من ملاسنة شبه اعتيادية بين النائب أسامة العجارمة ورئيس مجلس النواب، تدحرجت أزمة واسعة في الأردن، ومصطلح الدحرجة يرتبط بالحكومة الحالية التي يقودها الرئيس بشر الخصاونة، عندما استخدم هذا التعبير وزير الإعلام في الحديث عن مسربي بعض الوثائق الرسمية من مقر الحكومة، إلا أن ما أخذ يتدحرج هو الأزمات، التي أتقنت الحكومة التغيب خلالها لتترك الساحة أمام الاجتهادات الفردية، لمن يتطوع من الحكومة بالخروج والتصريح، أو من قبل أي مسؤول قريب من الحكومة.
بدأت الأزمة عندما أصر النائب على مناقشة حادثة انقطاع الكهرباء عن مناطق واسعة في المملكة قبل أسبوعين، وهو الأمر الذي رفضه رئيس مجلس النواب لعدم إدراجه على الأجندة، ليتلفظ النائب بكلمات مسيئة للمجلس، أدت إلى اتخاذ قرار بتجميد عضويته، وكالعادة أتى اللجوء إلى العشيرة، والتصعيد الأمني في المقابل، وبدأت فوضى التصريحات، وصولاً إلى استقالة النائب في رسالة بررها بصلاحية الملك في حل مجلس النواب، التي اعتبرها شيئاً من العبودية، مع أن هذه الصلاحية لم تكن جزءاً من تطورات المشكلة أو فصولها، كما أنها لم تستخدم في السنوات الأخيرة إلا في حالات كانت المطالب الشعبية هي التي تحركها، ومن أكثرها حضوراً في الذاكرة، المقالة النارية للكاتب الراحل خالد المحادين «مشان الله يا عبد الله» سنة 2009 التي وصفت البرلمان بمجلس الامتيازات والتجار والمقاولين، ويستذكر الأردنيون تصويتاً هزلياً خاضه المجلس ليمنح أعضاءه تقاعداً استثنائياً، كان بعض النواب خلاله يصوت برفع كلتا يديه.
تورط النائب من جديد في خلط الأمور نتيجة لحماسته، ورغبته في التأكيد على حضوره وشعبيته، فبعد تصويره ممتشقاً سيفاً بين أنصاره، وبعض حوادث الشغب التي أتبعت الاحتجاجات على تجميد عضويته، والتصريحات والبيانات غير المناسبة، يستمر النائب في خلط الحابل بالنابل من جديد، في ظروف ما زالت تتفاعل منذ أسابيع، شهدت خلالها الأردن ظروفاً استثنائية بعضها غير مسبوق، مثل وقائع الفتنة، التي يتوقع أن تعود إلى الواجهة مع قرار المدعي العام تحويل المتهمين الرئيسيين إلى القضاء.
العشيرة لا يمكن أن تكون هي المشكلة، فالمشكلة تتأتى من ضعف الدولة الذي يغري الأفراد بالبحث عن حواضن أخرى
العشيرة كمفهوم حضرت أيضاً بصورة مشوهة، وكأن الأردن وحده هو الذي يعاني من سطوة العشيرة، وكأن طوائف لبنان والعراق مثلاً ليست عشائر، أو تنظيمات فلسطين، والعشيرة لا يمكن أن تكون هي المشكلة، فالمشكلة تتأتى من ضعف الدولة الذي يغري الأفراد بالبحث عن حواضن أخرى، ولذلك فمن الكلاسيكي أن يتم إقحام العشيرة في كل شيء في الأردن، حيث يجد البعض مناطق معتمة وفجوات مفتوحة في بنية الدولة، يمكن مواجهتها أو استغلالها من خلال التلويح بالعشيرة، ولذلك فقراءة المشهد الأخير من خلال العشيرة مضلل وغير منتج، لأنه يأتي على أعتاب وجبة من الإصلاح السياسي، يقال، إنه إصلاح شكلي واسترضائي، وليكن، فكثير من تجارب الإصلاح بدأت كذلك، وتوطدت من خلال عملية طويلة وعسيرة، والقوى السياسية يمكنها أن تلتقط الإصلاح وتتمسك به، ويمكنها أن تفشله وتهدره. أي قراءة مغرضة للأحداث الأخيرة في الأردن ستذهب إلى تجنب الإصلاح، الذي يعزز الديمقراطية، وستصب في صورة عدم الجاهزية للديمقراطية، وسيزيد المخاوف الاجتماعية تجاه الإصلاح، فالمجتمعات العربية، بعد تجربة الربيع العربي أصبحت متحفظة تجاه التغيير، وبالفعل فالإصلاح على مستوى العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، والتوجه إلى حكومة برلمانية، وما إلى ذلك من خطوات إصلاحية مطلوبة لا يضمن في حد ذاته الصعود بطبقة سياسية مختلفة عن التي ظهرت في المجالس النيابية الأخيرة، ويعود السؤال، في الأردن وغيره من الدول العربية، إلى منطقة آليات صناعة النخب السياسية. في مرحلة ما من تاريخ التطور السياسي في الأردن، أخذت الحكومات في اللجوء إلى الأكاديميين، مع الإبقاء على نكهة المحاصصة، وعززت مفهوم التكنوقراط، أو «الخبز لخبازه» وبطبيعة الحال شهدت الحقبة التكنوقراطية تراجعاً كبيراً، فالأساتذة القادمون من بين كتبهم ومراجعهم، من غير تجربة سياسية، أثبتوا عدم قدرتهم على التصدي لملفات يفترض أنها في صلب اختصاصاتهم، وتحول الجسد الأكاديمي في الأردن خلال فترة قصيرة إلى مستودع للغاضبين والناقدين، الذين يزدادون شراسة مع استمرار تجاهلهم، وكانت قبلهم الوجوه العشائرية، والنقابيون وفئات أخرى، كلها تريد أن تهبط بالمظلة على مواقعها، ولا أحد يريد أن يصعد السلالم الصعبة المليئة بالتحديات والمشكلات.
النائب العجارمة شاب على قدر كبير من النشاط والجرأة، وكان يقدم خدمات كثيرة لأبناء دائرته الانتخابية، الذين تصادف أنهم أيضاً أبناء عشيرته، ولكنه لم يكن مؤهلاً سياسياً منذ اللحظة الأولى، ومع ذلك لا يمكن إدانته في هذه النقطة، لأن يشبه الأغلبية العظمى من أعضاء المجلس، في خلفيته ومرجعياته، ورسالة استقالته تتطلب الوقوف ملياً أمام أفهام كثيرة، توزعت واختلفت حول الإصلاح السياسي، فالمطلوب من مجلس يستطيع أن يبقى وأن يمارس دوره هو وجود نواب حقيقيين في جانب العرض، ينتخبهم المواطنون، في تلك الحالة يمكن للركن النيابي أن يكون في موقعه الصحيح في المعادلة، وأن يتصدى للإصلاح السياسي الذي لا يتوقف عند جولة واحدة، ويتطلب بيئة سياسية حاضنة تمتد وتتسع وتشمل المستبعدين من آليات صناعة النخب التقليدية واليائسين منها.
كاتب أردني
“وجبة من الإصلاح السياسي، يقال، إنه إصلاح شكلي واسترضائي، وليكن، فكثير من تجارب الإصلاح بدأت كذلك، وتوطدت من خلال عملية طويلة وعسيرة”
هل من الممكن الاتيان بمثال عما سبق ام انه كلام مرسل لا دليل عليه، وهل فعلاً الاصلاح الشكلي يمكن ان يوجد في نواته اصلاحا فعليا حتى يُنتِج اصلاحا حقيقاً؟
التصريح بما سبق وهو ان نتلقف ما ترميه الحكومات بشغف وفرحة فقط لان اسمه اصلاح ولا يوجد غيره فهذا يشجع الحكام على المضي في الاعيبهم تجاه الشعوب والاشتراك مع الحكام في تضليل الناس وتمرير المؤامرات عليهم