الإصرار على أن الذباب الإلكتروني هو المتهم الرئيسي برفقة المكياجات التي تتحدث عن دسائس ومؤامرات كونية وأحيانا إقليمية أو داخلية هو أقرب الى ذريعة وحجة العاجز والقاصد.
طبعا الذباب موجود ويتحرش بالأردن بين الحين والآخر.
وطبعا الأردن مستهدف وأغلب التقدير المستهدف الأخطر لنا شريك السلام الذي كان دافئا والعصابات التي تحكم إسرائيل.
انتقل مؤخرا توجيه تهمة لا على التعيين اسمها الذباب الإلكتروني لتلك الخطابات الرسمية والبيروقراطية التي تطل على رؤوسنا كلما حاول موظف ما التهرب من مسؤولياته الى بيانات عدة جهات بدلا من تحليل وتشخيص ما يجري مع الرواية الأردنية عموما تمطرنا بعض الأطر بالحديث عن ذباب وجيش إلكترونيين يتبرصان بالبلاد والعباد.
نعم يوجد ذباب… نعم بعضه موجه ضد الرواية الأردنية… نعم بعضه الآخر يدار من قبل حسابات وهمية تتبع حكومات أحيانا بما فيها حكومات صديقة. لكن يوجد جمهور مستعد وجاهز لتلقف تلك السموم الإلكترونية ويوجد نمل محلي وحشرات من كل نوع بيروقراطي وتسريبات لا يألفها الشعب الأردني من داخل مؤسسات أحيانا ووثائق ومعلومات تصدر فجأة وتعلم السلطات أن مصدرها موظفون عاملون أو خلافات بينهم فتتأزم الأوضاع وتكهرب المجتمع وينتج عنها آلاف الشائعات السوداء.
التصدي للذباب يتطلب 3 مسائل أساسية على الحكومة أن تقر بأنها لا تجيدها.
أولا ـ وجود مصائد إلكترونية وتقنية رفيعة المستوى وظيفتها مع مشرفين تقنيين لديهم مهارة التقاط الذبابة قبل هبوطها.
ثانيا ـ تعميم المصارحة والشفافية والتوقف عن سياسة حجب المعلمات وتعلم الدروس من القيادة المرجعية في هذا الشأن بدلا من الاستمرار في اتهام الغائب الدائم.
ثالثا ـ بنية تشريعية وبيروقراطية تصنف الجمهور وتحصن الأردنيين بالمعطيات بمعنى العودة لزرع اليقين في عمق المجتمع وصولا الى مستوى لا يحفل به المواطن الأردني بيقينه وبعلاقته مع مؤسساته ودولته حتى لو اجتمعت عليه كل حشود الذباب على الشبكة.
الأفضل من تضخيم ماكينة الذباب الالكتروني هو تحول وعي المواطن الأردني الى مصيدة ترد السموم الإلكترونية وذبابها تلقائيا وبعفوية وطنية
مساحات الاستهداف والتشويش والسوداوية التي يتحدث عنها رئيس الوزراء علنا لا يمكن تقليصها باتهام ذلك الجيش الإلكتروني الافتراضي فقط بل على الحكومة أن تحترم عقول الشعب وتبدأ بإجراءات حقيقية لتحصين المجتمع لأن المسالة لا تتعلق بتسريبات وروايات يحيكها خصوم أو أعداء حقيقيون كانوا أم وهميين ضد البلد وحكاياته ورواياته.
جزء مما يصفه المسؤولون والمنافقون لهم أحيانا بالذباب الإلكتروني هو في أصله تمثيل لصحافة وتفاعل مجتمع بذاته على الشبكة، وإذا كانت السلطات منزعجة من كيفية تفاعل الأردنيين سلبا أو إيجابا مع قضاياهم أو قضايا الحكومة فالواجب التحدث مع الناس وإقناعهم ومعالجة الخلل وليس تسمين عدو ضخم وعملاق بتنا نسمع عنه كثيرا دون مبرر وهو الذباب الإلكتروني.
أحسب شخصيا، وأمري الى الله، أن الهدف من تضخيم قصة وجود جيوش من الذباب الإلكتروني تتصدى لنا نحن النشامى وتحيك المؤامرات بالليل قد يكون إعادة تلميع قانون عرفي واستبدادي وظالم بامتياز وتوفير مبررات بالتعسف باستعمال نصوصه هو قانون الجرائم الإلكترونية الجديد.
نضم الصوت للقلقين على حريات التعبير في الأردن وللخائفين بكثرة من أن ترديد عبارة الذباب الإلكتروني هدفه الأبعد تقليص حريات التعبير وإغلاق أفواه الأردنيين والاستثمار في القمع والاستبداد التعبيري بدلا من حصول العكس للحد من تأثير وحجم نفوذ الذباب إياه.
ينبغي أن نتوقف عن الاستغراب من وجود سلبية على منصات التواصل الاجتماعي عند المواطنين لصالح توضيح الصورة وشرحها ولصالح معالجة الخلل البيروقراطي والتشريعي هنا بدلا من الوقوف عند أسهل الوصفات بعد التذمر والشكوى وهي فرض عقوبات وغرامات مع أن الأسرع والذي يعالج الأمور بشكل عميق وجذري هو المصارحة وإعادة زرع اليقين في نفوس المواطنين.
الأفضل من تضخيم ماكينة الذباب الالكتروني هو تحول وعي المواطن الأردني الى مصيدة ترد السموم الإلكترونية وذبابها تلقائيا وبعفوية وطنية.
وأغلب التقدير، يا سادة يا كرام، أن الذباب الإلكتروني إياه لا يمكن مواجهته بالإكثار من الحديث عنه فقط فهو نتيجة طبيعية لتلك السرديات المنقوصة والتأخر في عرض المعلومات وغياب احترام عقول الناس والشرح لهم وهو، طبعا ودوما، مساحة يومية من ترويج السموم تتغذى على غياب المعلومة وعلى صمت الناطقين الرسميين وعلى التردد في ملف الشفافية.
ينبغي أن لا نستغرب تلقف الأردنيين على منصاتهم التعبيرية لتفسيرات ومعلومات وتأويلات ضارة ومسيئة مادامت الرواية الرسمية إما منقوصة أو حتى متأخرة.
ومادام الذين يقودون مفاصل الإعلام في هيكل الحكومة منقسمون الى شريحتين فقط هما خبير حقيقي مهنيا قرر أنه لا يريد أن يعمل ومسؤول خدمته وظيفيا الصدفةُ أو المحاصصة والمواصفات والمقاييس غير المهنية ولا يعرف كيف يعمل. سمح في غفلة رسمية ما بإنتاج ظاهرة المعارضة الخارجية. وما نقوله باختصار: يا سادة يا كرام لا ذباب إلكترونيا ولا ما يحزنون.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»