عمان – «القدس العربي» : يبدو رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز متحمساً وهو يستخدم أصابع يديه بعدة أشكال خلال إطلالته التلفزيونية الأخيرة، التي تزف البشرى للأردنيين بأن الحكومة انتهت من وضع خطة لما يسمى بـ «أولويات وطنية» .
يتحدث رؤساء الحكومات في العادة للرأي العام بلغة متحفظة وفيها الكثير من الفوقية.
لكن جرعة الحماسة في الصورة التلفزيونية التي ظهر بها الرزاز لا يمكن إلا ملاحظتها، فالإصبع ينزل للأسفل للتأكيد، والإبهام يتحرك أفقياً للنفي، وإيقاع اليدين يتحرك على شكل دائرة عند التحدث عن شمولية الخطة، ويشبك إصبعين مع حركة إيحائية عند التعبير عن هوس الحكومة ورئيسها بالسقف الزمني حصرياً.
تلك ملاحظات قد لا تعني شيئاً في النتيجة لأنها تعكس بشكل خاص حماسة رئيس الحكومة لوضع خطة أصلاً، وهو أمر نادر بات الشارع الأردني يمارس الحنين إليه إلى أن يترجم الإحباط جراء عدم التنفيذ لاحقاً.
عندما يتعلق الأمر بما سماه الرزاز نفسه أمام «القدس العربي» بأزمة المصداقية الكبيرة بين المواطن والسلطة، قد لا تنفع كثيراً الحركات الإيحائية لأن الرزاز يقر وبلسان واضح بأن الأردني اليوم يطالب بإجراءات وقرارات بعدما ملّ الوعود، ولأن الوعود وتلك الخطب الإعلامية التوجيهية لم تعد تكفي لإقناع الأردنيين كما لاحظ وزير الإعلام الأسبق الدكتور محمد المومني وهو يراجع مرتين على الأقل مع «القدس العربي» آخر سلسلة من نصائحه قبل مغادرة حكومة الرئيس الدكتور هاني الملقي، وأيضاً لأن الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي أكبر أحزاب المعارضة، الشيخ مراد العضايلة، مُصِرٌ على أن طريق الإصلاح الجذري والعميق يعرفه صناع القرار ولا يعتريه الغموض اليوم .
لافت جداً في السياق أن الجرعة التلفزيونية التي قررها الرزاز مجدداً خرجت بالتزامن مع تمكنه من العبور بقانون الضريبة الجديد سيء السمعة والصيت، الأمر الذي يوحي ضمنياً بأن المقصود بحديث الحكومة عن وضع خطة ستنفذ وبحركة الإصابع واليدين، هو سعي الرزاز لإظهار مستوى الالتزام إذا ما هضم الشارع قانون الضريبة الجديد.
في التفاصيل، تحدث الرجل عن حماية الطبقة الفقيرة وإنتاج 30 ألف فرصة عمل في العام المقبل على الأقل. كما تحدث عن حماية الطبقة الوسطى وتحفيز القطاع الخاص ورفع مستوى التعليم والخدمات الصحية.
ويؤشر الرزاز أيضاً إلى عودة برنامج ما يسميه بخدمة الوطن بدل خدمة العلم بموجب قانون العسكري، وعن قراره بتفعيل «المتسوق الخفي» لضمان جودة أفضل في خدمات القطاع العام.
الجديد في منهجية حكومة الرزاز هو تحديد أولويات وطنية تخصص لها ولأول مرة بنود واضحة في الموازنة المالية لعام 2019، وهي الفكرة التي أدت أصلاً إلى استقالة المدير العام لدائرة الموازنة الدكتور محمد الهزايمة، باعتبارها غير واقعية ولا يمكن تنفيذها. والجديد في المقابل أن الرزاز يربط بين صياغة جديدة بالشكل والروح لمشروع الموازنة المالية يحكمها إطار أوسع باسم مشروع النهضة الوطني .
يحصل كل ذلك عملياً دون تعريف مضامين مشروع النهضة، ودون ترسيم وتحديد خطوات الإصلاح السياسي التي ينبغي أن تتخذ بالتوازي. وهنا لا تتحدث الحكومة للمعارضة عن أي تفاصيل ذات قيمة وسط تكرس القناعة بأن قانون الضريبة الجديد يضع الأردنيين جميعاً في مؤسسات القرار وفي الشارع أمام اختبار جديد تماماً لم يألفه الطرفان.
هذا الاختبار بلغة الناس وخبراء الاقتصاد اسمه الحقيقي الاعتماد في تمويل الخزينة بعد الآن على جيب المواطن، واثر قرار مركزي بنهاية مسألة الاعتماد على المساعدات الخارجية في تفكير مطبخ القرار. ولأن الحكومة لا تطلق هذا الاسم الصريح على خطتها، فإنها تميل إلى بعض الملطفات والتسميات ذات الصلة بقضية الأولويات الوطنية ومشروع النهضة الوطني والمتسوق الخفي إلى آخر هذه القائمة من عبارات التجميل التي تحاول تغليف الطريق الإجباري الجديد والقائل بكل اللغات عملياً بأن الخزينة ستنفق والمواطن سيدفع.
اختير الرزاز تحديداً كشخصية ناعمة لتنفيذ هذه المهمة الخطرة والحساسة التي لم يختبرها سابقاً لا الحكم ولا الشعب الأردني. ويجتهد الرئيس باستخدام كل ما يمكنه من عبارات التزويق والتجميل بالعبور بالوطن والمواطن في هذه المرحلة الصعبة. وحتى اللحظة، لا أحد يريد أن يقرأ أو يتوقع ما الذي تعنيه على الأرض وفي البلد نهايات القرار الأساسي والمركزي الذي يدفن الدولة الريعية. هنا تحديداً مربط الفرس والمهمة الأصعب التي ينبغي أن يتهيأ لها الجميع.