عمان – «القدس العربي»: «النظام الصحي».. عبارة مفتاحية تمثل «كلمة السر» المركزية في قراءة وتفسير التغيير الوزاري الأخير والمثير في الأردن.
لأول مرة تماماً يصدر عن القصر الملكي خطاب تكليف لرئيس وزراء جديد الجزء الأهم منه يتعلق بـ»الملف الصحي» بعد عقود من مرور عابر على المسألة الطبية والصحية في سلسلة طويلة من خطابات التكليف. وواضح تماماً أن المهمة الصعبة والمعقدة التي ألقيت في حضن رئيس الوزراء الجديد المكلف الدكتور بشر الخصاونة لن تكون سهلة في ظل تفشي الفيروس مرحلياً وانكشاف ظهر القطاع البيروقراطي الطبي ليس في الحكومة فقط ولكن في الدولة.
بعد تكليف بشر الخصاونة «المهمة العاجلة» بتشكيل الحكومة
«إصلاح» القطاع الطبي بالتأكيد هي كلمة السر الأساسية في تكليف وتشكيل حكومة الخصاونة وسط ظرف سياسي واقتصادي في غاية التعقيد، فخطاب التكليف الملكي تحدث بإسهاب عن الفيروس كورونا، وأمر بإنشاء المجلس الطبي للأوبئة والأمراض السارية.
كما تحدث عن شمولية تأمين النظام الصحي وزيادة عدد الأسرة في المستشفيات وتوسيع قاعدة التعافي الصحي ضمن حزمة مشاريع تتطرق للتفاصيل ولأول مرة أيضاً، خلافاً للمألوف في تشكيل الحكومات الأردنية.
«إخفاق الرزاز»
الإقرار ضمنياً واضح أيضاً بأن الحكومة السابقة، برئاسة الدكتور عمر الرزاز، «أخفقت» في المسألة الصحية والطبية بالتأكيد، مع أن رئيسها وطوال الوقت ومنذ أكثر من عامين، يتحدث دوماً عن تحسين خدمات القطاع العام وتحديداً في مجالي الصحة والتعليم، حيث أمر الملك الخصاونة أيضاً بالانتقال إلى تطوير العملية التعليمية عن بعد وبشكل متسارع ومنهجي.
تلك مهمة سياسية بامتياز، وإن كانت محلية تماماً. لكن السؤال الذي بات مطروحاً بقوة وفورا: هل يستطيع الدبلوماسي بشر الخصاونة، وابن القصر، آخر عامين، تنفيذ المهمة المركزية بسلاسة وتسارع؟
مبكراً عند محاولة الإجابة، يمكن القول بأن حكومة الخصاونة تعرف مسبقاً، عبر رئيسها، التفاصيل المطلوبة في الرؤية الملكية. وتعرف عبر رئيسها، الذي حضر كل الاجتماعات المغلقة والمفتوحة، طبيعة وتفصيلات المهمة المطلوبة، لكن هذه المعرفة قد لا تكفي لإحداث ما يمكن وصفه بثورة إدارية بيضاء في النصوص على الأقل، يصدر الضوء الأخضر المرجعي لدعمها في قطاعين هما الأهم محلياً وخدماتياً، وهما الصحة والتعليم.
ثمة مشكلات بالجملة في القطاعين، بعضها له علاقة بالسياق البيروقراطي السياسي والكلاسيكي المهتم بالتحذير من ثورة «داكنة» أو بلون حائر.
وبعضها الآخر له علاقة بالمسارات الأمنية، فقبل الموجة الأولى من الفيروس كورونا وفي أثنائها، قرع جرس الإنذار بقسوة وقوة في أعماق البيروقراط والدولة تحت عنوان الفوبيا من حراك أو تحريك موظفي القطاع العام. حصل ذلك وقد شهد تفاصيله الدكتور الخصاونة انطلاقاً من موقعه في المكتب الملكي قبل رئاسة الوزراء وبتوقيع نقابة المعلمين التي أثارت صدمة بيروقراطية في الواقع الموضوعي قبل إغلاق فروعها وتحول سياقها من مطلب معيشي إلى سياسي، يمهد لمعادلة قد تكون جديدة في عمق القطاع العام. خطوط حمراء بالجملة حاولت تجاوزها نقابة المعلمين قبل إخضاعها، والإنذارات الأمنية والسياسية والبيروقراطية كانت أيضاً متراكمة في كل مفاصل القرار.
وبالتالي، في ملف التعليم يمكن القول بأن مهمة معقدة وصعبة ثانية بين يدي الدبلوماسي الخبير والشاب والنشط الذي انتقل بسرعة كبيرة من سفارة بلاده في باريس إلى رئاسة طاقم استشاري في مكتب الملك ثم إلى الدوار الرابع قبل أن يبدأ وفوراً مشاوراته الوزارية، أمس الخميس صباحاً، بزيارة مجلس الأعيان، وفقاً للتقاليد والأعراف. في مسألتي الصحة والتعليم، ثمة خطوط «حارة جداً» ونقاشات خلف الستارة والكواليس من النوع الساخن.
والانطباع سابق لتشكيل حكومة الخصاونة وسط الحرس البيروقراطي القديم بأن المطلوب ضمن خطط هيكلية ولأغراض ضبط القطاع العام الانقضاض سياسياً وتشريعياً وعملياً على النظامين الصحي والتعليمي الأقدم في المملكة لصالح أنظمة جاهزة ومعلبة ومستوردة وتحت شعار وهتاف التحديث والتطوير. وثمة مخاوف بعنوان يقترح بأن المطلوب تغيير بنيوي أشمل من التطوير في ملفي التعليم والصحة.
وثمة مخاوف من أن القطاعين في اتجاههما لتجاذب وتأثير نافذ من بعض رجال الأعمال أو الشركات العابرة للقارات والحدود ومجموعات «البانكرز» .
وهنا ثمة تفاصيل كثيرة بعضها يتحدث عن تجويف مفاصل في القطاع العام أو تجريف خبرات سابقة، أو الانتقال إلى مستوى متقدم جداً وحساس في المجال الحيوي لفكرة إعادة إنتاج الدولة الرعوية تحت عنوان شراكات مع القطاع الخاص يمكن أن تزيد مستقبلاً كلفة وفاتورة الصحة والتعليم على المواطن.
وعملياً، تلك مخاوف حتى الآن فرضية ونظرية.
ويعتقد بأن المطلوب من حكومة الخصاونة، بعد إنضاج طاقمها، الانتباه إلى تلك المخاوف والإجابة عن أسئلة مطروحة فنياً وبيروقراطياً، والأهم طمأنة جميع الشرائح والأطياف بأن المسألة تتعلق بارتقاء تطويري وفني وليس بمسلسل فرضية تفكيك القطاع العام كما يعرفه الجميع. أغلب التقدير أن الخصاونة لديه إجابات مبكرة، فهو يترأس مجلس الوزراء بعدما كان فاعلاً وناشطاً في المطبخ منذ عامين.
مشروع متطور
لكن الأهم وقبل الغرق في تفصيلات الأجندة السياسية في الوزارة الجديدة، يمكن القول مبكراً بأن الأسئلة التي ستطرح على حكومة الخصاونة الاستثنائية والمبشرة بالخير والتي يعكس تشكيلها التقاطاً ذكياً لمعطيات المرحلة، هي على الأرجح تلك الأسئلة من الصنف البيروقراطي والفني، وليس من الصنف السياسي؛ لأن الملفات السياسية كانت تتابع وستبقى في المطبخ العابر في الحكومة، حيث كان الخصاونة قبل تكليفه.
ويعلم الجميع أن مشروعاً متطوراً في المجال الصحي والتعليمي والوبائي نضج تماماً خلال ستة أشهر ماضية، احتكرت فيها وزارة الرزاز المشهد دون إنجازات بنيوية حقيقية.
ويعلم الجميع بأن اختيار الخصاونة تحديداً لأغراض التنفيذ والإشراف والسهر عليه هو خطوة متسارعة ونشطة وأقرب إلى «مهمة عاجلة» نحو تطبيق ذلك المشروع بدلاً من البقاء في هوامش المناورة والمبادلة ما بين مؤسسات القرار عشية تخطيط عدة أطراف لـ»الأردن الجديد».
الوزراء الذين سيختارهم الخصاونة سيحددون، إلى أبعد مدى، مستوى الإجابات عن بعض الأسئلة وإن كانت الملفات ستبقى ساخنة بكل الأحوال، وقد تصبح أبرد قليلاً فقط تحت ضغط الديناميكية النشطة التي يتميز بها رئيس الوزراء الشاب، فالخصاونة الرئيس اليوم من خارج النادي التقليدي، ولا علاقة له بشلل أو مجموعات أو مراكز قوى، وقفز بسرعة خلال عامين لكن سجلاته في الأداء تؤكد بأنه قليل الكلام وكثير التركيز على الأفعال.