عمان – «القدس العربي» : لا تبدو الأدلة «قوية وصلبة» على حصول «تلاعب أو تزوير» في الانتخابات الأردنية التي أعلنت نتائجها النهائية والقطعية مساء الأربعاء، وإن كانت الأقاويل كثيرة والتكهنات متزاحمة، فيما القرائن توفرت حتى من المنظمات التي اعتمدت رسمياً للمراقبة على حصول مخالفات وعلى توثيق ملاحظات.
تلك الانطباعات سياسياً، لا تعني إلا «حقيقة واحدة وأخيرة»، قوامها «نجاح واسع» لمشروع «هندسة النتائج» بعد «هندسة القوائم» في انتخابات عقدت في ظل التفشي الفيروسي، وتتربع من الآن على عرش المواسم «الأقل شرعية» بالحسابات الرقمية، حيث شارك ما يزيد بقليل عن «29%» من الناخبين وتفوقت دعوات «المقاطعة»، ولها أكثر من سبب.
أسماء كبيرة سقطت و100 وجه جديد مع ثقل عشائري و«نكهة إخوانية»
لكن تلك الهندسة التي تحدث عنها مبكراً عبر «القدس العربي» الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي محذراً من تداعياتها أصبحت الآن أقرب إلى «مغامرة» من الوزن الثقيل، فأشرطة الفيديو المنفعلة لملاحظين على الانتخابات وخاسرين لها بدأت بالجملة تخاطب «الملك» للتدخل، وتوحي بأن موجة انفعال ما بعد إعلان النتائج قد تكون صعبة ومكلفة ومرهقة.
لكن الأهم أشرطة حية لمظهر مخالف أظهرت مؤسسات الحكومة الإخفاق الأكبر بمساحته، حيث عجز واضح ولا يمكن إنكاره عن ضبط الاختلاط وانفعالاته عند مراكز الاقتراع، وسقوط مقلق لكل أنظمة التباعد الاجتماعي ولتحذيرات اللجان الوبائية، ونتائج «وخيمة» متوقعة بعد أيام عدة إثر الفشل في «فرض الحظر الشامل»، ومنع الابتهاج وإطلاق الرصاص.
وهناك إخفاقان لا يمكن إنكارهما سياسياً: الأول له علاقة بأغلبية بنسبة 70% على الأقل قاطعت الانتخابات، ومدن كبيرة – منها عمان العاصمة – وجهت رسالة «العزوف وعدم الاهتمام»، مما يضفي مبكراً خللاً في شرعية المجلس النيابي المقبل، كما يتوقع الشيخ العضايلة وعشرات المراقبين. أما الإخفاق الثاني فيتمثل في «مجازفة» الإطاحة بـ»الوبائي» لصالح الاستحقاق الدستوري، حيث الإشكال فيما بعد الاقتراع وليس في أثنائه وقبله.
وفي حال العودة لاعتبارات الهندسة السياسية، يمكن القول بأن نتائج الانتخابات توزعت بين ثقل العشائر ورجال الأعمال، بالرغم من نجاح «100» على الأقل من الوجوه الجديدة التي ستنضم للعبة، فيما تراجعت نسبة التمثيل النسائي وظهرت شخصيات «شابة» بالجملة مع توازنات في المكونات الاجتماعية «لا تغامر» بالإصلاح السياسي.
هل هذا حصرياً هو المطلوب، وإلى أين يـقود؟
سؤال مطروح وبقوة، اختصرت المرشحة الخاسرة لمقعدها رولا الحروب، الإجابة عنه بالإشارة إلى عمليات تدخل بالجملة ومال سياسي فرض بصماته، والأهم إلى «نتائج تناسب المرحلة المقبلة». في المرحلة المقبلة الغامضة هندسياً لدى المعارض المتابع للعملية الانتخابية والناشط الحراكي محمد الحديد، وجهة نظر حرص على إسماعها لـ»القدس العربي» مسجلة، حيث قناعة بأن البرلمان المقبل «قريب من الإمارات والتطبيع» وفيه مركز ثقل عشائري ضخم ومقصود من أبناء القبائل، والهدف «سياسي وتطبيعي».
تلك استنتاجات قد يجاورها التسرع، لأن الثقل العشائري ليس بالضرورة في حالة اتجاه نحو قبول الملفات السياسية كما هي.
لكن الحديث مع المئات من المراقبين والنشطاء تحت الانطباع نفسه، وإن كان الناشط النقابي ميسرة ملص، وجه لوماً علنياً للحركة الإسلامية لأنها شاركت في «شرعنة» انتخابات لا يريدها الشعب الأردني، لا بل قاطعها بنسبة كبيرة.
هل فعل الإسلاميون ذلك حقاً؟
على الأرجع الجواب بـ»نعم»، وقد طلب الدكتور المخضرم عبد الله العكايلة، قبل خسارته للانتخابات، من «القدس العربي» مبكراً، توثيق نصيحته بالحذر من «لعبة هندسية» ستخصص «فتات المقاعد» للتيار الإسلامي، مقترحاً المقاطعة، فيما كان الشيخ العضايلة يقر بأن «التدخل بقسوة ضد الإسلاميين» في الانتخابات بعد المشاركة فيها قد ينعكس على الحسابات داخل التيار الإسلامي نفسه.
لكن العكايلة قد يكون الوجه الأبرز الخاسر للمواجهة بموجب النتائج الأولية، بمعية «بعض كبار» البرلمان السابق، حيث خسر الانتخابات أيضاً القطب المسيس باسم التيار المدني خالد رمضان، وخسرها تياره المثير للجدل بعد سلسلة انقسامات، وهو تيار «معا»، وخسر كذلك بعض «كبار مرشحي» التيار الإسلامي مقابل تقديم «بعض القيادات الشابة»، مثل ينال فريحات، نصير المعلمين المشهور، والإعلامي عمر عياصرة.
العياصرة والفريحات سيعبران عن «طاقة شابة متجددة» في برلمان 2020 ، وقفزتهما كانت بين المفاجآت، لكن بعض المخضرمين الكبار خسروا أيضاً لصالح «وجوه جديدة» لا يعرف الشارع عنها الكثير، وبين الخاسرين هنا رولا الحروب، والدكتور مصطفى ياغي، وغيرهما، حسب النتائج الأولية.
المناطقية والعشائرية ضربتا بقوة في النتائج، ومخضرمون من أقطاب البرلمان الأسبق عادوا وبقوة، وبينهم عبد الكريم الدغمي، وخليل عطية، وأحمد الصفدي، ونصار القيسي.
أما جماعة الإخوان المسلمين، فيبدو أنهم في الطريق لحصد مقاعد بعدد أقل من المتوقع، لكن بتعبير عن «نكهة خاصة» بعدما يسميه بعض المعترضين من داخل التيار الإسلامي اليوم بـ»مكر خديعة التورط بالمشاركة»، وفي ظل حضور ملموس لرموز «البزنس والثقل المالي» الذين يمكن التفاهم معهم لاحقاً بيسر وسهولة على «صفقات الإقليم» السياسية.
الانتخابات التي انتهت بأقل نسبة تصويت لأسباب مفهومة، صعب التشكيك بالتدخل القوي فيها، لكنْ سهل جداً توقع «هزات ارتدادية» لها في عمق المجتمع وحسابات الدولة العميقة… ويمكن الاستدلال على ذلك قريباً جداً من مراقبة مخزن الاقتحام لنخبة من معارضي الخارج وشريحة من معارضي الداخل الذين خرجوا من مولد العرس الديمقراطي بلا حمص.