الأردن: «تاع ولا تيجي»… والشعب يتقمص كليلة ودمنة… «فرانس 24»: «الجزائر على حق» ولكن؟

نصح صديق من أبناء التيار الإسلامي – تعليقا على انشغال فضائية «اليرموك» الأردنية بنقاشات قانون الجرائم الإلكترونية – تلفزيون الحكومة بالاستعداد لحملة «إرشادات من الصنف، الذي يظهر دوما عند الكوارث «.
صاحبنا، وهو حاد البصيرة، حاول تذكيري بإرشادات الدفاع المدني ووزارة الصحة أيام فيروس كورونا، مقدرا أن القانون الجديد، سيثير حالة فصام في عمق المجتمع، فكرتها تختصر بعبارة «احكي وانت ساكت»! أو أغنية فيروز «تاع ولا تيجي».
ما يقترحه زميلنا هنا، ظهور تلك الإعلانات الحكومية مع اللون الأسود أو الأحمر لتوزيع ارشادات لتجنب الكلام والنقد.
بين الإرشادات التركيز على لغة «الصم والبكم» أو تفعيل «نميمة الجارات» ووقف التقاط صور الأعراس ووقف بث مباريات كرة القدم.
كيف يتكلم الناس بعد الآن وبأي طريقة؟ على شاشة «فرانس 24 « ظهرت ملصقات تكميم الأفواه.
ويفترض بأجهزة متخصصة وقانونية تدريب الشعب على «إغلاق فمه»، حتى لا يظهر على شاشة «الجزيرة» متحدث فصيح ولبق، وهو الوزير السابق معن قطامين، لإبلاغ الكون أن الشعب الأردني بعد الآن سينزل تحت الأرض.

«كليلة ودمنة»

سألت صديقي الإسلامي عن جاهزيته للمرحلة المقبلة، خصوصا وأن نشاطه ملحوظ على الشبكة، ويصل لمستوى الثرثرة العامة.
صدمني بجوابه، فقد عاد الرجل الى كتاب «كليلة ودمنه»، وقرر أن يقول موقفه السياسي والنقدي بعد الآن، عبر ترميزات الحيوانات.
على سبيل المثال، يمكن للغراب أن يخبر القرد بعد الآن أن اتفاقية «وادي عربة» لم تعد قائمة، والسحلية قد تتحدث مع الفيل عن شبهات الفساد، أما الثعلب فيمكنه صفع البغل، وتنظيم مسيرة ثعالب للمطالبة بالخبز والكرامة.
الحاجة ملحة لدورات متخصصة في لغة «الصم والبكم»، بعد الآن.
لا جواب حتى اللحظة على الأقل، عند الزملاء في فضائية «المملكة»: إذا ما تجولت كاميراتكم في أسواق عمان الشرقية وأزقتها، وعرضت الناس وهم يعبرون الأرصفة بذهن شارد محبطين، وسألتهم عن الباص السريع، فقالوا «لم يحل مشكلتنا»، فهل ستلجأ البلدية لمحاكمة المواطن فقط، أم معه محطة «المملكة» أيضا؟
أحرجني شخصيا أحدهم بسؤال غريب: لنفترض جدلا أني قدحتك وشتمتك على صفحة شخصية لرئيس الوزراء، فقررت محاكمتي. هل يدفع رئيس الوزراء الغرامة أيضا؟
الجدل يتعاظم وتطبيقات نصوص القانون الجديد ستؤدي الى تكميم الأفواه والكاميرات والميكروفونات، لأن كل شيء – حصرا وحقا – كل شيء يفعله الأردنيون اليوم أو يقولونه موجود على منصة هنا أو تطبيق هناك.
إذا التقط فرع بنك ما صورتي أثناء مراجعة الفرع واستخدمها في برنامج دعائي على منصات البنك سأقاضيه فورا.
تلك وصفات تريد الحكومة أن نفهم منها أن الهدف الحفاظ على السلم الأهلي.
أرى العكس تماما، فالنصوص المطاطة المرنة وصفة لتأزيم السلم الأهلي.

لسنا دولة نفطية

تجاهلت محطات التلفزيون العربية عموما، جدل المطبوعات الإلكترونية الأردني باعتباره شانا محليا صغيرا، لكن كلمتين قالهما عبر «سي إن إن» الناطق باسم الخارجية الأمريكية تكفلتا بعاصفة شاشات تستعرض الجدل الأردني حول قانون محلي.
دخلت على الخط «سكاي نيوز» وبحثت محطة «فرانس 24» – وبالمناسبة لم تجد – عن خبير أردني واحد يستطيع شرح نصوص القانون الجديد للمشاهدين، فيما وحدها كاميرا محطة «الميادين» تنتقل من وقفة احتجاجية الى اعتصام، وتفرد مساحة واسعة للتغطية فتقف زميلة مختصة أمام كاميرا محطة «الميادين» لتعلن وسط حشد المحتجين: للعلم وسائل الإعلام والتلفزيونات المحلية لم تحضر لأغراض التغطية.
يعني ذلك أن غرفة الكونترول تسيطر على منتج الإعلام الرسمي، لكن تحت قبة البرلمان لا امكانية لضبط التعبيرات والتغطيات، وبالتالي شاهد المتلقي عبر البث الملتلفز الإلكتروني نائبا يصرخ في رموز الحكومة «اتقوا الله يا جماعة الخير لسنا في دولة نفطية».
النفط لا يمنع الحكومة من اقتراح مشاريع قوانين متشددة.
وعدم وجود أي نمط من الرفاه الاجتماعي لا يعني التمسك بتقاليد الماضي في توفير مساحة حديث وكلام للأردنيين.

شبكة الشر والفوضى!

«قناة الشر والفوضى والتلاعبات تستهدف الجزائر». يا ساتر: تلك أوصاف وغيرها صرفها الزملاء في وكالة أنباء الجزائر الحكومية لقناة «فرانس 24» الفرنسية، التي بالغت من جهتها في الاهتمام بـ»الحرائق» في الغابات الجزائرية، بقصدية ملموسة لإظهار «السلبي» في تعاطي الحكومة مع تلك الحرائق.
لست مع «توجيه الفاظ قاسية» ضد أي وسيلة إعلامية، حتى لو كانت «فرانس 24»، وما زلت أؤمن أن الرد الوحيد على أي استهداف إعلامي ينجز برواية مهنية مضادة.
لكن موضوعيا بعد العودة لتغطيات القناة الفرنسية تلمست الرغبة «غير المهنية» في «رش الملح على الجرح»، وبعض التهويل وغياب احترام ضحايا حرائق اجتاحت كل حوض البحر المتوسط.
بالمناسبة كنا وسنبقى وفي أي مواجهة مع «الجزائر» في الغرم والمغنم.

٭ مدير مكتب «القدس العربي» في عمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية