حسنا… اندفع الطاقم البيروقراطي الأردني الذي تحمس لانجاز «المعدل للجرائم الإلكترونية» لتسجيل هدفين أساسيين على حد تقديري وظني.
الهدف الأول ـ التصدي لتأثير مايكروفونات من ينتحلون صفة «معارضة خارجية» خصوصا في جزئية «التفاعل المحلي» مع منصاتهم بما فيها من «سموم».
الهدف الثاني ـ الاستجابة لملاحظات مرجعية وسيادية وأخرى أهلية في الواقع طالبت ومنذ 7 سنوات تقريبا بـ«آلية قانونية» تفلتر «الانتهاكات والمخالفات والإزعاجات والإساءات» التي تبرز وتقود أحيانا بوصلة الشارع في مجال التواصل الاجتماعي.
عمليا المختل ومنكر الواقع فقط يمكنهما «نفي» وجود انتهاكات واعتداءات وفبركات تطال الدولة والناس دوما. لكن السؤال الذي وضعت الحكومة في أذنها طينا وعجينا حتى لا تسمعه يصبح: هل تحقق النصوص الجديدة المقترحة والتي عبرت من خطوتها الدستورية الأولى وستعبر على الأرجح من الثانية والثالثة الهدفين الأساسيين المذكورين؟
أجزم شخصيا بأن ما سيحققه القانون الجديد هو «عكس الأهداف» الموضوعة سواء تلك العلنية أو السرية وللأسباب التالية:
منابر البث المخبول في الخارج ستستفيد حتما من ميكانزمات القانون الجديد التي توفر «مادة دسمة» الآن بين يدي المعارضين الخارجين يمكنهم العزف على أسطوانتها لعدة سنوات مستقبلا تحت يافطة خطاب للأردنيين البسطاء فكرته… « ألم نقل لكم، يريدون تكميم أفواهكم وحبس حريتكم ومنعكم حتى من الكلام المباح».
طبعا بعض المصطادين هنا سيضيفون بعض البهارات التي تتمحور حول فكرة «لماذا تكميم أفواه الشعب» والمقترحات في السياق تتراوح ما بين «حماية طبقة الفاسدين» إلى «مشروع التوطين وضم الضفتين».
الأهم في مسألة الهدف الأول ان «مايكروفونات» الخارج تلك «لا تطالها» بكل حال «تطبيقات القانون الجديد».
المسيئون الذين تتحدث عنهم الحكومة بالخارج «تحميهم قوانين اللجوء السياسي» ومعظمهم خرج أصلا بـ«ترتيب مسبق» ومع تغافل رسمي وملاحقتهم قضائيا أساسا متاحة بكل حال بالقوانين الأخرى.
وعليه لن يتم تسجيل ولو شبه هدف بالسلة الأولى.
المطلوب «مواجهة المخالفات والانتهاكات» بالتركيز على «رفع قيمة التعويض المدني بالحق الشخصي» قليلا لـ«ردع الاعتداء على كرامات الناس» بدلا من «التوقيف والحجز» لأن الثاني لن يكتمل وغير مفيد
وفيما يتعلق بضبط المخالفات وإقران «حرية التعبير بالمسؤولية القانونية»- نقصد الهدف الثاني- لن يتحقق المطلوب لعدة أسباب أهمها أن «المبالغة» في الغرامات ودمجها مع عقوبتي الحبس والتوقيف ثم التحدث عن «غرامة» في قضايا مثل «الذم والتشهير وتداول أخبار كاذبة» سيحيل البلاد ـ بسبب المصطلحات غير المعرفة-إلى غابة من «تبادل الشكاوى القضائية» بين الناس لن يستطيع الجهازان القضائي والأمني حقا التعامل مع نتائجها مما سيدفع الدولة بالتأكيد لاحقا لـ«دب الصوت» ثم «المراجعة».
باختصار ما قلناه حتى في وثيقة أودعت لدى الاستشارية الإعلامية في الديوان الملكي قبل سنوات بعد تشكيل «لجنة خبراء» تبرأ منها الجميع أن المطلوب «مواجهة المخالفات والانتهاكات» بالتركيز على «رفع قيمة التعويض المدني بالحق الشخصي» قليلا لـ«ردع الاعتداء على كرامات الناس» بدلا من «التوقيف والحجز» لأن الثاني لن يكتمل وغير مفيد ويحيل «المسيء المفترض» إلى بطل شعبي.
ما قدمه القانون الجديد لنا هو «مساحات نصوص مطاطة» كبيرة أفقية لن تحاسب من يخالف القانون فقط بل ستطال كل من لم يخالفه أيضا من المنشغلين بالمنصات ومواطن «التعبير» وما قدم لنا مؤخرا ردع على طريقة «قتل ذبابة بسلاح مدفعي» بحيث تتدمر القرية التي شوهدت فيها الذبابة المقصودة.
وعليه سيقمع – بعد الآن- المهنيين والمحترفين منصاتهم وصفحاتهم وسيخرجون من المعادلة فيما أوغاد «السوشال ميديا» والثرثارون وإلى حد ما المفبركون سيرتدعون قليلا على المنصات لكنهم سيحيلون حياة الحكومة إلى جحيم في المجتمع وسينجحون بتوفير ملاذات مع حواضن المجتمع ينقل «أفعالهم» من الشبكة إلى المجتمع مباشرة.
توقعاتي الشخصية: أن تبرز بعد الآن «شريحة انتهازيين» خبراء يرهقون الدولة والنخب وأصحاب الرأي وغيرهم بسلسلة لا تنتهي من الشكاوى القضائية على أساس نصوص القانون الجديد وبهدف «الابتزاز» وهو أمر لا يكلف اليوم إلا بضعة دنانير كرسوم شكوى لتبدأ اجهزة الدولة «مجبرة» بعملية تحقيق لا طائل منها بناء على «نصوص متاحة». طبعا ثمة «مخالفات وانتهاكات معيبة» خصوصا على التواصل. وطبعا كان ينبغي ردعها والدولة لها حساباتها. لكن طبعا بالمقابل اختير السلاح الخطأ للمواجهة وبدلا من «حماية المجتمع» سننقله بمغامرة تشريعية متسرعة إلى تأزيم اجتماعي خلافا لأن الردع يبدأ أصلا من «تثقيف وطني» شامل وأفقي بجدوى وأهمية الاستثمار في التواصل والمنصات وحدود وقيود المسؤولية والتعبير ولا يمكنه- أي الردع- أن يبدأ من عند وزير ينصح المواطنين بإغلاق صفحاتهم ومنصاتهم حتى تخلو له الساحة فيتقمص دور الراعي بدون أغنام.
عليه لم ولن يحقق النص الجديد الهدف الثاني أيضا بل سيحقق عكسه وما نقترحه على صناع القرار التوقف عن إنكار الحقائق والادعاء بأننا لم نحذرهم لا بل التوقف عن «توقع نتائج مدهشة» من مغامرة متسارعة من هذا الصنف.
بالخلاصة ننصح مركز القرار بمراجعة القانون الجديد الذي نرى بأن «تطبيقه على أرض الواقع» شبه مستحيل حتى ولو بالقطعة والتقسيط والتأثيرات على الجميع سيئة للغاية. على غرار «ذبحتونا» المختصة بالعلمية التعليمية نقولها باختصار» فضحتونا» لكن الوقت لم يمر بعد ويمكنكم التراجع.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»