الأردن مقابل «دولة المستوطنين»

يقف الأردن، الرسمي على الأقل، مجددا أمام الاختبار الأعنف خلال الأسابيع القليلة الماضية وهو الاختبار الإسرائيلي. واضح تماما لجميع المراقبين والخبراء أن عمان دخلت في مستويات الحيرة والارتباك بعد مسلسل الانتهاكات التي تصر عليها الحكومة الإسرائيلية في القدس وبصورة تختبر بطبيعة الحال ودوما كل معطيات مساعي تقويض الوصاية الأردنية. وهي مسألة باتت تحصيل حاصل حتى بالنسبة لقطاع عريض من النخبة المحلية بما في ذلك النخبة المتحمسة أصلا لعملية سلام لم تعد موجودة أو لاتفاقية سلام يضرب العدو بأوراقها عرض الحائط عمليا أو نخبة متحمسة لعملية تطبيع لم تعد منتجة بقدر ما ساهمت في وضع الخيارات الاستراتيجية الاقتصادية في المياه والطاقة والغاز في حضن دولة الكيان الإسرائيلي.
الحيرة قد لا تعني شيئا محددا إذا ما استمرت، والاختبار الإسرائيلي حقيقة بدأ يحتك بكل المعطيات في عمق المعادلة الأردنية. لا بل بدأ يشكل خطرا حقيقيا على الوجود والكيان الأردني حيث قناعة راسخة تماما الآن بأن مسلسل تهويد القدس يبدأ حصريا بتقويض الوصاية الأردنية وبالرغم من كل المهدئات والتصريحات والبيانات الصادرة عن الخارجية الأمريكية أو عن الشريك الإسرائيلي العتيق إلا أن الصورة واضحة ولا تقبل التشويش فتل أبيب التي هي شريكة انقلابية الآن بل تهدد مصالح الأردن حكما وشعبا.
يسأل الأردنيون جميعا ماذا عسانا نفعل؟ ما الذي يمكن أن نقدمه أو نحجبه عن الإسرائيلي وهو يعبث بالطبق؟ الانطباع يزيد بأن تلك الخرق الزرقاء الناعمة التي رفعها آلاف المستوطنين بجانب الحرم المقدسي الشريف وبعمق المسجد الأقصى ما هي إلا رايات تهدف مجددا ليس لإخضاع القدس المحتلة وأوقافها الإسلامية والمسيحية فالقدس محتلة بكاملها ولكن تهدف الى إخضاع عمان والقاهرة ومكة وبغداد. وحدها بغداد اليوم تشرعن، عبر برلمان منتخب، لجريمة التطبيع. وحدها عمان بالمقابل تصر على أن التطبيع يمكن أن يفتدي الذات ويؤسس للمصالح العليا لكن ذلك حتى بقناعة نخبة عريضة التقيتهم شخصيا من صناع المفاوضات ورموز معاهدة السلام لم يعد حقيقيا بقدر ما أصبح وهما كبيرا من المؤذي جدا بعد الآن الادعاء بإنكاره أو الخوض بالتمنيات بخصوصه.
ما تفعله حكومة اليمين الإسرائيلي اليوم لا يدفن خيار الوطن البديل وبالتأكيد لا يدفن خيار النظام البديل. مجددا يسأل الجميع بحيرة ماذا نحن فاعلون؟ هل نستطيع فعل شيء محدد خلافا طبعا لإنشاءات وتصريحات وبيانات التنديد حيث تحتفظ آرشيفات وزارتي الخارجية الأردنية والفلسطينية اليوم بأطنان من الأوراق التي صدرت فيها تصريحات شجب واستنكار لانتهاكات إسرائيل تحديدا في المسجد الأقصى، فالمعركة اليوم معركة وجود على الأغلب وعنوان تهويد القدس وتصفية القضية الفلسطينية، على حد تعبير المخضرم طاهر المصري، مما يعني ضمنا المساس بكل ما هو ثابت ومقدس أردنيا.

لا يوجد أردني واحد، وبصرف النظر عن تكوينه واتجاهه السياسي، بمنجى أو بمنحى اليوم عن هدف المشروع الصهيوني في مرحلة ما بعد تهويد القدس وتصفية القضية الفلسطينية

لا يوجد أردني واحد، وبصرف النظر عن تكوينه واتجاهه السياسي، بمنجى أو بمنحى اليوم عن هدف المشروع الصهيوني في مرحلة ما بعد تهويد القدس وتصفية القضية الفلسطينية. ويبقى السؤال عالقا دوما ماذا نحن فاعلون؟
الأردن دولة خبيرة وعميقة تستطيع التعامل مع العنصر الإسرائيلي ومع المستجدات، لديها ما يكفي من الخبرة في العدو الذي بقي صامتا وساكنا لمدة ربع قرن تحت عنوان اتفاقية وادي عربة. يسألني شخصيا عدد كبير من المسؤولين ماذا نستطيع أن نفعل؟
بالتأكيد موقف الأردن الرسمي والملكي الأنظف والأنصع والأنبل والأوضح على المستوى العربي خصوصا في مسألة القدس وحقوق الشعب الفلسطيني. والوطنية عندما تكون أردنية لا تعني السماح لأن تهوّد إسرائيل القدس والأقصى، وتخطط للشرور بخدش ولو عمود كهرباء واحد في عمان.
لكنْ ثمة أوراق سياسية يمكن استعمالها على الأقل لافتداء الذات والوطن والتراب الأردني من الموجة الإسرائيلية المقبلة التي تحاول إخضاع كل شيء في طريقها.
الحذر والانتباه واجبان تماما بل مطلوبان الآن فالعدو واضح ومعروف ومحدد. عدم البقاء في حالة رهان فقط على سلطة متهالكة ورقة، التواصل مع فصائل المقاومة ورقة سياسية أيضا تجاهلتها عمان لسنوات طويلة، التحرك في الإقليم وممارسة الضغط على الإسرائيلي والأمريكي ورقة ثالثة. إعادة التفاوض على الاتفاقيات الاقتصادية التي تخدم في النهاية اقتصاديات العدو ورقة رابعة. العلاقات والتطبيع والسفارات خامسة. موقف الشعب الأردني ومؤسساته البرلمانية والشعبية ورقة سادسة.
الجعبة مليئة بالأوراق إذا ما فتحنا الملف الورقي بالطريقة الصحيحة وذلك لا يعني إعلان الحرب على العدو المجرم ولا يعني التضحية ولا يعني الاستشهاد أو الانتحار بقدر ما يعني عدم تمكين من رفعوا أعلام إسرائيل قرب الأقصى في الصف الأول من إخضاع عمان العام المقبل في قصة العلاقات مع الدولة العميقة العلمانية في المؤسستين العسكرية والأمنية في فرية وكذبة كبيرة أصبحت الآن مكشوفة.
وإسرائيل تمضي في طريقها لأنها أصبحت وبوضوح، وكما يقول بثقة خبيرنا الكبير الدكتور وليد عبد الحي، هي دولة مستوطنين وليست دولة حقيقية.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح //الأردن:

    *القاصي والداني يعرف أن الكيان الصهيوني المجرم غادر وماكر وخبيث.
    ويجب الحذر منه.
    حمى الله الأردن وفلسطين من شر المستوطنين الأوباش.
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد.

إشترك في قائمتنا البريدية