلى اي حال لا يمكن النظر الى اعتزال الصدر بمعزل عن الاوضاع السياسية والامنية بالغة التعقيد في العراق، ما جعل البعض يرى في القرار قدرا مهما من الحكمة السياسية باعتبار انه استخدام لاسلوب الصدمة ضد خصومه، او نوع من القفز من السفينة الغارقة.
اما على الصعيد السياسي فان ‘اختفاء’ كتلة الصدر المشاغبة في البرلمان، والمكونة من اربعين عضوا من بين 325، قد يؤدي الى ارتياح ‘ائتلاف دولة القانون’ الذي يقوده المالكي، الا انه في الحقيقة يرفع عن الحكومة وممارساتها الموسومة بالطائفية الغطاء الاخلاقي والسياسي من احد اكبر التيارات الشيعية في البلاد نفوذا وشعبية.
كما ان القرار يعكس قناعة الصدر بفقدان العملية السياسية مصداقيتها واهليتها، بعد ان اسهمت في تعميق الانقسام بل والاحتراب الطائفي، ما جعل كثيرين يحذرون من ان البلاد تنزلق بسرعة نحو حرب اهلية واسعة.
ويثير اعتزال الصدر اسئلة مهمة بشأن ما اذا كان حان الوقت لاعادة تقييم نتائج هيمنة المؤسسة الدينية على الساحة السياسية ونظام الحكم في العراق.
وبكلام آخر هل مازال مقبولا ان تواصل المراجع الشيعية، من مقاماتها العلمية والدينية الرفيعة وطبيعتها الايديولوجية المحصنة، الانغماس في المستنقع السياسي المثقل بطبيعته بالمكايدات والتناقضات والاخطاء والمؤامرات؟
وهل اشارة مقتدى الى انه سيكتفي بالانكباب على العلم والدرس والارشاد الروحي، رسالة ضمنية الى باقي المراجع الشيعية، خاصة بعد ان انحدر التحزب الطائفي في البلاد الى درك غير مسبوق؟
وهل التشيع السياسي بمعناه الايجابي المتمثل في الثورة على الظلم، اقتداء بالحسين بن علي رضي الله عنه، يقتضي ‘تسييسا’ لمذهب ديني وعمامات سوداء يفترض ان تبقى بعيدة عن شبهة المساومة بين مصالح الوطن وضرورات فقه الطائفة؟
اما على الصعيد الامني، وبعد ان فقدت حكومة نوري المالكي السيطرة على اجزاء كبيرة في غرب البلاد، حققت قوات ‘داعش’ تقدما استراتيجيا مفاجئا في منطقة سليمان بيك الحيوية شمال بغداد، في محاولة واضحة لاستنساخ نجاحها في مدينة الرمادي.
ويمثل نجاح داعش في الاستيلاء على هذه المنطقة الاستراتيجية في وسط العراق تهديدا مباشرا لمدينة كركوك الغنية بالنفط، وللطريق المؤدي الى بغداد، والمحطة الرئيسية التي تزودها بالكهرباء في بيجي، كما ان قربها من مدينة تكريت وهي معقل انصار الرئيس الراحل صدام حسين المناوئين للحكومة، وجبال حمرين الوعرة، قد يمنح تلك الجماعة دعما لوجستيا يمكنها من موطئ قدم قادر على استهداف العاصمة.
وبالرغم من اعلان الجيش قبل عدة ايام عن نجاحه في اخراج ‘داعش’ من تلك المنطقة، الا ان التقارير الاخبارية اكدت امس استمرارالقتال هناك ما يشي بمزيد من الارتباك والتخبط من جانب الحكومة.
ولايتورع الجانبان عن الاستناد الى دوافع دينية مزعومة في اشعال نيران طائفية ‘غير مقدسة’، وهو ما قصده السيد مقتدى، عندما حذر من ان بعض ‘المفاسد’ اصبح يستند الى ‘منطلق شرعي’ مزعوم.
اما في القاموس السياسي فان تحول غرب العراق ووسطه الى ‘سوريا جديدة’، وما يعنيه من انفصال واقعي للشمال والجنوب قد يحول ‘الدولة الفاشلة’ بالفعل الى كارثة حقيقية تمتد آثارها الى المحيط الاقليمي ذي الاهمية الاستراتيجية.
فهل تكون استقالة الصدر مقدمة لاستقالات مستحقة قبل فوات الاوان؟

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رضوان بن الشيخ عبدالصمد:

    تحياتي لقدسنا العزيزة
    أن السيد مقتدى يدرك ان العملية السياسية في العراق انتهت .لأن المالكي هوالحكومة والحكومة هي المالكي .

  2. يقول حسين خميس - المنصورة:

    تحليل عميق وراقي لقضية معقدة. سلمت يداك.

  3. يقول فرات الجبوري:

    داعش
    ان داعش لم يكن لها وجود في العراق بل هناك قوات مدربة وعميلة وماجورة لايران العمائم وادخالها في المناطق الثائرة لتشويه سمعة الثوار اللذين برفضون سيطرة ملالي طهران على العراق وما داعش وسواها هم اداة لضرب الثوار والله اكبر

    1. يقول ابن بطوطة - فلسطيني -:

      ا – القدس جامعة … بمواطنيها القدس عربية موحدة … فلنتوحد جميعا سنة و شيعة و مسيحين للاستئصال السرطان الصهيوني و نحرر القدس لنا لنا جميعا

  4. يقول سامح // الامارات:

    شكرا لقدسنا العزيزة ع المقال الجميل .
    * برأيي المتواضع …يوجد إحتمالان لإعتزال رجل الدين ( مقتدى الصدر )
    وانسحابه من ( المشهد السياسي العراقي ) …؟؟؟
    * الأول : صحوة ضمير …والنأي بنفسه من الجرائم التي تحدث كل يوم
    ف العراق …سواء من قبل الجماعات المتطرفة …أو من قبل قوات المالكي .
    ** الثاني : خطة ( ايرانية ) …كاهنة وخبيثة …لإبعاد الصدر عن المشهد
    العراقي …المرشح لتطورات خطيرة قد …تضطر ( ايران ) سحب ثقتها من
    ( المالكي ) …ومنحها ( للصدر ) …وشن حملة كبيرة …لتبييضه وتلميعه
    وجعله بمثابة ( المنقذ ) الوحيد لخروج العراق من المستنقع الرهيب :
    وإحلال الإستقرار والسلام ف ربوعه .
    شكرا .

    1. يقول محمد علي الايراني:

      اخي سامح من الامارات
      الشعب العراقي هو من انتخب قادته
      لا يحق لنا القاء التهم جزافا وعدم احترام الشعب العراقي بكل اطيافه
      يحق لك الا تحب المالكي او لا تحب حكومه العراق
      فهناك شعوب كثيرة في الشرق الاوسط لا تحب حكوماتها .. واشك انك تستطيع التعبير عن ذلك

  5. يقول نور:

    أيا كان السبب فهذا يدل على حنكة سياسية وعلى اعتراف بسوء الأحوال وبتعنت المالكي وحاشيته. يحسب لآل الصدر هذا القرار الذي ربما سيغير النظرة الطائفية السائدة اليوم.حفظ الله العراق وطنا واحدا

  6. يقول حسين ارغواني:

    انه کانت خطوة جريئة و لو کانت متاخرة مقتديا بالسيد السيستاني و بآل الصدر. و لو ان الشهيد الصدر قام بتاليف کتب سياستنا و اقتصادنا قبل انتصار الثورة الاسلامية فی ايران انه لم يبقی حيا حتی يری الثمار السياسِة و الاقتصادية الکارثية للحکومة الدينية التی وضع اسسها الفکرية و العقائدية.
    الانحراف قد حدث فی الخطوة الاولي حين اسس الامام الخميني حکومته الدينية الاستبدادية علی اساس نظرية الولاية الفقيه مخالفا للشوری و الديمقراطية و موافقا للاکراه فی الدين.

  7. يقول سامح // الامارات:

    للأخ ( محمد علي الإيراني ) .
    يا أخي محمد …لم أكتب شيء جديد …القاصي والداني يعرف :
    * أنّ ( ايران ) …حاليا …تتحكم في ( العراق وسوريا ) …ونصف ( لبنان ) ..؟؟
    الشعب العراقي الأبي الذي تتكلم عنه …( إنتخب ) السيد ( الهاشمي ) الذي أصبح
    الرجل الثاني بعد المالكي …ولكنه وقف ضد تدخل ايران السافر والمكشوف
    ف العراق …ما ذا كان مصيره …؟؟؟ والأمثلة كثيرة .
    * معظم مشاكل ( العراق ) …سببه ( التدخل الإيراني ) بشؤونه …؟؟؟
    * معظم مشاكل ( سوريا ) سببه التدخل الإيراني …؟؟؟
    * معظم مشاكل ( لبنان ) سببه التدخل الإيراني …؟؟؟
    هذه حقائق ع الأرض …وليس إفتراءات وتخمينات يا طيب .
    شكرا .

  8. يقول أ.د. خالد فهمي - تورونتو - كندا:

    السلام عليكم…شكراً للقدس العربي على تناول هذا الموضوع الهام بالنسبة للعراق وللمنطقة.

    أنا من الذين يرون خطوة السيد المجاهد مقتدى الصدر هذه على أنها جس نبض الشارع العراقي أو بالون أختبار لاتباعه وللسياسيين العراقيين وأعتقد (والله تعالى أعلم) أنه سيعود ولكن بأسترتيجية ونظرة جديدة للعراق والعراقيين والدليل على ذلك هو أعتزاله وتفريق نوابه قبل الانتخابات القادمة.

إشترك في قائمتنا البريدية